ينشر موقع الجزيرة نت ملفا متكاملا بعنوان “محور الممانعة.. الفكرة وحدودها” يتناول بشكل مفصل فكرة المحور وإرهاصات التأسيس وتاريخ التكوين وسياقاته.

كما يتناول الملف أطراف المحور التي تدور في فلكه وترتبط بنواته، والفضاءات التي تعمل فيها، ويصف حالات الاستقطاب والتنافر بين مكوناته ومحيطها.

ونبحث في الملف علاقة المحور بالمقاومة الفلسطينية التي تخوض في قطاع غزة -وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- معركة “طوفان الأقصى” ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 110 أيام.

سينشر الملف كسلسلة على حلقات، نبدؤها بالحديث عن إيران كنواة لهذا المحور، ثم نتحدث عن سوريا الحلقة الذهبية فيه، وفي الحديث عن حزب الله سنتناول إستراتيجية الهجوم ضمن قواعد الاشتباك، وفي العراق المليشيات التابعة للمحور من التأسيس إلى حتى عملية الطوفان، وأخيرا نبحث كيف وصل الحوثيون إلى البحر.

(1) إيران.. فكرة المحور وحدودها

 

طارق خميس

في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، كانت مسيرة أميركية تحلق في الأجواء، تحمل قرارا بقتل قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وبرفقته أبو مهدي المهندس نائب رئيس “الحشد الشعبي”.

لم يكن سليماني رجلا عاديا بالنسبة للمشروع الإيراني، فهو الذي نقل فيلق القدس من جهاز يدرب المليشيات ومسؤول عن العمليات الخارجية الإيرانية، إلى أداة منظمة وشبكة معقدة من المليشيات تخترق الحدود وتُخضِع الجغرافيا في العراق واليمن وسوريا، وقبل ذلك كله في لبنان.

لقد تمكن سليماني من تطوير نظرية “الدفاع الأمامي” عبر نقل المواجهة بعيدا عن العمق الإيراني، وبذلك تمكنت إيران من بناء محور يناهض الهيمنة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، بل ينافسها في السيطرة عليها.

ومع ذلك، كان الرد الإيراني على عملية الاغتيال محسوبا بـ”القطارة”، فبعد بضعة أيام وبالتحديد في 8 يناير/كانون الثاني قصفت إيران قاعدتين للقوات الأميركية بغرب العراق وشماله.

وكان ذلك قصفا منسقا لتجنب حدوث أي ضرر مبالغ فيه، في حين يقول محللون مقربون من إيران إن الرد الحقيقي على مقتل سليماني هو استمرار مشروعه التوسعي في بناء شبكة المليشيات وتوحيد ساحاتها، وليس تعريض المنجز الذي جرت المراكمة عليه عبر السنين إلى مغامرة عسكرية غير محسوبة.

تدرك إيران أنها ليست ندا للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، ولكنها تسعى لتوسيع نفوذها حتى يمكنها ذلك من اكتساب الندية اللازمة في العلاقات الدولية. ووفق الوصف الشائع، فإنها تفضل “سلق الضفدع على ماء بارد بدلا من وضعه في قدر يغلي”.

دولة إقليمية مؤثرة

تسعى إيران إلى أن تكون دولة إقليمية قوية تمثل المركز الاقتصادي والعلمي والتقني الأول في جنوب غرب آسيا (بما في ذلك الجوار الإقليمي لإيران في آسيا الوسطى والقوقاز ومناطق الشرق الأوسط).

لذا، فإنه انطلاقا من عام 1989، سيخفت سعيها المحموم لتصدير الثورة لتحل محله المحافظة على مكتسباتها؛ أي العمل أكثر بمنطق الدولة القومية، فإيران اليوم تعرف نفسها بأنها دولة قومية فارسية بمذهب شيعي اثنَي عشري، وتناور ضمن مربعات النظام الدولي لتوسع من حضورها عبر تبنيها نظرية “الحرب غير المتكافئة”.

