واشنطن- بين صدمة ما حدث والخوف مما قد يحدث، يصبح النوم رفاهية لا يدنو منها أهل غزة مع تجاوز الحرب الإسرائيلية على القطاع المئة يوم.

تفيد الإحصائيات بارتفاع معدلات الأرق حول العالم، ويعمل باحثون على رصد الآثار السلبية لقلة النوم على الإنسان المعاصر، لكن حصول المدنيين في حالة الحرب على احتياجاتهم من النوم لا يحظى باهتمام كبير.

ومع استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وارتفاع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 26 ألفا، ونزوح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، كيف ينام أهل غزة؟

نازحون فلسطينيون يدفئون أنفسهم بالنار في يوم بارد ممطر في المخيمات (رويترز)

نغفو ولا ننام

“لا أحد ينام في غزة”، جاء الرد واضحا وجازما عبر الهاتف من محمد سلامة، المحاصر في مستشفى ناصر في خان يونس منذ أيام.

لم ينم محمد، المصور، منذ 4 أشهر. وفي حديثه مع “الجزيرة نت” قال “هنا في غزة لا ننام، لكننا نغفو ساعة أو اثنتين في أفضل الأحوال”.

يحتاج البالغون الأصحاء، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عاما، إلى ما بين 7 و9 ساعات من النوم في الليلة، وقد يتطلب الأمر المزيد بالنسبة للأصغر سنا. هذا ما توصلت إليه لجنة من الخبراء، شكلتها المؤسسة الوطنية الأميركية للنوم، والأكاديمية الأميركية لطب النوم، وجمعية أبحاث النوم.

وفي حديث مع “الجزيرة نت” أكد الأستاذ الفخري بجامعة كوينز، أليستير ماكلين، أنه من الأفضل أن تكون هناك فترة نوم موحدة لا تقل عن 5 ساعات، باعتبار النوم أمرا مهما جدا لحياة الإنسان.

أليستير ماكلين الأستاذ الفخري بجامعة كوينز والباحث في مجال النوم (المصدر: موقع جامعة كوين الأميركية)

“ماكلين”، الباحث في مجال النوم، قال إنه في حالة الحرب أو الصراع، يبدو من المعقول افتراض وجود عدد من العوامل التي من شأنها أن تؤثر على طبيعة وجودة النوم، من بينها الحرمان من النوم، واضطرابات في إيقاع الساعة البيولوجية بسبب النوم المتقطع أو فترات النوم المتغيرة، والضغوط النفسية، والإجهاد الفسيولوجي.

ولفت “ماكلين” إلى أنه مع زيادة الحرمان من النوم، يختبر الأفراد تغيرات عديدة، تزداد كلما طالت فترة الحرمان، ومن أبرز تلك التغيرات الشعور بالنعاس والانزعاج والاضطرابات البصرية.

اتفقت دكتورة العلوم النفسية والدماغية في مؤسسة أمهرست الطبية التابعة لجامعة ماساتشوستس، ريبيكا إم سي سبنسر، مع ماكلين على أن الحرب وما ينتج عنها من إجهاد حاد يؤثر بشكل كبير على جودة النوم ويحدث الكثير من الاضطرابات النفسية والجسدية، لكنها أضافت أيضا في حديثها مع “الجزيرة نت” أن التغيرات في بيئة النوم الناتج عن النزوح القسري يقلل، كذلك، من النوم وجودته.

يشبه نوم كبار السن

يغفو محمد بالحذاء وبملابسه الوحيدة المتوفرة لديه. لكن غفوة لساعة واحدة يتخللها الكثير من الأفكار والأحداث، “نسيت كيف يكون الاستغراق في النوم، أثناء غفوتي يبقى عقلي واعيا، أسمع أصواتا كثيرة دون وجوه، أفكر في الاستهدافات التالية، في المباني التي قد تقع على رؤوسنا وأصحو فزعا ما بين دقيقة وأخرى”.

تشبه تجربة النوم القصير والمتقطع ما يعانيه كبار السن، وتوضح سبنسر أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انخفاض معدل الإدراك مثل ضعف الذاكرة، ومشاكل الصحة العقلية كالشعور بالوحدة.

وقالت سبنسر “يرتبط النوم المنخفض أو المضطرب بضعف في الوظائف الإدراكية، والتوتر والقلق، والصحة البدنية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.

ويحذر ماكلين من أن الحرب والظروف الخطرة لفترة طويلة للغاية تدخل الشخص في دوامة من التوتر الشديد تحرمه من النوم العميق، ويصبح النوم المتقطع هو الطبيعي، الذي بدوره يقلل من قدرته على التعامل مع التوتر وتستمر تلك الدوامة دون مخرج، “إضافة إلى أن قلة النوم تزيد من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، وتضعف عملية اتخاذ القرار والقدرة على التكيف بسرعة مع المتطلبات البيئية المتغيرة”.

لن ننام مرة أخرى

يحتمي محمد بمستشفى ناصر في خان يونس بقطاع غزة، منذ 5 أيام، لكن الدبابات الإسرائيلية تحاصر المستشفى وتطلق النار على محيطه وعلى الطوابق العلوية بمبنى الجراحات التخصصية ومبنى الطوارئ، وتسقط عشرات المدنيين.

تقطع الاتصال معه عدة مرات عبر الهاتف، لكن صوته جاء ثابتا. قال محمد، بينما يقصف محيط المستشفى من حوله، “لم يعد هناك مكان نلجأ إليه”. وتحدث عن لياليه مع العشرات داخل المستشفى، “في الليل لا تغادرنا الكوابيس، أسمع صراخ الأطفال والكبار أثناء نومهم، وأرى جثثا تعثرت فيها صباحا أو ساعدت في دفنها. حتى لو غفوت رغما عن الكابوس، يوقظني صراخ شخص آخر بجانبي وأشعر بالإرهاق المستمر. لا أعتقد أننا سنستطيع النوم بعمق مرة أخرى”.

نازحون فلسطينيين في المخيمات في رفح بجنوب قطاع غزة (الفرنسية)

يؤثر النوم على قدرة الشخص على الأداء بفعالية وتحمل الضغوط النفسية والفسيولوجية، واعتبر ماكلين أن قلة النوم واضطرابه يزيدان من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، ويضعفان عملية اتخاذ القرار والقدرة على التكيف بسرعة مع المتطلبات البيئية المتغيرة.

وقال ماكلين إن الحرمان من النوم بسبب الحرب يؤثر على الأداء ليشمل:

  • الهفوات، وتوصف هذه أحيانا بأنها “نوبات صغيرة” أو “كتل” تتكون من فترات قصيرة من عدم الاستجابة. ورغم أنها تكون قصيرة في البداية تصل إلى حوالي 0.5 ثانية، فإنها تصبح أكثر تكرارا وأطول مع استمرار فقدان النوم.
  • الصلابة المعرفية، وتعني الافتقار إلى الإبداع في طريقة التعامل مع مهمة ما.
  • التباطؤ المعرفي، وهو انخفاض في سرعة معالجة المعلومات.

وذكر ماكلين أن التأثيرات السابقة للحرمان من النوم أو النوم المتقطع لا تتضاءل بشكل رتيب، بل يتم تعزيزها أو تخفيفها اعتمادا على مدة النوم خلال اليوم، وكلما قل مقدار النوم وجودته زادت التأثيرات السلوكية والنفسية والجسدية بشكل سلبي.

شاركها.
Exit mobile version