شكل الهجوم الصاروخي الذي تعرّضت له قرية “مجدل شمس” في منطقة الجولان المحتلة والذي راح ضحيته 12 شخصًا وإصابة 30  آخرين بجروح، امتدادًا للتداعيات الأمنية التي ظلت تشهدها المنطقة منذ بدء أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقد أثار الهجوم مخاوف إقليمية ودولية من توسعة نطاق المواجهة بين إسرائيل، وحزب الله لتشمل تداعياتها المنطقة بأسرها، على الرغم من المساعي التي قام بها عدد من الوسطاء لمنع اتساع نطاق الحرب.

وما بين الفعل ورد الفعل المتوقع من الجانبين: الإسرائيلي، وحزب الله وعلى خلفية الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت أمس الثلاثاء، والذي راح ضحيته 3 أشخاص و25 جريحًا، وفي سياق تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الداعمة لإسرائيل من العاصمة الفلبينية مانيلا، واغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في طهران اليوم، نحاول من خلال هذه المساحة تقديم بعض الإضاءات حول قابلية أن تتحول هذه الحادثة إلى مواجهة شاملة أطرافها إيران وحزب الله من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى وذلك بالتركيز على تناول خيارات واشنطن لمواجهة أي تصعيد محتمل في المنطقة وذلك من منطلق التزامها بأمن إسرائيل.

الأسئلة التي تطرح نفسها هنا هل تمتلك واشنطن خيارات تُمكنها من الدفاع عن إسرائيل بشكل مباشر حال حدوث مواجهة شاملة دون أن تغير من أولوياتها الخارجية على المستوى الإستراتيجي، والمتمثلة في محاصرة واحتواء الصين كمنافس حقيقي لنفوذها العالمي من جهة، فضلًا عن خوضها حربًا غير مباشرة مع روسيا- الحرب الأوكرانية – الحالمة باستعادة مجدها الإمبراطوري المندثر من جهة أخرى؟

هل سيمثل توسيع نطاق الحرب القشة التي ستقصم ظهر بعير التطبيع كهدف إستراتيجي لواشنطن وتل أبيب إن لم تكن قصمته بالفعل أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟ وما قدرة الولايات المتحدة الأميركية على التحرك في هذا الظرف الدقيق وهي مشغولة حتى أخمص قدميها بسباق انتخابي سيحدد ما إذا كانت ستبقى دولة موحدة تستطيع أن تمارس دورها كقوى عظمى، أم ستنزلق في أتون حرب أهلية بفعل الانقسام المجتمعي؟

مناورة انتخابية

التوقيت الذي تمّ فيه توجيه الصواريخ للجولان السورية المحتلة يجب أن ينال حيزًا مقدرًا من أي مقاربة مهتمة بمعرفة الدواعي الحقيقية للتصعيد، والذي ربما قاد المنطقة بأسرها لمواجهة لا تحمد عقباها. أتت هذه الضربة بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لأميركا، وهي زيارة مُثقلة بالهواجس الشخصية والعزلة التي يعيشها داخل المجتمع الإسرائيلي؛ بسبب تداعيات حرب غزة، فحماس لم يتم تدميرها كهدف موضوع لهذه الحرب، والأسرى لم يتم تحريرهم.

فرحلته لواشنطن من المنظور السياسي، جاءت في وقت هبطت فيه شعبيته بصورة كبيرة، لذلك كانت الزيارة بمثابة فرصة لإظهار نفسه كرجل دولة عالمي، يحظى باحترام أعلى هيئة تشريعية للدولة العظمى في العالم، مقرونة بخيبة أمل سياسية كبرى؛ ناتجة عن إعلان المحكمة الجنائية الدولية سعيها إلى اعتقاله على خلفية جرائم حرب محتملة في غزة.

الأمر المهم في هذا السياق، هو أن بنيامين نتنياهو قبل مغادرته لتل أبيب متوجهًا لواشنطن تعمد إحراج وضغط الرئيس بايدن ومن خلفه أصوات الكثير من الديمقراطيين المنادين بوقف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية حينما قال:” أنا أريد التحدث مع بايدن بشأن مواصلة الحرب ضد حماس، ومواجهة الجماعات المسلحة الأخرى المدعومة من إيران في المنطقة، فضلًا عن تحرير المحتجزين”.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ نتنياهو وبايدن تجمعهما علاقة متوترة على الرغم من الدعم العسكري والدبلوماسي الذي قدمه الأخير لإسرائيل. وكما هو معلوم أنّ الدعوة لنتنياهو قدمت بشكل رسمي من قبل الكتلة الجمهورية التي تسيطر على مجلس النواب، فالدعوة أتته من مايك جونسون رئيس مجلس النواب.