وليس من المجدي مراكمة قوة تقليدية من جيش نظامي مطالب بالتصدي لجيوش الخصوم وهزيمتها، فهذه عملية تحتاج إلى الكثير من الوقت والموارد والحلفاء، وتحمل في طياتها احتمالات كبيرة للخسارة، خصوصا أن في ذاكرة الإيرانيين حربا نظامية استمرت 8 سنوات مع العراق، راكموا فيها الكثير من الخبرة.

كل هذه الخبرة المبكرة والعنيفة للثورة الفتية، جعلتها تتعلم سريعا أن الشعارات الثورية تصلح لاجتذاب الأتباع وتحشيد الجماهير، لكنها لن تعالج دائما الفرق الهائل بين موازين القوى، خصوصا إذا كان المشروع يقوم على بعث الروح في جماعة أقلية سيشكل خطر فنائه هاجسا ملازما لها.

ولذا فإن إيران ستتجنب لاحقا أي احتمالات للحرب الصفرية، وبالتالي سيكون من مهمة مراكمة القوة عندها أن تخدم تجنب الحرب، وأن تحقق الأهداف بأقل الكلف وبعيدا عن أراضيها، عارضة نفسها على أنها طرف قوي يمكن التفاهم معه في الوقت الذي يمكنه أن يؤذي بخفة.

وبالمناسبة، فالجمع بين العقلانية ومسحة من التمرد على النظام الدولي، هي لعبة أتقنها الإيرانيون، فكان لهم لكل ساحة بدلة ولكل سياق جملة، وأخطر ما في مراكمة قوة الردع، أن تردعك هي بخشية الخوف من خسارتها.

إيران وحسابات الطوفان

عبرت إيران، في أكثر من تصريح رسمي، عن مباركتها لعملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد إسرائيل، وكان أبرز هذه التصريحات ما ورد على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي، لكنه في الوقت نفسه نفى وجود أي صلة لطهران بالعملية وهو ما ثابر المسؤولون الإيرانيون على تكراره.

وخلافا لما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، من أن مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا بشكل مباشر في التخطيط لهجوم الطوفان، ذهبت الولايات المتحدة إلى القول بأنها لا تملك أي أدلة تشير إلى أن إيران متواطئة في الهجوم.

وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بقوله “إيران وحماس لديهما علاقة طويلة.. حماس لم تكن لتصبح كذلك بدون الدعم الذي حصلت عليه لسنوات عديدة من إيران”، لكنه استدرك قائلا: “لم نر بعد دليلا على أن إيران أدارت هذا الهجوم تحديدا أو كانت وراءه”.

فليس لدى أميركا معلومة لتورط إيران أو حتى نية لتوريطها بحرب إقليمية، فلديها ما يكفي من المشاغل؛ التحدي الصيني وهو يطرق أبواب الهيمنة العالمية ويوشك أن يفتح له.

في المقابل، ليس لدى الإيرانيين رغبة في التورط في حرب واسعة ومباشرة مع القوى الكبرى، وعينها على حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد (USS Gerald R. Ford) التي جاءت تبحر في شرق البحر المتوسط لفرض الردع، وهي تدرك تماما أنها جاءت لردعها، هذا فضلا عن عشرات القواعد الأميركية التي تنتشر في بلادنا العربية، المتحفزة للتدخل في حال تجاوزت إيران القواعد المرسومة للاشتباك.

ولكن ما ينبغي إدراكه أن هدف تجنب الحرب إذا ما بولغ فيه قد يصبح أهم أسبابها، ويحكي لنا التاريخ أنه حين عاد رئيس وزراء بريطانيا نيفيل تشامبرلين إلى وطنه بعد عقده معاهدة “ميونخ” مع هتلر، وأعلن تحقيق “السلام في زمننا”، كان بالفعل قد شجع هتلر على هجومه.

