منذ ساعات الصباح الأولى، يبدأ ‫عبد الله الحرازين يومه الشاق في حي الرمال بمدينة غزة، ‫ببحث مستمر عن مصدر للمياه الصالحة للشرب لعائلته. ‫ويتجول الحرازين وبيده “جالون” المياه الفارغ، بين الأحياء والطرقات ‫والأزقة، يتحرك بخطى ثقيلة تحمل عبء البحث المستمر عن مصدر للمياه ‫الصالحة للشرب لعائلته.

‫ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دمرت إسرائيل خلال عدوانها ‫على قطاع غزة غالبية طرقات وآبار المياه؛ وهو ما دفع سكان المدينة لشرب ‫المياه الملوثة، بحسب حسني مهنا، المتحدث باسم بلدية مدينة غزة.

‫ويعبر الشاب “الحرازين” شوارع المدينة بنظرة حزينة في عيونه بين الركام ‫والطرقات وشبكات الصرف الصحي والآبار المدمرة بفعل الحرب الإسرائيلية ‫على القطاع، للبحث عن مياه حتى تلك المتراكمة بالشوارع.

‫وتعرض أبناء الحرازين للمرض جراء استهلاكهم مياه الآبار ‫القديمة، التي تكون مالحة وملوثة، ما دفعه إلى البحث لساعات طويلة في ‫محاولة يائسة للعثور على مصدر للمياه النظيفة، ولكن بدون جدوى.

‫ وقال الحرازين لوكالة الأنباء الألمانية: “تعرض أطفالي للإسهال ‫والمغص الشديد جراء شرب المياه المالحة والملوثة التي نستخرجها من بئر ‫مياه سنوات لم يستخدم منذ سنوات”.

لون ورائحة كريهة

‫وأضاف: “مع الأسف، المياه التي نستخرجها من البئر لها لون ورائحة كريهة ولكن ‫نعمل على غليها على نار الخشب قبل أن نشربها ولا يوجد بديل لذلك، نضطر ‫لشربها كي نبقى أحياء”.

‫معاناة نقص المياه لا تقتصر على أسرة واحدة في القطاع، بل تمتد لتلامس ‫حياة العديد من الأسر والسكان في المناطق الشمالية للقطاع ومدينة غزة. و‫يأتي هذا النقص بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من تلك المناطق، مخلفا ‫وراءه خرابا كبيرا.

‫وفي أحد الأزقة الضيقة بمدينة غزة، تنتظر سميرة سعدة، ‫البالغة من العمر 33 عاما، دورها في طابور يمتد لمئات الأشخاص، يتجمعون ‫للحصول على “جالون” من مياه البئر التي تم حفره في أحد الشوارع بمبادرة من ‫السكان.

‫وتقول سعدة لوكالة الأنباء الألمانية: “بعد ساعات طويلة من الانتظار، أحصل على المياه ‫المالحة، وأسخنها حتى تغلي لكي يتم تعقيمها، بعد ذلك، أنتظر لكي ‫تبرد ثم أسقيها لأطفالي أو أحضّر الحساء بها”.

‫وتضيف سعدة والحزن في صوتها: “ببساطة، الحصول على المياه في القطاع أصبح ‫أمرا بالغ الصعوبة بفعل الحرب، وحتى عندما نحصل على مياه، تكون غالبا ‫مياه ملوثة ومالحة”.

‫وتابعت: “لا بديل لنا غير المياه المالحة، رغم أنها تضر بصحتنا ‫وصحة أطفالنا، حيث يعاني الأطفال دائما من المغص والإسهال”.

‫وتحلم سعدة بالحصول على مياه صالحة للشرب، وكذلك على إمكانية الحصول ‫على طعام وحليب لأطفالها الثلاثة.

حكم بالإعدام

‫وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وهو منظمة مستقلة غير ربحية ‫تنشط في جنيف، في بيان له: “مناطق مدينة غزة وشمال القطاع تواجه مأساة ‫مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة الشرب، ومنع ‫وصولها، بما يمثل حكما بالإعدام الفعلي”.

‫وأضاف المرصد: “العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات ‫المياه عن قطاع غزة والقصف الإسرائيلي المنهجي والمتعمد لآبار ومصادر ‫المياه، إلى جانب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه”.

‫وحذر الأورومتوسطي من أن نقص مياه الشرب في قطاع غزة بات مسألة حياة أو ‫موت، في وقت يجبر السكان على استخدام مياه غير نظيفة من الآبار، وهو ما ‫ساهم في انتشار الأمراض المنقولة والمعدية، خاصة مع انقطاع الكهرباء ‫الذي ساعد في نقص إمدادات المياه.

‫وبحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإن الهجمات العسكرية الإسرائيلية ‫المستمرة دمرت البنية التحتية المائية في قطاع غزة، بما ما لا يقل عن ‫56% من آبار المياه في مدينة غزة وشمال القطاع، بحسب ما ذكره بيان ‫المرصد.

شاركها.
Exit mobile version