شمال سوريا- تواصل الليرة السورية تسجيل خسائر جديدة في قيمتها أمام الدولار، لتقترب من 15 ألف ليرة سورية للدولار الواحد في تعاملات، أمس الأربعاء، في أعقاب مراسيم النظام السوري الأخيرة التي تمنع تداول العملات الأجنبية في المعاملات والدفع، وتشدد الرقابة على السوق السوداء والعاملين في الصرافة والتحويلات المالية.

وخلافا للتوقعات المنتظرة من حكومة النظام بسماح التداول الحر للعملات الأجنبية، وإلغاء العقوبات على التعامل بغير الليرة السورية، فإن المرسومين يشددان الرقابة والعقوبات، ويصبان في احتكار الحكومة للقطع الأجنبي، ويحصران التعامل عبر القنوات المالية المقربة من السلطة في البلاد.

ويرى اقتصاديون أن من شأن المراسيم أن تزيد من تدهور قيمة الليرة السورية، رغم الثبات النسبي الأخير، فضلا عن أثرها السلبي على التجار، في ظل فقدان ثقتهم بالليرة واعتمادهم بشكل أساسي على الدولار في المعاملات التجارية.

ما مضمون المرسومين؟

أكد المرسوم التشريعي المرسوم رقم 5 للعام 2024 على منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، وحافظ على العقوبات المتعلقة بالحبس أو السجن، لكنه أتاح للمدعى عليهم التسوية أمام القضاء، لتسقط عنهم عقوبة الحبس أو السجن التي قد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من 7 سنوات.

اقتصاديون يؤكدون أن ملاحقة مكاتب الصرافة حرم البلاد من القطع الأجنبي عبر قنوات تصريف غير رسمية (الجزيرة)

ولا يسري المرسوم 5 على الأجنبي غير المقيم أو المستثمر الأجنبي في سوريا، وأن أعمال التجارة الخارجية لا تعد جرما معاقبا عليه في تطبيق أحكام هذا المرسوم.

وبشأن الصرافة وتحويل الأموال للخارج، أظهر المرسوم رقم 6 للعام 2024 تشددا في عقوبات من يزاول مهنة الصرافة دون ترخيص، ومن يقوم بنقل أو تحويل العملات الأجنبية أو الوطنية بين سوريا والخارج دون ترخيص.

ويعاقب المرسوم على ذلك بالسجن المؤقت من 5 سنوات إلى 15 سنة، وبغرامة مقدارها 3 أمثال المبالغ المصادرة على ألا تقل الغرامة عن 25 مليون ليرة سورية، ومصادرة المبالغ المضبوطة نقدا.

“المرسوم القاتل”

ويرى المستشار الاقتصادي ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة قاضي أن فكرة التعامل بغير الليرة السورية وإغلاق مراكز الصرافة فشلت فشلا ذريعا، مؤكدا أن المرسوم رقم 5 لم يمنع انخفاض الليرة السورية، أو يبطئ من عملية انهيار العملة.

ويصف قاضي -في حديث للجزيرة نت- المرسوم رقم 3 الصادر من نظام الأسد في عام 2020 بـ”المرسوم القاتل” للنظام الاقتصادي في سوريا، لأنه خفف من النشاط الاقتصادي لأقل من 20%، وحرم النظام السوري من المليارات القادمة من تحويلات المغتربين والعاملين في الخارج.

وقال أسامة قاضي إن سعر الصرف كان ألف ليرة للدولار الواحد عندما صدر المرسوم 3 في عام 2020، في حين يتجاوز اليوم 14 ألف ليرة، معتبرا أن هناك من ورط النظام السوري في إصدار هذه المراسيم.

وأعرب المستشار الاقتصادي السوري عن اعتقاده أن المرسوم 5 هو عملية ابتزاز للتجار المتعاملين بغير الليرة، عندما سمح لهم بالتسوية في القضاء عبر مبالغ مالية تدفع لخزينة الدولة، لحاجة النظام الماسة للقطع الأجنبي.

انكشاف تجاري

وفي مدينة حلب التي تعتبر عاصمة البلاد الاقتصادية تحدث عاملون في الصرافة والحوالات المالية عن مخاوفهم من الملاحقات الأمنية من قبل سلطات النظام السوري، مؤكدين أنهم باتوا يعملون بأقصى درجات الحذر، جراء المراسيم التي تلاحقهم وتحد من التحويلات المالية غير الرسمية.

عاملون في الصرافة والحوالات المالية في حلب عبروا عن مخاوفهم من الملاحقات الأمنية للنظام السوري إذا لم يتقيدوا بالمراسيم (الفرنسية)

وقال صراف (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية) إن معظم التعاملات باتت تتم في الشارع سواء عبر تسليم الحوالات أو تصريف العملة الأجنبية، يقوم بها وسطاء بأسماء مستعارة.

ويرى المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن تشدد حكومة النظام في ملاحقة التعامل بغير الليرة السورية أوقف كل القنوات غير الرسمية التي تضخ الدولار إلى السوق والأفراد والمنظمات، الذين كانوا بدورهم يحولونها إلى الليرة السورية، موضحا أن هذه الدولارات كانت تصب بيد التجار للاستيراد أو شركات الصرافة التي تأتي للبنك المركزي السوري.

وقال الكريم -في حديث للجزيرة نت- إن المرسوم رقم 5 جاء للتشديد على المرسوم 3، لمنع التداول بغير الليرة السورية، نتيجة الوضع الاقتصادي السوري الذي يعاني من الركود، في وقت يتم فيه استيراد نحو 95% من حاجات السوريين، منها السلع الزراعية.

وأضاف الكريم أن الليرة السورية عمليا فقدت القدرة الشرائية، نتيجة زيادة الانكشاف التجاري في مناطق سيطرة النظام السوري، وارتفاع الواردات على حساب الصادرات، مشيرا إلى وجود خلل هيكلي وقصر لدى المشرع الذي أوصى بمرسوم منع التعامل بغير الليرة.

وبحسب الكريم، فإن سماح إجراء العمليات التجارية بالعملات الأجنبية والدولار وعدم حصرها بالليرة السورية فقط من شأنه أن يصبح العرض بالقطع الأجنبي أكثر من الطلب عليه.

شاركها.
Exit mobile version