تدرك إيران ذلك، ولذا فهي لا تريد أن تظهر بمظهر الضعيف، فقد يكون الهدف القادم هو ذراعها في جنوب لبنان ومقدمة حربتها، فلقد ذكر تقرير للقناة “12” الإسرائيلية، مساء السبت المنصرم 23 ديسمبر/كانون الأول أن مفاوضات خلف الكواليس تجريها عدة دول بهدف إبعاد قوات “حزب الله” عن الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

وأبرز النقاط المتداولة وفقا لتقرير القناة الإسرائيلية، هي: دفع قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وإدخال قوة دولية إلى منطقتي مزارع شبعا وشمالي قرية الغجر، وقبول تعيين رئيس جديد للبنان وقائد جديد للجيش اللبناني.

تحرك المحور الإيراني من جميع أماكن وجوده في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفق قواعد اشتباك محدودة لا تؤدي إلى تصعيد غير محسوب. وفي الوقت نفسه، أرسل رسالة عن “وحدة الساحات” وتحركها المتزامن دفاعا من بعضها عن بعض.

شكلت هذه الخطوات المحدودة، لا سيما في الجبهة الشمالية اللبنانية وفي اليمن، شيئا من الشعور بأن المقاومة الفلسطينية لن تترك وحيدة، إلا أنها خطوات -على أهميتها لغياب غيرها- لم تصل إلى الدرجة التي تردع فيها “إسرائيل” أو تكبح عدوانها على القطاع.

خطاب نصر الله

وقد شكل خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، رفعا للغموض -الذي كان وجوده مفيدا- عن موقف الحزب، واضعا قواعد محددة لطمأنة الجميع -باستثناء المقاومة في غزة- بأن الحرب بعيدة.

وبذلك، لم تكن الكلفة البشرية العالية في قطاع غزة محفزا لـ”المحور” كي يطور من طريقة تدخله، إذ تجاوز عدد الشهداء حاجز 25 ألفا.

هكذا، حولت إيران تدخلها المحسوب إلى صندوق رسائل لعدة أطراف، فمن جهة استمرت في التعبير عن حدود محورها ونفوذها وتحركه بالتناغم، وفي الوقت نفسه أثبتت للنظام الدولي أنها طرف يتمتع بعقلانية الدول الحديثة ويقدم الحسابات الموزونة على المغامرات.

ومن جهة أخرى شاغلت بحزب الله جزءا من الجيش الإسرائيلي في جبهة الشمال وأخلت العديد من المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة، وحاصرت إسرائيل في البحر الأحمر.

وأتاحت تدخلات الحوثي لها تجاوز مياهها الإقليمية واصلة الساحل الهندي، بما يزيد من قدرتها على ردع خصوم آخرين. وبهذا وضعت العديد من الأوراق التي يمكن التفاوض عليها لاحقا، ثم أرسلت رسالة عتب للمقاومة في غزة لاستفرادها بقرار المعركة.

لم تكن معركة “طوفان الأقصى” بمعرفة إيرانية، ولم تكن أيضا بأسلوبها، وذلك على الرغم من أن تصريحات قبل العملية بسنة كانت قد أشارت إلى ضرورة عملية من هذا النوع وتعهدت بالتدخل الجدي إذا ما تمت.

ففي مقابلة أجريت في أغسطس/آب 2022 ونشرت على الموقع الإلكتروني لـ”المرشد”، قال رئيس الحرس الثوري حسين سلامي “الفلسطينيون جاهزون اليوم للحرب البرية، وإن أكبر نقاط ضعف إسرائيل هي الحرب البرية، وإن القتال بالصواريخ ليس هو النقطة الأساسية في الصراع، وهم يعلمون أنه يجب تحرير الأراضي بالقوات البرية، وستتحدد نتيجة المعركة عندما يكون الكفاح على الأرض، وسيتحرك أبناء حزب الله وفلسطين الشجعان ذوو الخبرة على الأرض في تشكيل عسكري واحد”.

