يوصف وقود الهيدروجين بأنه “طاقة المستقبل”، لذلك من المتوقع ازدياد الطلب على غاز “الأمونيا” الذي يعد واحدا من أفضل الطرق لتخزين الهيدروجين، وهو ما يتطلب الاهتمام بوجود أجهزة تستشعر أي تسريبات لهذا الغاز، وذلك لضمان التشغيل الآمن، وهو ما قام به مهندسون أستراليون من المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن، حيث وفروا حلا أُعلن عن تفاصيله في دورية “أدفانسيد فانكشنال ماتريال”.

وتستخدم “الأمونيا” التي يقدر إنتاجها العالمي بنحو 235 مليون طن متري (الطن المتري يعادل  1000 كلغم)، كحامل في عملية تخزين الهيدروجين التي تعرف باسم “تحلل الأمونيا”. وفي هذه العملية، تتحلل حراريا إلى العناصر المكونة لها وهي النيتروجين والهيدروجين، ويمكن تحفيز التفاعل بمواد مختلفة -وعادة عند درجات حرارة مرتفعة- لتعزيز كفاءة إطلاق الهيدروجين.

وعلى الرغم من أن هذه الطريقة توفر وسيلة لتخزين الهيدروجين، فإن هناك تحديات مرتبطة بها، وأهمها معالجة مخاوف السلامة المتعلقة بتسرب الأمونيا، حيث يمكن أن يشكل الغاز العديد من المخاطر الصحية مثل تهيج العين والجلد والجهاز التنفسي، خاصة عند التعرض له بتركيزات عالية أو لفترات طويلة.

“الأمونيا” تعمل كحامل في عملية تخزين الهيدروجين (شترستوك)

“الأمونيا” في التنفس البشري

على الرغم من أن تعرض الإنسان للأمونيا يمكن أن يكون ضارا، فإن الغاز موجود أيضا في التنفس البشري، ويمكن أن يكون بمثابة علامة حيوية لتشخيص العديد من الأمراض مثل الاضطرابات المرتبطة بالكلى والكبد.

والأمونيا نتيجة ثانوية لاستقلاب البروتين في الجسم، ويجري إنتاجها أساسا في الكبد نتيجة لتحلل الأحماض الأمينية. وفي الظروف العادية، يقوم الكبد بتحويل الأمونيا إلى اليوريا، والتي يُخرجها الجسم بعد ذلك عن طريق البول. ولكن عندما تتضرر وظيفة الكبد كما هو الحال في أمراض الكبد أو فشله، فقد لا يتمكن الكبد من معالجة الأمونيا بكفاءة، مما يؤدي إلى تراكمها في مجرى الدم.

وبمجرد تراكم الأمونيا في مجرى الدم يمكن أن تنتشر إلى الرئتين لتخرج مع الزفير، وتُعرف هذه الظاهرة باسم “رائحة الأمونيا”، ولذلك، فإن قياس مستوياتها في التنفس يمكن أن يوفر معلومات قيّمة عن عمل الكبد والكليتين، وقد تشير المستويات المرتفعة منها في التنفس إلى خلل في الكبد أو اضطرابات التمثيل الغذائي الأخرى التي تؤثر على استقلابها.

ونظرا لأن المستشعر الذي أعده الفريق البحثي الأسترالي لأغراض صناعية، يستطيع قياس كميات صغيرة من الأمونيا، فيمكن توظيفه أيضا لاكتشاف الغاز الموجود في أنفاس الناس لتنبيه الأطباء إلى الاضطرابات الصحية.

الأمونيا تتراكم في مجرى الدم عندما لا يتمكن الكبد من معالجتها بكفاءة وتُشخّص باختبار دم (شترستوك)

تتبّع الغاز بالمقاومة الكهربائية

تقول كبيرة الباحثين بالمعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن والباحثة الرئيسية بالدراسة الدكتورة نيتو سيد في بيان أصدره المعهد: “المستشعر يعتمد على  ثاني أكسيد القصدير الشفاف الرقيق، والذي يمكنه بسهولة تتبع الأمونيا بمستويات أصغر بكثير من التقنيات المماثلة”.

وتوضح أنه “عند وجود الأمونيا في الهواء، فإنها تتفاعل مع طبقة أكسيد القصدير الموجودة على المستشعر، مما يسبب تغيرات في مقاومتها الكهربائية، وكلما زاد تركيز الأمونيا زاد التغير في المقاومة، ويُقاس بعد ذلك هذا التغير بواسطة المستشعر، مما يسمح له باكتشاف حتى الكميات الصغيرة من الأمونيا، وإضافة إلى ذلك فإن المستشعر قادر على تمييز الأمونيا عن الغازات الأخرى بانتقائية أكبر من التقنيات الأخرى، لذلك فإن المستشعر يبدو كما لو أنه أنف كهربائي”.

