تمكن فريق بحث دولي من علماء الفلك المحترفين والهواة من اكتشاف سديم جديد من بقايا “سوبرنوفا” أطلق عليه “أطلس” (G209.8_8.2 ATLAS) نسبة إلى جبال الأطلس بالمغرب حيث يوجد المرصد الفلكي أوكايمدن الذي اكتشف السديم في مارس/آذار الماضي.

والاكتشاف عبارة عن بقايا مستعر أعظم عملاق (ما تبقى من نجم انفجر قديما قبل آلاف أو مئات الآلاف من السنين) صُوّر وحُلل وتأكد من وجوده فريق من علماء الفلك الهواة والمحترفين. وتقع بقايا هذا المستعر الأعظم في موقع غير متوقع على الإطلاق؛ في منتصف المسافة  بين “ميسييه 42″ و”سديم الوردة” في كوكبة أوريون.

موضع بقايا هذا المستعر الأعظم غير متوقع على الإطلاق حيث يقع في منتصف المسافة بين ميسييه 42 وسديم الوردة في كوكبة أوريون (الجزيرة)

الأول من نوعه عربيا

وحسب فريق البحث، يعود أول أثر لبقايا المستعر الأعظم العملاق هذا إلى عام 2022، عندما فحص “مارسيل دريشسلر” وهو عضو في الفريق من ألمانيا؛ بيانات راديوية مختلفة بحثا عن هياكل مرئية يمكن أن تشير إلى وجود مجرة غير معروفة سابقا.

يقول المصور الفلكي المغربي “عزيز كعواش” المشارك في الاكتشاف في حديث عبر البريد الإلكتروني لـ”الجزيرة نت”: “يعد الاكتشاف الأول من نوعه على صعيد المملكة المغربية وكذلك على صعيد الدول العربية الإسلامية، فلأول مرة في التاريخ يُكتشف سديم في الكون العميق من المغرب، أضف إلى ذلك أن الاكتشاف حدث عن طريق مرصد مغربي الصنع أنجز بكامله من طرف فلكيين هواة مغاربة، وهذا يعتبر إنجازا بمفرده”.

وجرت عملية الاكتشاف بالاعتماد على تلسكوبات وأجهزة شخصية لأفراد الفريق بمرصد الأطلس الكبير المثبت في مرصد أوكايمدن بالمغرب، ومرصد “سييرا ريموت” المثبت في جبال نيفادا بالولايات المتحدة، ومرصد فلكي للهواة بفرنسا، دون الرجوع لأي صندوق حكومي أو مؤسسة شبه حكومية أو خاصة.

ووفقا لكعواش، فإنه “نظرا لكون التلسكوبات ذات جودة عالية وتجهيزاتها تستلزم ميزانية عالية، فإن اقتناءها مع المستلزمات من كاميرات وفلاتر يقتضي شراءها على مدد زمنية طويلة، أو تكوين مجموعة من الهواة الفلكيين لشرائها، مثلما قمنا نحن مجموعة مرصد الأطلس الكبير باقتناء تلسكوبات مرصدنا”.

حجم "سديم الأطلس" المكتشف هائل ويعادل 4 أضعاف الحجم الظاهري للقمر. (الجزيرة).
حجم “سديم الأطلس” المكتشف هائل ويعادل 4 أضعاف الحجم الظاهري للقمر (الجزيرة)

4 أضعاف حجم القمر

وحسب البيان الصحفي الذي أصدره فريق البحث فإن حجم سديم الأطلس المكتشف هائل ويعادل 4 أضعاف الحجم الظاهري للقمر، كما أن موقع هذا السديم غير نمطي لأنه يقع على بعد 8 درجات من مستوى خط المجرة من جهة.

ومن جهة أخرى، يقع في أحد الأبراج الرئيسية التي يزورها علماء الفلك الهواة والمحترفون، ورغم ذلك لم يتمكن أحد من اكتشافه. ويُظهر الهيكل السديمي الخيطي القوي لـ”سديم الأطلس” -خاصة في النطاق الضيق من الأكسجين المتأيّن المزدوج- العديد من الميزات المتوقعة من بقايا المستعر الأعظم.

ويذكر كعواش أنه “خُصص الرقم العلمي G209.9-8.2 لبقايا هذا المستعر الأعظم، كما سمي سديم أطلس؛ لأن غالبية الرصد الفلكي حدث من خلال مرصد الأطلس الكبير الكائن بمرصد أوكايمدن في قلب جبال الأطلس الكبير المغربية”.

