تزداد الضغوط الاقتصادية والبطالة في الضفة الغربية، مع الاقتحامات الإسرائيلية اليومية للمدن والقرى الفلسطينية، وسط تحذيرات من إمكانية خروج الوضع عن السيطرة.

ويتوقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني 6% خلال السنة الحالية 2024.

وفقد الفلسطينيون 32% من الوظائف في الضفة الغربية، أي ما يعادل 276 ألف وظيفة بسبب تداعيات حرب إسرائيل على غزة ، حسبما ذكرت منظمة العمل الدولية خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي.

انتظار

ينتظر حافظ غزاونة في متجره الصغير في البيرة بالضفة الغربية المحتلة الزبائن بفارغ الصبر، فمنذ الحرب التي شنتها إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى لم يشتر منه سوى عدد قليل من الناس السندويشات والفلافل.

وقبل الحرب على غزة، كان العديد من الحرفيين من الورش المجاورة يأتون إلى محل غزاونة لشراء وجبة الإفطار أو الغداء.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن غزاونة، قوله “الآن يحضرون وجباتهم اليومية معهم من منازلهم، لأن الوضع صعب للغاية بالنسبة إليهم أيضا”.

ويخشى غزاونة أن يضطر إلى إغلاق محله إذا استمرت الحرب، خاصة وقد انخفض دخله خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

ويقول إنه كان يكسب حوالي 8 آلاف شيكل (حوالي 2122 دولارا) شهريا، لكن في هذه الأيام لا يدر عمله عليه سوى 2000 شيكل (530 دولارا) شهريا.

ويعاني من البطالة في الأراضي الفلسطينية، وفق التقديرات، حوالي 30% من السكان، بينما كانت النسبة قبل الحرب بحدود 14%، كما يقول طاهر اللبدي الباحث في الاقتصاد السياسي في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط.

وسحبت إسرائيل عقب اندلاع الحرب 130 ألف تصريح عمل من الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتركتهم من دون دخل.

والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، مفصولة عن الأراضي الإسرائيلية بجدار، ولا يستطيع سكانها البالغ عددهم 3 ملايين نسمة الذهاب إلى هناك من دون تصريح.

ضربة قوية

من جهته، عدّ مدير شركة الصناعات العربية لمواد التنظيف والتجميل في المنطقة الصناعية في رام الله، بشارة جبران، نفسه محظوظا، إذ إنه لم يسرح أيا من موظفيه البالغ عددهم 70.

لكن عمله تعرض لضربة قوية عقب اندلاع الحرب، فقد تم إغلاق خط إنتاج الصابون المصنوع من مكونات من البحر الميت بالكامل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وإجمالا، تسبب توقف هذا الإنتاج في خسارة 200 ألف دولار عام 2023، وهو يتوقع أن يخسر المبلغ ذاته خلال عام 2024 مع استمرار الحرب.

ورغم ذلك، يواصل بيع المنظفات المخصصة للغسيل والمنتجات المنزلية الأخرى في السوق الفلسطينية، و”المنتجات الأساسية” للمنازل، مما يبقي المصنع قيد العمل.

وكان جبران يعتمد في صادراته على سوق غزة بنسبة 20% لكن لم تعد أي من بضائعه تدخل إلى القطاع، ويوضح أن تكاليف النقل في الضفة الغربية ارتفعت بسبب انتشار نقاط التفتيش وإغلاق بعض البلدات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

اقتصاد مختنق

يقول جبران “أحيانا يستغرق الأمر للشاحنة 4 أو 5 ساعات للوصول إلى نابلس في الشمال، وعند وصولها لا يستطيع السائق دخول المدينة بسبب حواجز وإغلاقات، فيعود أدراجه”.

ويضيف أنه الآن يقوم “بتسليم واحدة كل يومين أو 3 أيام، بينما في السابق، كان يسلم شاحنتين يوميا”.

وأدت هذه العوامل إلى “انكماش الاقتصاد” الذي يعمل الآن بنسبة 50% فقط من طاقته، كما يقول عبده إدريس رئيس غرف التجارة الفلسطينية.

ومع الحرب، كان الاقتصاد الفلسطيني “مختنقا” بالفعل ومعتمدا بشكل كبير على إسرائيل، كما يؤكد الباحث طاهر اللبدي.

ومع أن اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، حافظت على “الوضع السياسي الراهن”، فقد وعدت “بالتنمية الاقتصادية” التي “من شأنها أن تجمع الأطراف المختلفة معا”، وفق اللبدي.

ولكن هذا الوضع الراهن تم تقويضه “بسبب الاحتلال في الضفة الغربية. مع تقسيم الأراضي، لم تحدث هذه التنمية الاقتصادية”.

ويوضح أنه نتيجة لذلك، في فترات الأزمات، يجد الاقتصاد الفلسطيني -الذي يزداد ضعفا- نفسه “محروما من جميع موارده، ولديه قدرة محدودة للغاية على الصمود”.

وكمثال على هذا الاعتماد، تسيطر إسرائيل على حدود الضفة الغربية، وتجمع الضرائب على المنتجات الفلسطينية، والتي يجب عليها بعد ذلك تحويلها إلى السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتم دفع هذه الضرائب.

وبدون أموالها، فإن السلطة الفلسطينية “تواجه صعوبة في دفع رواتب موظفيها المدنيين ونفقاتها الجارية”، كما يوضح اللبدي.

وبحسب وزارة المالية الفلسطينية، فإنه من المفترض أن يحول الاحتلال شهريا قيمة الضريبة المستحقة للسلطة الفلسطينية البالغة حوالي 600 مليون شيكل (159.2 مليون دولار)، لكنها لم تحول هذه المبالغ منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأعلنت إسرائيل نيتها خصم نسبة من هذه المبالغ، التي كانت السلطة الفلسطينية تخصصها لعملها في قطاع غزة، لكن السلطة الفلسطينية رفضت هذه الخصومات، مما أدى إلى تعليق تحويل المبالغ وتراكمها لتصل تقريبا إلى 1.8 مليار شيكل (477.6 مليون دولار).

ونقلت الوكالة الفرنسية عن موظفين حكوميين قولهم إن رواتب شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي لم تُدفع بعد، في حين حصلوا -في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- على 65% فقط من رواتبهم، مقابل 50% في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.

ويؤكد بشارة جبران أن “الوضع أسوأ مما كان عليه خلال الانتفاضة الثانية “(2000-2005) وقال “حينها كنا نعرف ما يمكن توقعه”.

ويضيف بقلق “من الآن فصاعدا الخوف من المجهول يقتلنا”، ومن المستحيل وضع ميزانية أو توقعات للمبيعات “لأننا لا نعرف ما إذا كنا سنتمكن من الذهاب إلى العمل غدا أم لا”.

شاركها.
Exit mobile version