مسار التفاهم

على خلاف ما يشاع بأن عملية طوفان الأقصى جاءت بتوقيت مناسب للإيرانيين، حيث عطلت مسار التطبيع القادم، فإنها أيضا عطلت شيئا من الانتعاش في مسار التفاهم الإيراني الأميركي.

فقبل شهرين من الطوفان، كان يبدو أن الإيرانيين على وشك فك الجمود الذي ساد التفاهمات مع واشنطن، فاتفاقية تحرير السجناء الخمسة وتحرير 6 مليارات دولار لصالح إيران كانت قد جمدت في كوريا الجنوبية، شكلت أملا جديدا للإيرانيين في تفكيك الحصار الاقتصادي المضروب عليهم.

وفي الفترة نفسها، شهدت صادرات النفط الإيرانية مستويات إنتاج مرتفعة، وذلك وفق ما ذكرته شركة “كبلر” مزودة بيانات تدفق شحنات النفط.

وبحسب الشركة نفسها، تجاوزت الصادرات الإيرانية حاجز 1.5 مليون برميل يوميا في مايو/أيار الماضي، وهو أعلى مستوى شهري لها منذ عام 2018، السنة التي ألغى فيها الرئيس دونالد ترامب الاتفاق النووي.

يذهب خبراء إلى أن ذلك يأتي ضمن رغبة أميركا لتجنب ارتفاع أسعار النفط قبيل الانتخابات الأمريكية، ولكنه أيضا يشي برغبة في إنعاش التفاهمات مع الإيرانيين.

ومؤخرا، وافق حزب الله على ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل”، التي هي حصص فلسطين المسروقة، وبإشراف المبعوث الأمريكي الإسرائيلي الأصل، عاموس هوكشتاين، تجري عملية الترسيم والتفاهم التي سبقها تصعيد كلامي. كما أن الحزب يعيش بيئة محلية على وشك الانهيار، ولن يغامر بتهجير حاضنته في ظروف كهذه.

حماس وإيران.. خصوصية التحالف

شكل خطاب “تحرير القدس” إحدى المكونات الأيديولوجية للثورة الإيرانية ومن بعدها مرحلة استقرار الدولة، وهذا الموقف كان أساسا في انتقادات الخميني لحكم الشاه، ويعتبر الموقف من قضية فلسطين ورقة اعتماد ضرورية لكل من يرفع شعار المقاومة في الوجدان العام للشعوب العربية والإسلامية، وفضلا عن ذلك فإن “إسرائيل” أيضا هي منافس إيران الإقليمي الحقيقي.

إذ تقدم “إسرائيل” نفسها بوصفها حارسة دول الخليج من الخطر الإيراني، والقاعدة المتقدمة للغرب في الحد من النفوذ الإيراني، في حين تقدم إيران نفسها حارسة شعلة المقاومة وصاحبة المشروع الجدي في التصدي للنفوذ الإسرائيلي، لكنها مع ذلك تتجنب الصدام المباشر معها، وتفضل محاصرة توسعها ومشاغلتها من خلال دعم الفصائل الفلسطينية.

مبكرا ومنذ الثورة الإيرانية، بدأت العلاقة بين إيران والمقاومة الفلسطينية عبر “منظمة التحرير”، ثم راكمت حماس لاحقا على ذلك.

ففي عام 1990، دعيت الحركة لحضور مؤتمر في طهران لدعم الانتفاضة الأولى، وفي عام 1991، فتحت مكتبا لها في طهران، لكن التطور الفعلي في العلاقة بدأ من بعد عام 2006، أي من بعد فوز الحركة في الانتخابات، وما عناه ذلك بالنسبة لإيران، مثل قوى أخرى، من حضور وتأييد جماهيري لحماس.

وبعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، أصيبت العلاقة بفتور جدي، بعد أن قررت حماس الخروج من سوريا والوقوف بجانب الثورة ضد النظام، الذي كان مدعوما من إيران.