وتطلّب الاكتشاف نحو عامين من الرصد الفلكي من قبل الفريق البحثي الذي يتكون من 7 علماء فلك وهواة ومحترفين من المغرب وأميركا وألمانيا وفرنسا، واستغرقت عملية التصوير 327 ساعة لاكتشاف السديم الجديد، وجُمعت كافة البيانات التي ساهمت في الاكتشاف في مرصد أوكايمدن بالمغرب.

وأوضح فريق البحث ضمن البيان الصحفي أنه استخدم العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي لمعالجة الصور، مع التأكيد أن الذكاء الاصطناعي لم يضف أي تفاصيل اصطناعية للصورة، واستخدمت تطبيقات الذكاء الاصطناعي للتقليل من الضوضاء وتحسين الصور بشكل معتدل مع تصحيح النجوم المشوهة قليلا. وبعد استخدام الذكاء الاصطناعي قارنوا التفاصيل بتفاصيل الصورة الأولية وتحققوا من دقتها.

الدراسة العلمية لاكتشاف سديم أطلس أبرزت أهمية التصوير البصريّ الفلكي وخصوصا خطوط انبعاث الأكسجين المتأيّن المزدوج لرسم خرائط انبعاثات الصدمة الكاملة لبقايا المستعر الأعظم (الجزيرة)

جهد منظم وتحديات كبيرة

وأوضحت الدراسة العلمية التي جسدت الاكتشاف أنه بالإضافة إلى تقديم تفاصيل هيكلية لا مثيل لها لـ”سديم أطلس”، فإنها تبرز أهمية التصوير البصريّ الفلكي وخصوصا تصوير خطوط انبعاث الأكسجين المتأين المزدوج (أو آي آي آي) لرسم خرائط انبعاثات الصدمة الكاملة لبقايا المستعر الأعظم.

ويؤكد كعواش للجزيرة نت “أن الكون ما زال يعج بالأجرام السماوية التي تنتظر من يكتشفها، والأكيد أن هذه الاكتشافات ليست حكرا على علماء الفلك المحترفين، بل ما زال هناك نصيب لعلماء الفلك الهواة”.

وعن التحديات التي واجهت الفريق الذي توصل إلى هذا الاكتشاف يقول كعواش: “العمل التحضيري لمثل هذا المشروع مهم جدا، لذلك كان علينا أولاً تقدير حجم السديم واسترجاع المعلومات من كل  تلسكوب لتحديد الحقول، وقام عضو الفريق يان سانتي من فرنسا بتخطيط وحساب جميع إحداثيات كل لوحة في كل تلسكوب لتقديمها لكل عضو في الفريق بناء على التلسكوب الذي سيستعمل”.

ويضيف كعواش أنه “بمجرد الانتهاء من الحصول على البيانات، كان التحدي الرئيسي يكمن في الجمع المعقد لجميع البيانات، والتي اختلفت ليس فقط في أبعاد صورها بسبب البصريات وأجهزة الاستشعار المختلفة للكاميرات، ولكن أيضا في مجموعات البيانات ذات الاتجاه الشمالي. ومع ذلك تمكن يان سانتي عضو الفريق من التغلب على كل هذه المشاكل بعد أسابيع من العمل”.​​​​​​​

كما كان على فريق البحث التغلب على عدة تحديات تقنية منها:

  • اعتماد الفريق على استخدام تقنية التصوير الفلكي التي تسمى “بانوراما” لدمج السديم في المجال الصغير للمستشعرات الفلكية.
  • سطوع السديم الذي كان ضعيفا للغاية، مما دفع فريق البحث لتسليط الضوء عليه 327 ساعة.
  • استغرق وقت المراقبة أكثر من سنتين من تلسكوب واحد.
  • يتطلب استخدام التلسكوبات المختلفة إعدادا خاصا للغاية فيما يتعلق بتوجيه مستشعر كل مجموعة فيما يتعلق بدوران المجال عند الموضع 0 درجة.
  • استغرقت معالجة الصور شهرين من أجل تجميع أكثر من 5044 صورة فلكية.

وعن مستقبل البحث في هذا الاكتشاف الجديد، يقول كعواش: “هناك دراسات طيفية وضوئية في طور الإنجاز من طرف مجموعة من الفلكيين المختصين، والغرض منها هو الحصول على المزيد من المعلومات والتفاصيل عن تاريخ وتطور سديم أطلس”.

شاركها.
Exit mobile version