عادة ما توصف الفيزياء والرياضيات بأنها مواد دراسية صعبة للغاية، سواء كنت متخصصا أو هاويا، لكن رغم ذلك فإن الالتزام بعدد من المهارات الأساسية يمكن أن يساعدك في تجاوز هذه الصعوبة.
والواقع أن إتقان الرياضيات والفيزياء لا يتعلق بأن تكون عبقريا، بل يتعلق ببناء عادات دراسية قوية والممارسة بالطريقة الصحيحة.
وفي هذا السياق، قال الفيزيائي والرياضياتي الأميركي من أصل بريطاني ذات مرة “أعتقد أن اللحظة التي قررت فيها اتخاذ الرياضيات مهنة هي تلك التي قرأت فيها كتاب “رجال الرياضيات” لإيريك تمبل بل، حيث أشار إلى أن الرياضياتييين ليسوا جميعًا قديسين، بل قد يكونون محتالين، وهم أناس ذوو أشكال متنوعة جدا من الصفات، كذلك فإن كثيرين منهم عديمو الضمير وليسوا أذكياء جدا، لكن رغم ذلك ما زالوا قادرين على خلق رياضيات عظيمة! هنا قلت لنفسي: إذا كان هؤلاء قادرين على ذلك فلم لا تقدر أنت؟ هكذا بدأ الأمر”.
تعزيز الأسس
تأكد من تحقيق فهم متين للمفاهيم الأساسية في المادة التي تعمل على دراستها، فمثلا لدراسة النسبية يجب أن تكون محملا بمعرفة الميكانيكا الكلاسيكية إلى جانب الكهربية والمغناطيسية، من بين نطاقات أخرى.
ويتحقق ذلك بالتدرج في الدراسة، فمثلا لو كنت تريد دراسة الفيزياء للمرة الأولى ومن دون سابق معرفة سيكون من الصعب أن تمر في مراجع متقدمة أو حتى مراجع السنة الأولى الجامعية، تحتاج أن تنزل قليلا لدراسة فيزياء المرحلة الثانوية مثلا، والتي عادة ما تعطيك بعضا من أسس الميكانيكا الكلاسيكية والكهربية والمغناطيسية والموجات، إلخ.
الأمر نفسه يجري على الرياضيات، إذ يتطلب الدخول للتفاضل والتكامل على سبيل المثال دراسة سابقة للدوالّ، وفي كل الأحوال عند دراسة مساق ما يحدد القائمون على المساق الأسس المطلوبة لتخطي هذا المساق، عليك أن تدرسها أولا.
فهم “السبب” وليس فقط “الكيفية”
في الفيزياء والرياضيات هناك دائما العديد من المعادلات والصيغ الرياضية، وبدلا من مجرد حفظ الصيغ، افهم المنطق وراءها. اسأل نفسك مثلا: لماذا تعمل هذه الصيغة؟ كيف تم اشتقاقها؟ وما المشكلة الواقعية التي تحلها؟
على سبيل المثال، بدلًا من مجرد استخدام نظرية فيثاغورس (a² + b² = c²)، حاول فهم سبب صحتها من خلال استكشاف البراهين الهندسية.

المشاركة النشطة
بدلًا من القراءة السلبية للكتب، شارك بشكل نشط في استذكار المادة العلمية من خلال طرح الأسئلة والإجابة عنها، وتلخيص المفاهيم بكلماتك الخاصة، يعزز هذا النهج الفهم والاحتفاظ بالمعلومات.
واحدة من الطرق المفيدة في هذا السياق هي ما يسمى بطريقة فاينمان، وتعني أن تحاول شرح ما تعلمت لأحدهم أو حتى لنفسك، في أثناء شرحك ستجد فجوات في الفهم، أعد العمل على دراستها ومن ثم اشرحها مجددا، وهكذا.
هذه الطريقة ممتازة لسببين، الأول أنها تفتح بابا لحاسة إضافية من حواسك لتضاف إلى عملية التعلم، ويساعد ذلك على تثبيت المعلومات بشكل أفضل وأسرع، والثاني أن تساعدك على كشف النقاط التي ضاعت منك في الفهم.
الممارسة بانتظام
يعدّ حل المسائل والتمارين بشكل مستمر أمرًا أساسيا في استذكار المواد العلمية عموما وبالأخص الفيزياء والرياضيات، تساعد هذه العادة في تعميق فهم المادة وتحديد الأنماط الأساسية لها، كما تساعدك على التفاعل بشكل دائم وهو أمر غاية في الأهمية.
الرياضيات والفيزياء مهارتان تتحسنان بالممارسة، مجرد القراءة أو مشاهدة شخص يحل المسائل لا يكفي، بل يجب أن تقوم بحل المسائل بيديك وبانتظام، وفي هذا السياق يفضل أن تحل التمارين والمسائل خطوة بخطوة، وتجرب مستويات صعوبة مختلفة لتحدي نفسك، ولا تكتفِ بالتدرب على النوع ذاته من المشكلات، بل تحدَّ نفسك بمستويات صعوبة مختلفة وتطبيقات واقعية.
