تشهد كوريا الجنوبية أزمة سياسية حادة تهدد استقرار الاقتصاد وثقة المستثمرين، بعد عزل الرئيس يون سوك يول وخليفته بالإنابة، على خلفية محاولة فاشلة لفرض الأحكام العرفية. أدى ذلك إلى تراجع العملة المحلية (الوون) إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2009، وسط انخفاض شبه مستمر منذ بداية الأزمة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

تدهور الثقة

وفقًا لبيانات المصرف المركزي، تعرضت ثقة المستهلكين والشركات في رابع أكبر اقتصاد في آسيا لأكبر ضربة منذ بداية جائحة كوفيد-19.

وأرجع ذلك إلى التداعيات السياسية التي بدأت بمحاولة الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية وإرسال قوات عسكرية إلى البرلمان، قبل أن يتراجع عن قراره بعد ساعات قليلة.

شبكات | أزمة سياسية في كوريا الجنوبية.. والجيش يعود لقواعده

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول، صوّت البرلمان لعزل الرئيس المحافظ يون سوك يول، كما عزل خليفته بالوكالة هان داك سو لاحقًا بسبب رفضه إكمال إجراءات عزل الرئيس وتقديمه للعدالة.

وبذلك أصبحت كوريا الجنوبية أمام حالة غير مسبوقة، فقد عزل رئيس بالإنابة للمرة الأولى في تاريخها، وتولى وزير المالية شوي سانغ موك الرئاسة مؤقتًا.

تحديات دستورية ومصير معلق

ويعتمد مصير الرئيس المعزول يون سوك يول على قرار المحكمة الدستورية التي تحتاج للمصادقة على قرار عزله بغالبية الثلثين من أعضائها التسعة.

ولكن المعارضة تتهم خليفته هان داك سو بعرقلة تعيين 3 قضاة في المحكمة، وذلك يعني أنه إذا لم يتم شغل هذه المقاعد الشاغرة فإن القرار سيتطلب إجماع القضاة الستة المتبقين.

وفي خطاب ألقاه عقب توليه المنصب، أكد الرئيس المؤقت شوي سانغ موك أهمية إنهاء الأزمة السياسية، مشددًا على أن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لتحقيق الاستقرار. وأضاف “رغم التحديات غير المتوقعة، فإن الاقتصاد الكوري الجنوبي يتمتع بمرونة كافية للتغلب على الأزمة الحالية”.

تأثير الأزمة على الاقتصاد

وكتب غاريث ليذر، من شركة كابيتال إيكونوميكس، في مذكرة للعملاء “هناك بالفعل علامات واضحة على تأثير الأزمة على الاقتصاد، مع تراجع ثقة المستهلكين والشركات”. وأشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي من المتوقع أن ينمو بنسبة 2% فقط هذا العام، متأثرًا بالتباطؤ العالمي في الطلب على أشباه الموصلات، أحد أعمدة الاقتصاد الكوري الجنوبي.

الخبراء أكدوا أن المستثمرين لا ينبغي أن يقلقوا بشأن الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد (الأوروبية)

ليذر حذر من أن “الاستقطاب السياسي وعدم اليقين الناتج عنه قد يعرقل الاستثمار على المدى البعيد”، مستشهدًا بحالة تايلند التي يعاني اقتصادها من ركود منذ الانقلاب العسكري عام 2014.

التفاؤل بالمستقبل الاقتصادي

رغم القلق، أشار خبراء إلى قدرة الاقتصاد الكوري الجنوبي على الصمود. وقال بارك سانغ إن، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيول الوطنية، “رغم أن إجراءات يون سوك يول كانت غير متوقعة، فإن الديمقراطية الكورية أثبتت قدرتها على مواجهة التحديات”.

وأضاف “كوريا الجنوبية تطورت من دولة غير متقدمة إلى واحدة من أكثر الاقتصادات ديناميكية في العالم. أفعال يون كانت مجرد ثانوية في مسار هذا النمو، والمجتمع الكوري كان ناضجًا بما فيه الكفاية للتعامل مع هذه الأزمة”.

ومنذ إعلان الأحكام العرفية، وعد البنك المركزي بتوفير السيولة اللازمة لاستقرار الأسواق. ورغم الأزمة، انخفض مؤشر الأسهم بأقل من 4%، مما يعكس مقاومة الأسواق للاضطرابات السياسية.

وأكد خبراء أن المستثمرين لا ينبغي أن يقلقوا بشأن الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد، حيث يتمتع الاقتصاد الكوري الجنوبي بقدرة فريدة على التكيف مع الأزمات.

شاركها.
Exit mobile version