خلال مئة عام كاملة من تاريخ سوريا السياسي، كان للأحزاب والتيارات السياسية دور رئيسي في تاريخ الصراع أو التنافس في هذا البلد، منذ مرحلة تكوَّن الجمهورية بخريطتها الجديدة في فترة ما بين الحربين العالميتين وهي تواجه الاستعمار، ثم في مرحلة ما بعد الاستقلال، مرورا بتجربة الوحدة مع مصر ثم الانفصال، وسيطرة حزب البعث على السلطة، وصولا إلى الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 امتدادا لثورات الربيع العربي، والتي أذكت من جديد الصراع السياسي بين مختلف الفرقاء في سوريا لأكثر من عقد من الزمن.

وصدر عن “مركز جسور للدراسات” في إسطنبول كتاب بعنوان: “الأحزاب السياسية في سورية”، قدم فيه تعريفا بجميع الأحزاب السياسية التي نشأت في سوريا وما تزال قائمة، وبلغ عددها 134 حزبا، يستعرضها الكتاب في بابين رئيسيين، ويتناول في باب مستقل قبل ذلك قراءة في البيئة السياسية الحزبية في سورية وطبيعتها وخصائصها.

نظرة على أبواب الكتاب وفصوله

تتوزع فصول الكتاب في 3 أبواب رئيسية، الأول منها تمهيد بحثي تحليلي يعرف القارئ بالبيئة السياسية في سوريا، ودور الأحزاب فيها، ثم يتناول تحليلا لبعض الظواهر التي تميزت بها البيئة الحزبية، خاصة بعد عام 2011، وهي: صعود الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية، وصعود الأحزاب القومية، وصعود البعد الجغرافي في تغيير أسماء أحزاب كردية إلى كردستانية، وصعود الأحزاب المحافظة، وإشكالات في الإطار الدستوري والقانوني، وضعف تمثيل الأحزاب في المعارضة الرسمية.

ثم ينتهي الباب الأول بفصل تعريفي بأهم التحالفات والتجمعات الجبهوية التي شكلتها الأحزاب السياسية في سوريا.

من يحارب من في سوريا؟

يرتب الكتاب بعد الباب الأول التمهيدي الأحزاب السياسية في بابين رئيسيين، حيث يضم الباب الثاني الأحزاب السياسية التي نشأت قبل عام 2011 وعددها 42 حزبا، ثم يأتي الباب الثالث الذي يضم الأحزاب التي نشأت بعد عام 2011 وعددها 92 حزبا.

ويعتمد الكتاب في ترتيب الأحزاب مبدأ استعراضها بحسب توجهاتها، فيجمع في الباب الثاني الأحزاب الشيوعية معا ضمن فصل واحد، ثم القومية السورية ثم المحافظة أو الإسلامية، ثم القومية العربية والاشتراكية، ثم القومية الكردية، ثم الآشورية والسريانية، ثم الأحزاب الديمقراطية والليبرالية، وفي الباب الثالث يبدأ الفصل الأول منه بالأحزاب المحافظة، ثم الديمقراطية والليبرالية، ثم الأحزاب القومية الكردية، ثم الأحزاب الشيوعية، ثم الأحزاب القومية العربية والاشتراكية، ثم الأحزاب القومية التركمانية.

يراعي الكتاب في ترتيب التوجهات تاريخ نشأة أول حزب في هذا التوجه، ثم يعتمد في ترتيب الأحزاب ضمن كل توجه على تاريخ نشأة الحزب، وضمن الاستعراض الوصفي لكل حزب يذكر الكتاب تاريخ التأسيس ثم المؤسسين وأهم من تعاقب على قيادة الحزب وأهم الشخصيات البارزة فيه، ثم يذكر أهم التغييرات البنيوية في مسيرة الحزب، وصولا إلى التوجه الفكري وأهم المنطلقات السياسية التي تميز الحزب عن غيره من الأحزاب وترسم هويته السياسية، ويشير التعريف في النهاية إلى الارتباطات السياسية للحزب مع أطراف الصراع في سوريا (النظام أو المعارضة أو الإدارة الذاتية).

أهداف الكتاب وأهميته

قام بإعداد المادة العلمية في الكتاب مجموعة واسعة من الباحثين ثم قام بجمع هذه المادة وتحريرها باحثان في “مركز جسور للدراسات” هما “رياض الحسن” و”وائل علوان”، ويذكر فريق الإعداد في مقدمة الكتاب أهميته من أنَّه يرسم الخريطة السياسية لسوريا في إطار الماضي والحاضر، ومن أنَّه يثير التساؤل حول قدرة الأحزاب في وضعها الحالي على تشكيل مستقبل سورية، وموقعها أو دورها وأثرها في إنهاء حكم الحزب الواحد، وإزالة رواسبه الممتدة منذ أكثر من 6 عقود.

ويذكر فريق الإعداد هدفا إضافيا في مقدمة الكتاب في أنه “يفتح باب المقارنة للحياة السياسية بين مرحلتين رئيسيتين في سورية، تشكل فترة حكم البعث جدار الفصل بينهما، الأولى فترة تنوع الحياة السياسية التي أنشأت الأحزاب التقليدية (الشيوعية والقومية باتجاهاتها المتعددة والإسلامية والليبرالية)، والثانية بعد عام 2011 حيث بدأت الحياة السياسية تعود للتنوع من جديد، بما تبقى من الأحزاب التقليدية، أو في الأحزاب الناشئة”، و”تكمن ضرورة المقارنة في رصد حجم الجمود أو التغيير الذي طرأ على التوجهات الفكرية للأحزاب، وعلى أدبياتها السياسية والأيديولوجية، وفي طريقة تعاملها مع الحالة الوطنية، أو مع التحولات الإقليمية والدولية”.

يذكر فريق الإعداد جملة من الصعوبات التي واجهتهم أثناء إعداد الكتاب ومراجعته، في مقدمتها “كثرة الأحزاب في الساحة السياسية السورية، وكثرة الانشقاقات التي كانت تتعرض لها هذه الأحزاب، ولا سيما الأحزاب الكردية، مما جعل من الصعوبة بمكان الإحاطة بصورة تامة بتفاصيل كل حزب، وقلة المصادر والمراجع التي تناولت الأحزاب الحديثة التي نشأت خلال الثورة أو خلال العقد الذي سبق الثورة.

وتم جسر هذه الهُوَّة قدر المستطاع من خلال الحوارات الشخصية مع بعض الشخصيات الحزبية والسياسية للحصول على المعلومات، وضعف النشاط الإعلامي لكثير من الأحزاب، فغالبيتها لا يعرض تاريخه وأفكاره ومبادئه وأهدافه بشكل معلن وسهل الوصول ضمن موقعه الإلكتروني، فضلا عن أن كثيرا من الأحزاب ليس لها مواقع إلكترونية، وبعضها ليس له نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي”، وأخيرا “صعوبة تصنيف جزء من الأحزاب من الناحية السياسية والفكرية، لا سيما الناشئة بعد عام 2011، حيث نشرت في أهدافها ومبادئها أفكارا عامة، دون أن تضع برنامجا سياسيا محددا يميزها عن باقي الأحزاب، ولصعوبة تصنيفها فقد ذهب الكتاب إلى أنها أحزاب ديمقراطية فقط دون أن يكون لها توجه محدد، وأدرجها ضمن الأحزاب الديمقراطية والليبرالية”.

شاركها.
Exit mobile version