رأت إيران في موقف حماس خروجا عن “المحور”، لكنه أيضا دلل على كون الحركة ليست ذراعا تابعا للمشروع الإيراني، بل تتمتع بالندية في التعامل معه كحليف له أرضيته وحساباته الخاصة.

لم تطل سنوات الفتور هذه، فبعد عام 2014 وانتكاسة الثورات العربية، عادت العلاقة بين إيران وحماس إلى حيويتها.

ومع اندلاع معركة “العصف المأكول”، التي خاضتها المقاومة ردا على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ظهر أن قدرات المقاومة في تطور مستمر، مما يعني دخولها في مسارات للتصنيع المحلي، دون اعتماد كامل على الدعم الإيراني، وهو ما يتجلى خلال معركة “طوفان الأقصى” هذا العام.

سعت حماس إلى ترميم العلاقة مع إيران؛ لكونها الدولة الوحيدة التي مدت يدا داعمة لها بالمال والسلاح والخبرات، في حين أطبق عليها الحصار من مختلف الدول العربية والإسلامية، وتحديدا المجاورة لها.

استقلالية حماس

وفي إحدى المقابلات مع أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة حماس وممثلها في لبنان، أجاب عند سؤاله عن العلاقة مع إيران: “نعم نتلقى دعما من إيران، والخطأ أن الآخرين لا يقدمون دعما… أن يصبح من يدعم الفلسطينيين مدانا، ومن يقبل الدعم من الفلسطينيين مدانا، هذه آخر عجائب الدنيا، المدان هو الذي لا يدعم القضية”.

غير أن هذا الدعم وقبوله لم يعن لحماس ذوبانا في المشروع الإيراني وتحالفاته، إذ ظلت الحركة تأخذ مسافة تؤهلها أخذ موقف داعم لحق الشعوب في التحرر من الاستبداد، وفي الوقت نفسه تركز على الدفاع عن مجتمعها المسؤولة عنه دون أن تتدخل في صراعات المنطقة.

وقد جاء ذلك على لسان مسؤولين في الحركة، إذ يقول أسامة حمدان في مقال له بعنوان “العلاقات الدولية لحركة حماس”: “حرصت الحركة دائما على استقلالية قرارها مع انتمائها للأمة، ورفضت التبعية في أي من علاقاتها السياسية، ورفضت الحركة دائما أن تكون تحت جناح طرف أو فريق مهما كانت حالة الانسجام والتوافق وحسن العلاقات، كما رفضت الحركة بناء أي شكل من العلاقات على قاعدة التوظيف السياسي لها أو لأدائها لصالح أجندات قد تتعارض مع مبادئها، أو مع مصالح الأمة أو مع مصلحة إنسانية عامة”.

أما خالد القدومي، ممثل حركة حماس في طهران، فيقول: “الإيرانيون لم يشترطوا يوما أي شروط خاصة بهم مقابل دعم حماس، وإيران تعلم أنها لو اشترطت لما قبلت حركة حماس ذلك”.

وحول موقع حركة حماس داخل المنظومة الدفاعية الإيرانية وما إذا كانت جزءا منها، أجاب الحرس الثوري عن سؤال الباحثة المختصة بالشأن الإيراني فاطمة الصمادي: “قرارنا هو الدفاع عن حماس، وإذا ما حدثت المعركة مع إيران فمن المؤكد أن حزب الله سيشارك والحشد الشعبي سيشارك وكذلك أنصار الله والزينبيون، وهي إستراتيجية دفاعية بنيناها”.

ويتابع الحرس إجابته “أما بالنسبة لحماس فيكفي أن تقاتل إسرائيل، وليس مطلوبا منها أن تقاتل نيابة عن إيران إذا تعرضنا لهجوم، إن المعركة الوحيدة التي ينتظر من حماس أن تخوضها هي الحرب مع إسرائيل في الساحة الفلسطينية ولتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة لا في أي ساحة أخرى، فهناك عدو واحد هو إسرائيل”.