نخلص من كل ما ذكر أنّ خيار نتنياهو المفضل في موسم أميركا الانتخابي هو الحزب الجمهوري، ومرشحه للرئاسة دونالد ترامب وليس الحزب الديمقراطي الذي ستقوده كامالا هاريس كمرشحة محتملة للحزب في السباق الرئاسي الحالي، والناظر لتصريحات المرشحة الديمقراطية عقب لقائها نتنياهو يلمس هذه الفجوة بينه وبين الحزب الديمقراطي في نسخته الجديدة، وقد صرحت كامالا عقب اللقاء بالقول: “لا يمكننا أن نتجاهل هذه المآسي، ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح غير مبالين بالمعاناة، ولن ألتزم الصمت “. فحرب غزة والموقف منها كانا من الأسباب التي أسهمت في إضعاف شعبية الرئيس بايدن وخروجه من السباق الرئاسي.

بناء على ما تمّت الإشارة إليه في هذه النقطة أرى -كما يرى البعض- أن صاحب المصلحة من إطلاق الصواريخ على الجولان المحتلة هو نتنياهو، وليس حزب الله. أمر آخر لدعم هذه الفرضية هو ما ذكره آموس هاريل في مقاله الموسوم بـ “الضغوط المتزايدة لمحاربة حزب الله في لبنان – ولماذا يشكل ذلك خطورة بالغة؟”  The Mounting Pressure to Fight Hezbollah in Lebanon-and Why  That Is So Dangerous والذي نشره بمجلة السياسة الخارجية الأميركية بتاريخ 23 يوليو/تموز 2024، وقد أشار فيه إلى أنّ قوات الدفاع الإسرائيلية أعلنت في يونيو/حزيران المنصرم الموافقة على خطط لشن هجوم واسع النطاق في جنوب لبنان.

سيناريوهات

وَفقًا للمعطيات والمعلومات المتوفرة يمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات كخيارات لأميركا في التعامل مع هذا الحدث:

أولاً: سيناريو التهدئة

وذلك بدعوة طرفي الصراع لضبط النفس تفاديًا لأي تصعيد قد يفضي لحرب إقليمية واسعة النطاق تتجاوز آثارها إسرائيل وحزب الله، مع الاحتفاظ بحق الطرفين في الرد المنضبط القائم على التنسيق المسبق، والتجارب التاريخية تؤكد قابلية الأخذ به، ولعل التنسيق الأخير بين إيران والولايات المتحدة عقب ضرب إسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية في سوريا يُعضد ذلك.

ثانياً: سيناريو استمرار الدعم لإسرائيل

وهذا السيناريو يعتمد على استمرار تدفق الدعم العسكري لإسرائيل لمساعدتها على مواجهة أية تداعيات عسكرية وأمنية ناتجة عن التصعيد المحتمل من قبل حزب الله وشركائه في المنطقة، ولعل هذا السيناريو يُعد الأقرب بتأثير العامل الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية، فزيارة نتنياهو بدعوة من الأغلبية الجمهورية ومقابلته لترامب كانت مناورة سياسية للضغط على الديمقراطيين والرئيس بايدن لتسهيل إرسال مزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ دعم اللوبي الصهيوني لأي مرشح في الانتخابات الأميركية بمختلف مستوياتها يُعد من الأمور الحاسمة، وبالتالي فإنّ زيارة نتنياهو تدخل في دائرة الابتزاز السياسي للحصول على أكبر قدر من المساعدات، والتي من المتوقع أن تزيد بشكل كبير للغاية قبل نهاية فترة الرئيس بايدن.

ويُمكن قراءة تصريحات وزير الدفاع الأميركي التي أشرنا إليها في مقدمة هذا المقال والتي تعهد فيها بالدفاع عن إسرائيل حال تصاعد الأوضاع على الأرض، في إطار دعم واشنطن والتزامها المعروف بأمن إسرائيل، ولكن لا يعني بأية حال الانخراط في الحرب بشكل مباشر، ويجب أن ينظر للضربة الإسرائيلية التي تمت بالأمس كامتداد وانعكاس للصراع السياسي بين الحزبين: الجمهوري والديمقراطي في سياق التنافس الانتخابي الذي تشهده أميركا.

