مراسلو الجزيرة نت
موسكو – في ضوء إدانة روسيا اغتيال إسرائيل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وتحميلها المسؤولية الكاملة عن أي عواقب لاحقة، يرى مراقبون روس أن احتمال اندلاع حرب واسعة وشاملة في المنطقة بات أكبر، معتبرين أن الكرة في ملعب إيران للرد على ما وصفوه بـ”التجاوز الإسرائيلي للخطوط الحمراء”.
وقالت الخارجية الروسية في بيان إنها تدين “بشدة جريمة قتل سياسية أخرى ترتكبها إسرائيل”، وإن “هذا العمل العنيف محفوف بعواقب وخيمة كبرى على لبنان والشرق الأوسط بأكمله. لم يكن بوسع الجانب الإسرائيلي إلا أن يدرك هذا الخطر، لكنه اتخذ خطوة مماثلة بقتل مواطنين لبنانيين، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى موجة جديدة من العنف”.
وتابع بيان الخارجية “إننا نحث إسرائيل مرة أخرى على وقف الأعمال العدائية على الفور، وهذا من شأنه أن يوقف إراقة الدماء ويهيئ الظروف لتسوية سياسية ودبلوماسية”.
وبمقاربات وتحليلات مختلفة ومتباينة، تابعت وسائل الإعلام الروسية تطورات الأحداث المتعلقة بالأوضاع في المنطقة عموما، وباغتيال الأمين العام لحزب الله خصوصا، والسيناريوهات المتوقعة.
ووفقًا لمصادر روسية ولبنانية، توجد قنوات اتصال دائمة بين موسكو وحزب الله منذ زمن طويل، تعززت بشكل أكبر خلال الأحداث في سوريا حيث وجدت القوات العسكرية لكلا الطرفين نفسها في مواجهة ما تسميانها بـ”القوى التكفيرية”.
ويأتي الاهتمام الكبير من المراقبين الروس بالتطورات الدراماتيكية في لبنان على خلفية العلاقات المتشابكة التي تربط موسكو ببلدان المنطقة وحيويتها بالنسبة لروسيا في الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، والتي زاد اهتمام الكرملين بها على ضوء تدهور العلاقات مع المنظومة الغربية بسبب الحرب على أوكرانيا.
نحو المجهول
يقول الخبير في الشؤون العربية أندريه أونتيكوف إن تل أبيب باغتيالها زعيم حزب الله حوّلت لبنان إلى الساحة الرئيسية للصراع القائم حاليا في المنطقة، مع ما سيتبع ذلك من ارتدادات قد تؤدي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة.
وأضاف أونتيكوف، في حديث للجزيرة نت، أن المؤشرات تقود إلى ارتفاع احتمالات وقوع حرب شاملة في المنطقة على ضوء الممارسات الإسرائيلية التي لم تعد تلتزم بأي خطوط حمر أو قواعد اشتباك، والدعم غير المحدود الذي تلقاه الدولة العبرية من الإدارة الأميركية وحلفائها الغربيين.
ويبيّن المتحدث أن ارتفاع مستوى “الوحشية الإسرئيلية” لم يكن ليحصل لو لم تبدأ الدولة العبرية باستشعار خطر وجودي عليها، يشكل حزب الله أحد أهم أركانه.
وحسب رأيه، فإن اغتيال نصر الله أنهى كل الرهانات على حصول حل سياسي أو تفاهمات تتيح على الأقل الاتفاق على تهدئة ولو مؤقتة، أو تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، مما يعزز إلى حد كبير من فرضية حصول حرب شاملة في المنطقة وانخراط عناصر جديدة فيها.
ويتابع أن الحديث الآن يدور حول اغتيال شخصية بارزة في الشرق الأوسط وتشكل العمود الفقري للقوى المعادية لإسرائيل في المنطقة، وأن السؤال الآن بات حول مصير ومستقبل هذه القوى إذا لم تقم برد يتناسب مع العملية ويعيد لحزب الله وحلفائه زمام المبادرة، لا سيما على ضوء التحديات التي تواجه المنطقة والحديث الإسرائيلي المتواترعن “إعادة ترتيبها”.
ورجح أونتيكوف أن يكون الرد الأولي من قبل “الطرف الأكثر تشددا” ضمن هذا الحلف وهو جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تتمتع بهامش حركة أوسع وقدرات صاروخية أكبر، وفي الوقت ذاته لا تتقيد بهوامش محدودة تفرضها الحقائق السياسية كما هو الحال في العراق، حسب قوله.
في الملعب الإيراني
بدوره، استبعد مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف أن تؤدي عمليات الاغتيال المتلاحقة لقيادات في حزب الله إلى تعطيل القدرات العسكرية للحزب، مدللًا على ذلك بمواصلة قصف الأراضي الإسرائيلية وإن بوتيرة أقل.
ووفقا له، فإن حقيقة أنه بعد الهجوم على بيروت مباشرة كان هناك وابل انتقامي من حزب الله يشير إلى أن بعض الأوامر لا تزال تصدر بغض النظر عما إذا كانت القيادة العليا مشلولة أم لا.
وحسب تعبيره، فإن ما حصل شكل ضربة كبيرة لحزب الله، لكنها لا تدمر الجماعة نفسها، ولا تؤثر بشكل خطير في قدرتها على القيام لاحقا بعمليات قتالية.
بموازاة ذلك، يعتبر المتحدث أن القيادة الإيرانية باتت أمام استحقاق حسّاس ومهم، وأن الكرة باتت في ملعبها حيث بدت وكأنها تظهر حذرا شديدا تجاه حلفائها، ولا تريد الذهاب نحو مزيد من التصعيد، وتحاول تجنّب حرب كبرى وضربات انتقامية واسعة النطاق على أراضيها من إسرائيل.
وبرأيه، إذا ظلت إيران في موقف الطرف الذي لا يقوم بعمل عسكري قوي ضد إسرائيل في الوضع الحالي، فسيكون ذلك بمثابة ضرر كبير بسمعتها كدولة تقدم نفسها بصفتها العدو الرئيسي لإسرائيل، لكنها لا تقوم بما يلزم لحماية حليفها الرئيسي في المنطقة.