باريس- أثار المفكر والخبير الفرنسي في الإسلام السياسي فرانسوا بورغا سيلا من الانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفرنسية، بعد إعادة نشره بيانا صحفيا لحركة حماس عبر منصة “إكس”.

وكتب بورغا، البالغ من العمر 75 عاما، على حسابه الرسمي “إنني أكُنّ احتراما وتقديرا أكبر لقادة حماس أكثر من قادة دولة إسرائيل. ولا أعتقد أنني الوحيد الذي يعتقد ذلك، بل على العكس تماما”.

ولطالما أثارت تصريحات الباحث المتقاعد من المركز الوطني للأبحاث العلمية الجدل، خاصة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبما أن فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي تُدرج حركة حماس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، فقد عدّ كثيرون أن تغريدة بورغا “تمجيدا للإرهاب”، مطالبين بفرض عقوبات عليه.

حملة عاصفة

منذ اندلاع الصراع بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، أصبح الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني أو الإعراب عن الدعم لقطاع غزة أمرا مكروها، وتحت مجهر السلطات الفرنسية.

وقد يكون هذا من بين الأسباب الرئيسة التي استدعت إلى تشكيل كمّ هائل من الآراء المعادية لما صرح به المفكر الفرنسي فرانسوا بورغا بعد نقله بيانا صحفيا لحماس.

وكتب النائب والمتحدث باسم التجمع الوطني لوران جاكوبلي في حسابه على منصة “إكس” أن “دعم حماس وجريمة معاداة السامية لا تندرج تحت مسمى حرية الرأي أو التحليل أو البحث العلمي، بل هي دعوة إلى القتل والكراهية”.

بينما تساءل زعيم حزب “الجمهوريون” إريك سيوتي في تغريدة “كيف يمكن لفرنسا تمويل عمل ناشط يدعو للإرهاب ومرتبط بشخصيات إسلامية ؟… إن كلمات فرانسوا بورغا لا تطاق وتشوّه ذكرى الأربعين فرنسيا الذين قتلتهم حماس”.

إريك سيوتي زعيم حزب الجمهوريون: كيف يمكن لفرنسا تمويل فرانسوا بورغا وهو يدعو للإرهاب؟ (رويترز)

مرآة للموقف الفرنسي

وعند الحديث مع الشخصية المعنية بهذه الاتهامات، لم تلحظ الجزيرة نت أن بورغا كان مستغربا أو مصدوما من الحملة التي شُنت ضده، متذكرا بذلك قصة حدثت معه خلال مشاركته في أحد المنتديات حول الإسلام السياسي في الدوحة.

وقال “أنا متقاعد حاليا، لكنني كنت أعمل في الماضي بالمركز الوطني في إطار الخارجية الفرنسية. واتصل بي حينها السفير الفرنسي قائلا إن من بين المشاركين في المنتدى شخصية من حركة حماس، وعلينا أن نبلغك أنه ليس من حقك كونك مواطنا فرنسيا أن تسلّم على هذا الشخص”.

وأكد بورغا في مقابلة للجزيرة نت أنه اليوم “مثقف فرنسي حر لا أنتمي إلى الحكومة أو لأي إدارة معينة”، معدا أن موقف فرنسا حول حركة حماس دليل على استسلام الحكومة الفرنسية أمام السياسة الأميركية والإسرائيلية.

وأشار بورغا إلى تعرضه لحملة عاصفة ضده “ليس على منصات التواصل فقط، بل إن 90% من وسائل الإعلام الفرنسي شتمتني في الأيام الماضية، رغم أنني أرى أن تصريحي عادي جدا. وهذه إشارة سيئة على انتهاء حرية فرنسا في تقييم موقفها في الشرق الأوسط”.

تجريم المقاومة

وعند سؤاله عن الضغوطات التي قد يتعرض إليها بسبب تغريدته، شدد الأكاديمي الفرنسي على أنه لم ولن يحذف تصريحه، مستنكرا تجريم حركة حماس التي فازت بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006 تحت إشراف وتنظيم وتمويل المؤسسات الأوروبية.

ورأى أن تجريم جيل المقاومة الفلسطينية وموقف فرنسا لم يبدأ بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وإنما قبل ذلك بكثير، موضحا أنه “بعد تأكد فوز حماس بالانتخابات، تعاون الاتحاد الأوروبي مع السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لضرب القيادة، وإلقاء القبض على معظم النواب الذين فازوا”.

وفي مثال آخر، ذكر بورغا ما قاله الجنرال الفرنسي شارل ديغول ـوتحديدا في بداية احتلال الضفة الغربية وغزةـ في سنة 1967 “إن قمع الفلسطينيين سيولّد ردود أفعال مقاومة من قبلهم، وسيسمى ذلك بالإرهاب. ونعلم أن لا وجود لأي معنى موضوعي وأخلاقي لكلمة إرهاب”.

وفي سياق متصل، وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 مباشرة، صرح الجنرال شارون علنا أنتم لديكم بن لادن ونحن لدينا ياسر عرفات، “ما يعني أنه وضع عرفات في خانة الإرهاب الإسلامي، علما أن حماس لم تكن موجودة بعد حينها”، وفق المتحدث نفسه.

وأضاف بورغا في حديثه للجزيرة نت أنه “من أسباب احترامي لحركة حماس هو زيارتي لقطاع غزة مرات عديدة، ولقائي بأفراد من الحركة في الدوحة وغزة وعمان. وأنا فخور جدا بالقول إن احترامي لقيادة ومناضلي حماس أعلى بكثير مما هو لجيل القياديين الإسرائيليين اليوم”.

تهمة “تمجيد الإرهاب”

ويبدو أن مسألة تجريم المقاومة لم تقف عند حدود قطاع غزة أو فلسطين، بل وصلت إلى حد اتهام كل من يدعمها بتهمة “تمجيد الإرهاب والترويج له” في الاتحاد الأوروبي.

ففي فرنسا، طلب وزير العدل دوبوند موريتي من المدعين العامين  بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي “ردا جنائيا حازما وسريعا”، خوفا من وصول أمواج طوفان حماس إلى أراضيها الوطنية، وتزايد الأعمال المعادية للسامية في البلاد.

وقال موريتي آنذاك إن “معاداة السامية ليس رأيا، إنها جريمة”، مشددا على أن” الدعوة إلى الإرهاب جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تتراوح بين 5 و7 سنوات، عندما تستفيد من قدر معين من الدعاية”.

وعند سؤال المفكر الفرنسي بورغا حول الأصوات التي طالبت الحكومة لفرض عقوبات عليه، أجاب أنه يعتقد أن الأمر وصل إلى هذا المستوى من اللاعقلانية.

وأوضح أن “لكل منا مواقفه وآراؤه المختلفة وهذا أمر طبيعي، وموقفي لا يختلف عن مواقف جان لوك ميلانشون وحزب فرنسا الأبية مثلا، رغم أنني لا أنتمي إلى هذا الحزب”.

وأضاف “وهو ما يعني أنه إذا شُتمت أو عاقبتني الحكومة، فيجب آنذاك فعل الأمر ذاته تجاه كل نواب هذا الحزب الذي ينتمي إلى الطبقة السياسية الفرنسية، أو حتى وزير الخارجية الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان. ولهذا، استبعد أن تصل المسألة إلى هذا الحد”.

وفي الأخير، أشار بورغا إلى أن تصريحاته لم تكن استثناء أو أكثر قوة واختلافا عما قيل من عدد من النواب والسياسيين الفرنسيين. وهؤلاء لا يزالون يشكّلون صوتا يغرد خارج السرب نصرة لحقوق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

شاركها.
Exit mobile version