وفي الرياضيات بشكل خاص، تبدو العديد من مشكلات الرياضيات مربكة في البداية، ولكن بدلًا من الذعر ابدأ بتقسيم المشكلة إلى خطوات أصغر يمكن فهمها وحلها، وركّز على خطوة واحدة في كل مرة، وإذا واجهتك مشكلة ارجع إلى الخطوة السابقة وقم بتحليلها.
على سبيل المثال، عند حل نظام من المعادلات، ابدأ باستبعاد متغير واحد في كل مرة بدلًا من محاولة حل كل شيء دفعة واحدة.
حيل التذكر
ابتكر اختصارات ممتعة لتذكر الصيغ والمعادلات والمفاهيم الصعبة، ويمكن أن تكتبها على بطاقات وتتأملها من حين لآخر.
واحدة كذلك من الطرق السحرية في هذا السياق هي اللوحات الكبيرة البيضاء، يمكن أن تشتريها من أي مكتبة، وترسم عليها المنهج الذي تدرسه كاملا في صورة شجرة متفرعة من المفاهيم والمختصرات، وتستخدم الألوان والرسومات الغريبة لتمييز الأرقام والمعادلات والمفاهيم عن بعضها، وأخيرا علق اللوحة أمامك وتأملها من حين لآخر.
استخدم التكرار المتباعد
التكرار المتباعد هو تقنية تعليمية تعتمد على مراجعة المعلومات على فترات زمنية متزايدة بدلًا من تكرارها بشكل مكثف في وقت قصير.
هذه الطريقة تعتمد على مبدأ أن الدماغ ينسى المعلومات تدريجيا، وإذا راجعها في الوقت المناسب قبل نسيانها فإنها تترسخ في الذاكرة الطويلة المدى.
وعلى سبيل المثال، لتنفيذ هذه الطريقة يمكن أن تبدأ بدراسة جزء ما من الفيزياء مثلا لأول مرة، ثم تراجعه بعد يوم واحد، ثم بعد 3 أيام إذا كنت لا تزال تتذكره جيدا، ثم بعد أسبوع إذا كان لا يزال في ذاكرتك، ثم بعد شهر، وهكذا تزيد الفواصل الزمنية مع كل مراجعة ناجحة.
الانضمام إلى مجموعات الدراسة
يتيح التعاون مع الأقران تبادل الأفكار وتوضيح الشكوك والتعرض لأساليب مختلفة لحل المشكلات، مما يثري تجربة التعلم الخاصة بك.
إن ذلك يحمسك أيضا لمزيد من الدراسة، ويمتلك هذا الأمر أهمية شديدة بشكل خاص في دراسة المواد الصعبة مثل الرياضيات والفيزياء.
إذا لم تجد مجموعات دراسية جامعية، يمكنك الانضمام إلى مجموعات محبي الفيزياء والرياضيات على وسائل التواصل، ويفضل أن تكون هناك لقاءات دورية في العالم الواقعي، للنقاش في المسائل التي تهتم بدراستها.
تطبيق المفاهيم على سيناريوهات العالم الحقيقي
إن ربط النظريات المجردة بالمواقف العملية يعزز الفهم ويجعل التعلم أكثر جاذبية وسهولة، ويمثل تمرينا في العالم الواقعي، فإذا كنت تدرس قوانين نيوتن على سبيل المثال فيمكنك أن تحاول تطبيقها على السيارات على الطريق، ويمكنك في حالة النظرية النسبية الخاصة أن تبتكر سيناريوهات لحساب الفارق بين عمري شخصين سافرا بسرعتين مختلفتين، وهكذا.
تنويع المصادر
لو لم تفهم الشيء في المرة الأولى فذلك لا يعني أنك “لن تفهمه أبدًا”، من الممكن أن تكون المشكلة في المصدر نفسه، قد يكون أكثر تعقيدًا من مستواك وتحتاج للتراجع قليلًا إلى مستوى أقل، ومن الممكن أن يكون المصدر من النوعية التي تقدم المعلومة بطريقة مختلفة، فكل مرجع له وجهة نظر في الشرح، قد تكون من مُفضلي التجريد والمصدر يعرض المعلومة بطريقة قصصية، ومن الممكن أن يكون المنهج وصفيا بينما تريد أنت أن تتعلم بالمعادلات الرياضية، بعض المراجع تكون تعليمية وبعضها ليس كذلك، في هذه الحالة يفضل أن تسأل من سبقوك بخطوة.
يفضل دائمًا أن تقوم بتنويع مصادرك، سواء عبر تنويع الكتب التي تقرؤها في الموضوع، أو طريقة تقديمه (كتاب جامعي، كتاب مبسط، كتاب مصوّر، مقال، تدوينة، محاضرة، مساقات.. إلخ).
راجع أخطاءك
وأخيرا، لا تكتف بالمضي قدمًا بعد أن تقدم إجابة خاطئة لمسألة ما، بل قم بتحليل سبب ارتكابك للخطأ، فالفكرة ليست أن تصلح المسألة، بل أن تصلح سوء الفهم الذي وقع، لأن ذلك يعطيك مفهوما يمكن أن تطبقه في المشكلات القادمة.