في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، شنت إيران هجومًا جويًا واسعًا على إسرائيل؛ ردًا على اغتيالات طالت كبار قادة حزب الله وحماس وبعض الضباط الإيرانيين في بيروت وطهران.
وفي توقع لهذا الهجوم، وللمساعدة في الدفاع عن حليفتها إسرائيل، قامت الولايات المتحدة بتوسيع وجودها العسكري الكبير بالفعل في الشرق الأوسط. وساعدت مدمراتها في اعتراض 180 صاروخًا أطلقتها إيران على القواعد العسكرية في إسرائيل. أصبحت هذه الإجراءات العسكرية روتينية للولايات المتحدة، التي تدخلت مرارًا في المنطقة خلال العقود الماضية؛ لحماية إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر.
لكن التدخلات العسكرية الأميركية حققت تأثيرًا معاكسًا لما كان مقصودًا؛ إذ جعلت إسرائيل أكثر عرضة للخطر وأكثر اعتمادًا على تزايد نشر القوة العسكرية الأميركية. هذا الإرث جعل إسرائيل واحدة من أخطر الأماكن في العالم بالنسبة لليهود.
ويرجع ذلك إلى أن التركيز الأميركي- الإسرائيلي على القوة العسكرية حال دون بذل أي جهود لمعالجة الأسباب الجوهرية للتوترات في المنطقة، وخاصة الصراع الفلسطيني- الصهيوني. كما أدّى ذلك إلى ظهور فاعلين عسكريين جدد وحركات مقاومة شعبية قوية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. حزب الله، حماس، أنصار الله (الحوثيون) وغيرهم يهاجمون الآن بشكل روتيني أهدافًا أميركية وإسرائيلية.
الدعم العسكري السريع والكبير الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل يساهم في استمرار دوامة العنف، ويتناقض مع دعواتها لخفض التصعيد والسعي إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان. قلة قليلة من الناس في الشرق الأوسط يأخذون تصريحات واشنطن على محمل الجد؛ لأن أفعالها تكشف باستمرار أن الحرب، والعقوبات، والتهديدات، والتعزيزات العسكرية كانت أدواتها المفضلة للتعامل مع الأعداء الحقيقيين أو المتخيلين في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، مع استثناءات قليلة جدًا.
حرب إقليمية تتطور تدريجيًا، والولايات المتحدة لا تُجَرُّ إليها من قِبَل إسرائيل، بل تشارك فيها بإرادتها. يعود ذلك إلى أن الولايات المتحدة تعشق الحرب، وتحب الذهاب إلى الحرب من أجل إسرائيل. هناك عدة أسباب لذلك.
تميل واشنطن إلى الحرب لأن السياسيين الأميركيين يدركون أنها تعزز الاقتصاد. إذ يبلغ الآن حجم ميزانية الدفاع الأميركية حوالي 850 مليار دولار، وتزداد بنسبة 2- 3 في المائة سنويًا لسبب معين. تدفع الحروب الإنفاق الدفاعي، الاستثمارات، الوظائف، والأرباح لمئات الشركات الكبيرة والصغيرة في جميع أنحاء البلاد، ومعظمها تتبرع بسخاء لحملات المسؤولين المنتخبين كل سنتين.
حتى الآن، أنفقت واشنطن ما بين 1.8 مليار دولار، و4 مليارات دولار على قصف أنصار الله في اليمن، دون أن توقف هجماتهم على السفن المارة عبر البحر الأحمر، والتي شُنَّت ردًا على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.
العملية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لاعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل في أبريل/ نيسان كلفت ما يقدر بنحو 1.1 مليار دولار. ومن المرجح أن يكون الرد العسكري في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول مكلفًا بشكل مماثل.
تنفق واشنطن هذه المبالغ الكبيرة عن طيب خاطر؛ لتعزيز مكانتها العالمية، وأيضًا لتغذية مجمعها العسكري الصناعي الضخم من خلال عقود مربحة للاستخدام المحلي والتصدير الخارجي.
تغطي المساعدات الأميركية السنوية لإسرائيل، التي تقدر بنحو 4 مليارات دولار، بشكل أساسي أنظمة صنع الحرب التي يتم شراؤها من الشركات الأميركية، مما يشكل حقنة نقدية كبيرة سنوية في مجمع الصناعات العسكرية الأميركية.
