كان جدار برلين الذي قسّم شطري ألمانيا لعقود رمزا للاستبداد، قبل أن يهدم قبل 35 عاما، ويبدأ المحتفلون باقتلاع قطعه كتذكارات تاريخية، لتباع أجزاؤه لاحقا للسياح المتعطشين لاقتناء قطعة من التاريخ. وحتى اليوم، يؤكد الباعة أن سوق هذه التذكارات لا يزال مزدهرا.

في تلك الليلة التاريخية، تدفق الناس على الجدار الذي قسم ألمانيا والعالم، واندفع الآلاف لعبوره وسط من الذهول والنشوة، في حين جاء آخرون يحملون المطارق.

“بدأ هذا العمل في تلك الليلة ذاتها”، تقول كورنيليا تيله من مؤسسة جدار برلين، “لدينا صور للجدار أمام بوابة براندنبورغ في ليلة التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1989، حيث بدأ الناس اقتلاع أجزاء من الجدار بالمطارق والأزاميل وأخذها معهم”.

كان سكان شرق ألمانيا ممنوعون من الاقتراب من هذا الحاجز الإسمنتي لعقود، وكان حراس الحدود مخولين باستخدام القوة القاتلة لمنع أي محاولة عبور. وفي تلك الليلة التاريخية، كان البعض يرغب في الاحتفاظ بقطعة من الحدث، بينما حوّل آخرون الجدار إلى عمل تجاري لا يزال مستمرا حتى اليوم.

ويمكن للسياح اليوم شراء قطع من الجدار ببضعة يوروهات، بينما تصدر بعض الأجزاء الكبيرة من الحدود السابقة. يدير الشقيقان سيباستيان ويوليان ساشا -وهما من غرب برلين سابقا- عملا تجاريا يعتمد على بيع أجزاء الجدار منذ بداية العام، بعدما ورثا العمل عن رجل يدعى فولكر بافلوفسكي ويُعرف بـ”محتكر الجدار”، الذي أدرك مبكرا أنه يمكن جني المال من بيع أجزاء الحائط بعد إعادة توحيد ألمانيا.

وبعد تقاعده، يقول الشقيقان إنهما يزودان نحو 40% من محال الهدايا التذكارية في برلين بأجزاء من الجدار عبر شركتهما لتجارة الجملة “برلين للهدايا التذكارية”.

يتطلب هذا العمل جهدا شاقا، حيث يستخدمان المطارق والأزاميل وقاطعات المعادن والمناشير الدائرية لتحطيم الجدار إلى قطع صغيرة وتجميعها كهدايا تذكارية. وقبل ذلك، كانا يرممان الطلاء المتقشر لإضفاء جاذبية أكبر على القطع، ويسخنان صفائح “البليكسيغلاس” ويشكلانها بعناية لتغليف قطع الجدار.

يبيع الشقيقان ما يوازي “صندوق موز” من قطع الجدار يوميا لمحال الهدايا التذكارية في برلين والمتاجر العالمية عبر الإنترنت، وتأتي الطلبات من بلدان متعددة مثل مدغشقر والبرازيل وأستراليا، لكن معظم الطلبات الدولية تصل من الصين والولايات المتحدة.

ويعتقدان أن لديهما مخزونا يكفي لنحو 10 سنوات أخرى إذا استمر العمل بالوتيرة نفسها، رغم التراجع الطفيف في الآونة الأخيرة.

يمتلك الشقيقان ساحة في منطقة راينيكيندورف ببرلين، حيث يتم تخزين عدة قطع إسمنتية ضخمة من الجدار، التي تُعرف رسميا باسم “UL12.41″، ويزن كل منها 2.6 طن، ويبلغ ارتفاعها 3.20 أمتار، وعرضها 1.20 متر، وبعمق 2.1 متر.

أسلاك شائكة عند مدخل نفق الهروب من برلين الشرقية إلى الغربية في شارع بروننشتراسه والذي اكتشفته الشرطة السرية التابعة لألمانيا الشرقية في فبراير/شباط 1971 (رويترز)

لماذا الإقبال على قطع جدار برلين؟

تقول كورنيليا تيله، أمينة المجموعة والأرشيف في مؤسسة جدار برلين، إنها ترمز إلى لحظة تاريخية مميزة. فعند سقوط الجدار، رأى الكثير من سكان ألمانيا الشرقية لأول مرة فرصة حقيقية للحرية، وشعروا بالقوة الذاتية في الاقتراب من الحدود والمشاركة في هدمها.

بالنسبة للبعض، كانت قطع الصخور بمثابة رمز للنصر، “أعتقد أن فكرة التذكار لعبت دورا منذ البداية، كأن أحدهم يقول: أنا كنت هنا، شيء عظيم حدث هنا”، تضيف تيله.

وبدأ الباعة المتجولون في تلك الفترة بيع قطع من الجدار للسياح عند بوابة براندنبورغ ونقطة التفتيش الشهيرة “تشيكبوينت تشارلي” وسط المدينة. كما أبدت الشركات اهتمامها بشراء أجزاء من الجدار، وفقا لتيله، حيث تواصلت شركات وطنية ودولية مع السفارات الألمانية الشرقية ووزارة التجارة الخارجية وعرضت مبالغ كبيرة لشراء أجزاء منه.

وبدأت الحكومة الألمانية الشرقية -حينها- بيع أجزاء من الجدار بعد أن أدركت قيمتها، وأسست وكالة “ليمكس” التي نظمت مزادات، بما في ذلك مزاد موناكو. ولكن، مع تقلبات فترة إعادة التوحيد، من إصلاح العملة إلى توحيد الأمة، لم ينتشر بيع أجزاء الجدار بشكل كبير في ذلك الوقت.

وبحلول صيف 1990، تم هدم الجدار نهائيا، وغالبا ما استُخدمت أجزاؤه كمادة بناء. لكن لا يزال السياح يقفون في طوابير لشراء بقايا منه، حتى بعد مرور 35 عاما، سواء كانت مغلفة بالـ”بليكسيغلاس” أو داخل كرات ثلجية.

في الوقت الحاضر، تُباع قطع الحائط الكبيرة المغلفة بالـ”بليكسيغلاس” بحوالي 19 دولارا على موقع برلين للهدايا التذكارية، مع شهادة أصالة مكتوبة تقول: “اطلب قطعة من التاريخ الآن”.

تدير ألكسندرا هيلدبراند متحف جدار برلين عند “تشيكبوينت تشارلي” في برلين، حيث تعرّف الزوار على قصص الأشخاص الذين هربوا من ألمانيا الشرقية وكيف تظاهر آخرون سلميا لنيل حقوقهم.

وتقول إن معنى الجدار تغير “عندما كان قائما، كان رمزا للانقسام. أما الآن، فهو رمز للحرية”. وتوافقها تيله الرأي، قائلة إن الحدود أصبحت رمزا إيجابيا للتغلب على الصعاب.

كما أنه يكتسب دلالة جديدة وسط الحرب الباردة الجديدة والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، مما يعزز تجارة الهدايا التذكارية بالجدار.

شاركها.
Exit mobile version