ثالثاً: سيناريو الدخول بشكل مباشر في أي حرب قادمة

هذا السيناريو يقوم على مبدأ أنّ الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا وبشكل مباشر للدفاع عن إسرائيل كما حدث في إطار تجربة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1967، وفي عام 1973. هذا السيناريو مستبعد وإن كان هناك التزام أميركي بدعم أمن إسرائيل، وذلك بسبب ما يمكن تسميته بخيارات واشنطن الإستراتيجية والتي يأتي على رأسها إستراتيجية التحول نحو شرق آسيا بداعي احتواء الصين. وقد بدأ الاهتمام بهذا التوجه منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما الذي وضع إستراتيجية التحول نحو شرق آسيا (2009-2017).

إستراتيجية التحول نحو شرق آسيا

​وتمثل إستراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما لشرق آسيا (2009-2017)، والتي تمثل شكلًا من أشكال التحول الجذري في السياسة الخارجية الأميركية، وذلك بتحويل التركيز من المجال الشرق أوسطي والأوروبي إلى منطقة شرق آسيا.

وقد سعت الولايات المتحدة من خلال ذلك التحول إلى بناء علاقات مع دول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، خاصة تلك البلدان المحيطة بالصين لمواجهة صعودها كقوى عظمى. فجرى العمل على تعزيز التحالفات الأمنية ذات الطابع الثنائي وتشكيل وجود عسكري واسع النطاق، وتم لاحقًا استبدال مفهوم “التحول إلى آسيا” أو “آسيا والمحيط الهادئ” بـ “إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ”.

وهذه الإستراتيجية التي أرسى دعائمها أوباما لم تتغير إلى الآن، رغم تغير الإدارات الأميركية من واقع أنّ جوهر تلك الإستراتيجية هو ضرورة التركيز على الصين ومحاصرتها.

لذلك ليس لواشنطن خيار الانخراط في أي حرب شاملة تصنعها إسرائيل أو يصنعها أي طرف إقليمي، رغم التزامها بأمن إسرائيل بشكل مطلق، فتركيز الولايات المتحدة على المدى القصير والطويل سيكون موجهًا نحو قارة آسيا بشكل إجمالي ونحو الصين بشكل خاص، ولن تسمح واشنطن لبكين بأن تحول بحر الصين الجنوبي لبحيرة صينية تتحكم فيها كيفما أرادت وإن تطلب الأمر حربًا ومواجهة عسكرية مع الصين لمنع ذلك من الحدوث، خاصة أن السيطرة على تلك المنطقة هي التي ستحدد من يقود العالم في القرن الحالي.

وبالتالي مهما كان حجم التصعيد فلن تنخرط واشنطن في حرب واسعة في منطقة الشرق الأوسط دفاعًا عن إسرائيل على حساب مستقبلها الجيوسياسي العالمي، وإن قدر لهكذا حرب أن تندلع، ففي تقديري أن واشنطن ستكون مستعدة للسفر إلى طهران والجلوس مع المرشد الأعلى إن تطلب الأمر. أمر آخر يصب في ذات الإطار، هو أنّ إيران لديها تأثير ملحوظ في العراق وسوريا ولبنان، فما الذي يجبرها على الدخول في حرب لتفقد هذا التأثير الذي تنامى بفعل السياسة الأميركية التي أدارت ظهرها للشرق الأوسط .

الخلاصة

فيما يتعلق بخيارات واشنطن تجاه تداعيات هذا الحدث هي أنّها لن تخوض حربًا من أجل إسرائيل هذه المرة؛ بسبب أنها ليست صاحبة مصلحة وكذا الحال لإيران، وبالتالي يمكن أن تتصاعد الحرب بأي شكل دون أن يكون طرفاها أميركا وإيران.

وهناك عامل آخر يمنع تحول هذا التصعيد لمواجهة شاملة، هو وعي الإسرائيليين بأنّ حزب الله نجح في تطوير قدراته بشكل كبير مقارنة بما كان عليه في العام 2006، وبحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، فإنّ مخزون حزب الله من الأسلحة أكبر من مخزون حماس بأكثر من سبعة أضعاف، فإلى جانب مئات الطائرات الهجومية بدون طيار، يتضمن هذا المخزون نحو 130 ألفًا إلى150  ألف صاروخ وقذيفة، بما في ذلك مئات الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تصل إلى أهداف في عمق تل أبيب .

 

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version