إلى جانب تغذية واستعراض آلات الحرب الخاصة بها، تحب الولايات المتحدة الذهاب إلى الحرب من أجل إسرائيل لأسباب أخرى أيضًا.
ترتبط الروابط السياسية والعسكرية الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة جزئيًا بترسبات من حقبة الحرب الباردة، عندما كانت إسرائيل تُعتبر حليفًا رئيسيًا يدافع عن المصالح الأميركية في منطقة تهيمن عليها دول معادية متحالفة مع الاتحاد السوفياتي. وبعد انتهاء الحرب الباردة، استمرت واشنطن في اعتبار تل أبيب حليفًا إستراتيجيًا يساعد في الحفاظ على الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط.
تتأثر السياسة الأميركية بعدة قوى، بما في ذلك الدعاية الإسرائيلية، جماعات الضغط، المسيحيون الإنجيليون، ووسائل الإعلام الرئيسية المؤيدة لإسرائيل، والذين يسهمون أيضًا في تسهيل العمليات العسكرية للدفاع عن إسرائيل.
يبرز الرئيس جو بايدن بين الرؤساء الأميركيين الحاليين كواحد من أكثر المؤيدين المتحمسين لإسرائيل، لسببين: لأنه يستفيد سياسيًا من هذا الموقف، ولأن سنواته التكوينية في السياسة الأميركية تزامنت مع ذروة الدعاية الإسرائيلية والإنجازات الوطنية في الستينيات والسبعينيات. كانت إسرائيل آنذاك لا تزال تُعتبر معجزة إلهية نشأت من أهوال الهولوكوست في أوروبا. وهي وجهة نظر لا يزال الرئيس الأميركي الذي يصف نفسه بفخر بأنه صهيوني، يحملها.
يعكس الكونغرس الأميركي هذه الديناميكيات أيضًا، حيث يضمن تدفق المساعدات السخية والمزايا الاقتصادية والتكنولوجية الخاصة لإسرائيل، والالتزام القانوني بالحفاظ على تفوق إسرائيل على جميع أعدائها.
لعبت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية دورًا مركزيًا في إبقاء الجمهور الأميركي جاهلًا بحقائق القضية الفلسطينية، وداعمًا لإسرائيل وسخاء المساعدات الأميركية لها. كما بررت مغامرات الولايات المتحدة العسكرية في الخارج، وحرّفت تقاريرها بشكل منهجي لتلائم المواقف الإسرائيلية بشأن الصراعات مع الفلسطينيين، ولبنان، وإيران، والشرق الأوسط بشكل عام.
من المرجح أن هذه المواجهة الأخيرة لن تكون الأخيرة. ومع تصاعد الصراع الإقليمي، ستواصل الأساطيل الأميركية زياراتها المنتظمة إلينا، مما يزعزع استقرار المنطقة والعالم. لقد أدى هذا الإرث من النزعة العسكرية الأميركية في الربع قرن الأخير إلى إنشاء حوالي 60 قاعدة عسكرية ومنشأة أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
سيستمر هذا الاتجاه إلى أن يتولى قادة أكثر حكمة محاولة حلّ الصراعات الفلسطينية – الإسرائيلية والأميركية – الإيرانية من خلال مفاوضات تستند إلى مبدأ أن إسرائيل، وفلسطين، وإيران، وجميع الأطراف المعنية يجب أن تتمتع بحقوق متساوية في السيادة والأمن. تتحدث الولايات المتحدة وإسرائيل بكلمات غامضة على هذا النحو، لكن أفعالهما تمنع تحقيق السلام الجاد وتروّج لصراعات عسكرية دائمة.
تشعر الغالبية العظمى من الرأي العام العربي بقوة بأن الفلسطينيين يجب أن يكون لهم دولتهم ذات السيادة كجزء من عملية تحقيق سلام إقليمي عربي – إسرائيلي. كما أنّ هذا الشعور ينتشر ببطء بين الجمهور الأميركي، مما قد يمهد الطريق لتغيير في السياسة في واشنطن.
في الواقع، سيكون الاستثمار في جهود السلام الحقيقية أسهل، وأكثر عدالة، وأقل تكلفة، وأقل تدميرًا بكثير من الإبقاء على الوضع الاستعماري الحالي الذي يدعمه بانتظام وجود القوات الأميركية. هذا هو الحل الأفضل، وربما الوحيد، لضمان أمن إسرائيل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.