وأجرى الفريق تجارب باستخدام المستشعر الخاص بهم في غرفة مصممة خصيصا لاختبار قدرته على اكتشاف غاز الأمونيا بتركيزات مختلفة (5-500 جزء في المليون) في ظل ظروف متباينة، بما في ذلك درجة الحرارة، كما اختبروا انتقائية الجهاز للأمونيا ضد الغازات الأخرى، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون والميثان.

ويقول الباحث المشارك بالدراسة تشونغ نغوين إن”مستشعرهم المصغر يوفر طريقة أكثر أمانا وأقل تعقيدا للكشف عن الغاز السام مقارنة بالتقنيات الحالية”.

الباحثون نيتو سيد (يسار) وإلياس صبري (وسط) وتشونغ نغوين في مختبرهم (المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن)

وتُنتج الأساليب الحالية للكشف عن الأمونيا قياسات دقيقة، ولكنها تتطلب معدات مختبرية باهظة الثمن مع فنيين مؤهلين وأخذ عينات، وغالبا ما تستغرق هذه العملية وقتا طويلاً وأجهزة ثقيلة.

وإضافة إلى ذلك يتضمن تصنيع أجهزة الكشف عن الأمونيا اليوم عمليات مكلفة ومعقدة لإعداد طبقات حساسة لتصنيع أجهزة الاستشعار، وتجاوز كل هذه المعوقات في المستشعر الجديد، كما يوضح نغوين.

كيف يُصنع المستشعر؟

يُصنع المستشعر الجديد بخطوات بسيطة وليست معقدة، يشرحها الباحث المشارك بالدراسة إلياس صبري على النحو الآتي:

  • أولا- ترسيب ثاني أكسيد القصدير: يبدأ المستشعر بترسيب ثاني أكسيد القصدير الشفاف والرفيع ذريا على مادة أساسية، ويعد هذا الترسيب أمرا بالغ الأهمية لوظيفة المستشعر.
  • ثانيا- استخلاص طبقة أكسيد القصدير: تُستخلص طبقة أكسيد القصدير مباشرة من سطح القصدير المنصهر عند درجة حرارة 280 درجة مئوية، حيث تُنتج هذه العملية طبقة رقيقة من أكسيد القصدير.
  • ثالثا- تحقيق النحافة: فطبقة أكسيد القصدير التي نحصل عليها رقيقة بشكل لا يصدق، حيث تكون أرق بنحو 50 ألف مرة من الورق، وتعتبر هذه النحافة الشديدة ضرورية لحساسية المستشعر وفعاليته.
  • رابعا- خطوة تركيبية واحدة: فعملية التصنيع تتضمن خطوة تركيبية واحدة فقط، وتعتبر هذه البساطة مفيدة مقارنة بالطرق الأخرى التي قد تتطلب خطوات متعددة أو إجراءات معقدة.

ويقول صبري إن “عملية التصنيع لا تتضمن استخدام المذيبات السامة، وهذا يضمن السلامة ويقلل من التأثير البيئي”.

عملية تصنيع المستشعر تتضمن خطوة تركيبية واحدة فقط (المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن)

في انتظار تجارب النطاق الكبير

وتبدو كلفة إنتاج المستشعر وفق خطوات تصنيعه، منخفضة إلى حد كبير، كما أنه يقبل التطوير، مما يسمح بإنتاجه بكميات ضخمة، ولمجموعة متعددة من التطبيقات. ولكن ينبغي التأكد من أنه يعمل على نطاق كبير بنفس الكفاءة التي ظهرت في التجارب، كما يقول أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة جنوب الوادي المصري أيمن حلمي.

ويوضح حلمي في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”، أن التأكد من عمل المستشعر في تطبيقات العالم الحقيقي يتطلب اختبارات لفاعليته في اكتشاف الأمونيا بتركيزات مختلفة وتحت ظروف بيئية مختلفة.

ويضيف أنه “يجب التأكد أيضا من استمرارية عمله بنفس الكفاءة والفاعلية على المدى الطويل، وهذا يحتاج إلى استخدامه في أكثر من تجربة وعلى فترات زمنية طويلة بعض الشيء”.

شاركها.
Exit mobile version