بعد بحث استغرق 6 سنوات وفحص أكثر من 32 مليون خلية، تمكن العلماء من تحقيق إنجاز مبهر عبر إنشاء أول خريطة خلوية شاملة لدماغ الثدييات. وجاء تفصيل هذا العمل في 10 أوراق بحثية نُشرت في مجلة نيتشر العلمية، إذ كشف مجموعة من الباحثين عن أطلس شامل يحدد بدقة موقع ونوع كل خلية في دماغ فأر بالغ. ومن خلال الاستفادة من التقنيات المتقدمة التي تحدد سمات الخلايا الفردية، تمكن الفريق البحثي من تحديد 5300 نوع من الخلايا.

وبالحصول على قائمة شاملة مفصلة لجميع مركبات الدماغ والخلايا المكوّنة له، فإنّ ذلك سيساهم في تسريع الكشف عن جميع وظائف الدماغ الحيوية وكيفية تطوره ونموه، وفقا لما أشار إليه الدكتور هونغ كوي تسنغ نائب الرئيس التنفيذي ومدير معهد ألين لعلوم الدماغ. ويُعد هذا الإنجاز التاريخي بمثابة خريطة الجينومات المرجعية لدراسة وظيفة الجينات، وستفتح الخريطة الخلوية أبوابا واسعة لعلماء الأعصاب في فهم وتشخيص الأمراض وعلاجها على حد سواء.

وتربط الدراسة بين علم الوراثة وجغرافيا الدماغ من خلال الجمع بين تسلسل الحمض النووي الريبي (RNA) للخلية الواحدة، والتحليل المكاني للنسخ (Spatial transcriptomics). وكشف الباحثون عن التعقيد المذهل والتنوّع الكبير في الدماغ، وسلطوا الضوء على العلاقة العميقة بين الهوية الجينية للخلية وموقعها في الدماغ.

صورة من معهد ألين تُظهر تصنيفا للخلايا المختلفة في دماغ الفأر ومساهمة خصائصها الجينية في تصنيفها وتوزيعها

وتشير الدراسة إلى أنّ ثمّة تنظيما خلويا مميزا بين الأجزاء السفلية “البطنية” والعليا “الظهرية” من الدماغ، بحيث يتميز الجزء السفلي القديم بفسيفساء من الخلايا المترابطة، في حين يحتوي الجزء العلوي الأحدث على أنواع خلايا أقل ولكنها متباينة للغاية. ويشير تسنغ إلى أنّ هذا التمييز يمكن أن يكون مفتاحا لفك الرموز المتعلقة بكيفية تطور مناطق الدماغ المختلفة لأداء مهام فريدة.

ويؤكد البحث العلمي على عدّة نقاط، منها دور عوامل النسخ (Transcription Factors)، ودور البروتينات في تنظيم نشاط الجينات وذلك باعتبارتها رمزا يحدد هوية الخلية. كما جاء اكتشاف تنوّع جزيئات الإشارة التي تسهل التواصل بين الخلاليا مما يتيح تفاعلات معقدة بين أنواع الخلايات المختلفة.

وتعد الخارطة بمثابة النموذج والمرجع لرسم خرائط مماثلة لأدمعة المخلوقات الحية الأخرى، بما في ذلك البشر. كما أنها توفر دليلا شافيا لمراقبة أنواع معينة من الخلايا، مما يساهم بشكل كبير في تقليل الإصابات ببعض الأمراض الوراثية وعلاجها بدقة وكفاءة أكبر.

وقد شارك الفريق البحثي كذلك في قيادة دراسة لرسم خرائط الخلايا العصبية التي تربط الدماغ بالحبل الشوكي، مما يوفر نظرة ثاقبة للحركة والإدراك الحسّي. وتساعد الخريطة في الكشف عن كيفية تغيير إصابات النخاع الشوكي والسكتة الدماغية للخلايا العصبية، مما يساهم في تطوير علاجات حاسمة في المستقبل القريب.

شاركها.
Exit mobile version