في السنوات الماضية، ظهرت برامج البودكاست بوصفها أحد أهم أنواع المحتوى الحديث، متفوقةً بذلك على مقاطع الفيديو الطويلة وحتى القصيرة في بعض الأحيان، لتصبح الخيار الأول للعديد من الشركات التي تسعى للتسويق والنجاح بشكل عام، فضلًا عن صناع المحتوى من مختلف الأنواع.

ورغم امتلاء ساحة برامج البودكاست، فإن قلّة منها هي التي تشدّ المستخدمين وتنجح في أسر المستمعين لمدد طويلة، وعن هذا القلّة يتحدث مالكولم جلادويل، وهو مؤلف العديد من الكتب الأكثر مبيعًا، والمدير التنفيذي لشركة “بوكشن أنداستريز” ( Pushkin Industries) التي تملك عددًا من برامج البودكاست الناجحة ومنها ما يقدمه جلادويل بنفسه، فضلًا عن كونه ضمن قائمة مجلة تايم لأكثر 100 شخصية تأثيرًا، كما تم الترويج له بوصفه واحدا من أفضل المفكرين العالميين في مجلة السياسة الخارجية، ويجري اللقاء معه الرئيس التنفيذي لشركة “آي هارت ميديا ديجيتال” (iHeartMedia Digital) كونال بيرن.

الوصول إلى المشاعر عبر الأصوات

يستهل مالكوم جلادويل حديثه عن المشاعر والقدرة على التأثير في الجمهور عبر مقارنة سريعة بين إمكانية التأثير عبر الصوت مع الكتابة والمواد المرئية بشكل عام، إذ يرى جلادويل -ويوافقه بيرن في هذا الرأي- أن المحتوى الصوتي له قدرة أكبر على التأثير في المتلقي، إذ يمكن عبره جعل المتلقي سعيدًا أو حزينًا في ثوان معدودة، في حين أنه يصعب ذلك مع المواد المكتوبة.

ويستمر جلادويل في وصفه الفارق بين المواد المسموعة والمكتوبة في أن المسموعة تؤثر مباشرةً في نفسية المتلقي، إذ يمكنك أن تنخدع من مكالمة احتيالية أكثر من مقطع فيديو احتيالي أو منشور احتيالي، وذلك بسبب السطوة الواسعة التي تمتع بها المقاطع الصوتية عن المقاطع المرئية أو المقروءة.

ولهذا السبب تحديدًا اختار مالكوم البودكاست ليكون الوسط الرئيسي الذي ينقل عبره خبراته في الحياة إلى كافة بقاع الأرض، وهو ما تمكن من النجاح فيه بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

مالكولم جلادويل اختار البودكاست ليكون الوسط الرئيسي الذي ينقل عبره خبراته في الحياة (قمة الويب)

رحلة المستمع

عندما سأل بيرن ضيفه جلادويل عن الآلية التي يختار بها المواد التي يقدمها سواءً عبر كتبه الناجحة أو برامجه الإذاعية، كان رد الأخير واضحًا للغاية، فبدلًا من اختيار موضوع يؤثر فيه بشكل شخصي ويجعله مهتمًا به، فإنه يبحث عن المادة التي تقدم قصة ناجحة.

إذ يسعى مالكوم جلادويل دومًا لتقديم برامج وكتب تملك قصة ورحلة واضحة يمكن للمتلقي أن يسير بها، وذلك حتى يصبح إنسانًا آخر في نهاية الرحلة نتيجة تأثره بهذه الرحلة، وربما كان هذا هو السبب في نجاح العديد من مؤلفاته وبرامجه.

وأشار جلادويل أيضًا إلى إيمانه بأن كل ما يحدث في العالم يملك قصة خفية وراءه، وربما يصعب على الشخص متابعة كل شيء بشكل كامل، ولكن إذا ما أنفقت بعض الوقت في محاولة منك للعثور على القصة، فإنك بالتأكيد ستجد القصة التي تبحث عنها والتي دائمًا ما تكون مؤثرة.

القصة تكمن في التفاصيل

وعن نماذج الذكاء الاصطناعي والمحتوى الذي ينتج عنها، تحدث جلادويل عن أن معظم آليات المحتوى الحديثة مثل “شات جي بي تي” وغيرها قادرة على إنتاج محتوى مليء بالتفاصيل والأحداث، ولكن في العادة تهمل التفاصيل الصغيرة التي تكوّن القصة الكبيرة.

وأشار إلى أن براعة القصة وراويها تكمن في كمية التفاصيل المرتبطة ببعضها بعضا الموجودة فيها، فكلما كانت القصة مليئة بالتفاصيل أصبحت أكثر جودة وأكثر قدرة على التأثير في من يتلقاها، وهذا هو السبب الذي يجعل مؤلفي الأغاني المبدعين يحتاجون إلى أوقات كثيرة لكتابة أبيات صغيرة تنشد في عدة دقائق، إذ يجب عليه أن يهتم بكل لفظة وكل تفصيلة في الأغنية حتى تخرج بشكل يمكن للجميع التفاعل معها والتأثر بها.

وهذا السبب ذاته الذي جعله يدخل إلى عالم الإعلانات والتسويق بشكل عام، إذ أحب مالكوم جلادويل التحدي في عالم الإعلانات حيث كان يحتاج إلى تأليف قصة ونقلها إلى المتلقي خلال أقل من دقيقة واحدة، كما أكد أن هذا الأسلوب لا ينجح إلا عند استخدام مفهوم القصة بشكل عام وسط مجتمع مهتم بها ويتلقاها.

ورغم أن التقنيات الحديثة تتطور باستمرار، فإن آليات طرح القصص ونشرها تتغير وتتطور بتطور التقنيات لتواكبها وتصل إلى الهدف النهائي ذاته وهو جذب المستخدم.

شاركها.
Exit mobile version