في الواقع، فإن هذه الإجابات من جانب الحرس والحركة بقدر ما تؤكد على استقلالية الحركة عن مشروع إيران ووضع التحالف بينهما في إطار التحالف الاستراتيجي القائم على وحدة العدو، فإنها تضع الحركة في درجة أقل من ناحية الأهمية بالنسبة للمشروع الإيراني، وهو ما يساعد على تفسير انضباط قواعد الاشتباك في تدخل المحور في المواجهة.

الضغط على إسرائيل

صحيح أن معركة إقليمية مفتوحة هدف لا يسعى له أحد، لكن توسيع الاشتباك لدرجة تضغط على “إسرائيل” وتهددها وتدفعها لكبح عدوانها، هي مسألة ما زال بالإمكان تحقيقها، ومع أن ذلك يحمل مغامرة حقيقية فإن هذا ما يميز المواجهات العسكرية، وهو ما يدفعه الحليف من أجل حليفه وقت الأزمات.

علينا أن نتذكر أن إيران أنجدت الأسد بـ70 ألف مقاتل، وحشدت الآلاف في العراق للتصدي لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”، فهذا المعنى الفعلي لـ”وحدة الساحات”، إذ إن لها معنيين: الحقيقي وقد شاهدناه في سوريا والعراق، والرمزي التمثيلي وهو ما شهدناه في العلاقة مع المقاومة في غزة.

من المفيد معرفة الطريقة التي تفكر بها إيران، وإدراك طبيعة مشروعها وتتبع تطور تمددها، ولاسيما الدور الاستثنائي الذي قام به “فيلق القدس” من وقت تأسيسه ليكون جسما موازيا للجيش وقادرا على أداء أدوار خارجية، مرورا بسقوط العراق؛ اللحظة الذهبية التي ساهمت في تمدد نفوذه، ووصولا إلى خطة عام 2011 الاستثنائية، التي شكلت فرصة لتوسيع النفوذ في سوريا واليمن وتمتين العلاقة مع مختلف الساحات.

فيلق القدس.. كيف صنع المحور؟

تعود نشأة الحرس الثوري ومعه “فيلق القدس” إلى بداية تجربة الثورة الإيرانية، وكانت المهمة بالأساس مواجهة التحديات الداخلية، فلم يكن الجيش محل ثقة الثورة بحكم ارتباطه بالعهد السابق، كما أن أهمية تشكيل لجنة للحروب غير المتماثلة كانت تطرح مبكرا لاسيما بعد حرب كردستان والحرب الإيرانية العراقية.

وبحلول عام 1989، كان فيلق القدس يعبر عن اندماج تنظيمات إيرانية عدة، تقوم بمهام متشابهة في إطار إعادة تنظيم القوات المسلحة، وقد تولى أحمد وحيدي قيادة الفيلق خلال الفترة الواقعة بين 1989و1998.

لم تكن فكرة إنشاء جسم للعمليات الخاصة الخارجية أو لتدريب المليشيات والتدخل الخارجي، طارئة على التقاليد الأمنية للدولة الإيرانية السابقة على الثورة، بل كانت توجها يندرج ضمن توجهات عدة ورثتها الثورة الإيرانية وطورتها بوصفها استمرارا لتقاليد الدولة القومية منذ ستينيات القرن المنصرم، لاسيما دعم المليشيات الخارجية، ومن أمثلة ذلك: دعم إيران لتمرد الأكراد في العراق (1961-1974)، والمشاركة في قمع ثورة ظفار في عمان (1972-1979)، وغيرها.

كما شكلت معارضة وجود القوى الخارجية عسكريا في منطقة الخليج محددا قديما للدولة الإيرانية، إضافة إلى تطوير البرامج النووية والصاروخية الذي بدأ قبل الثورة، فهذه كلها محددات أساسية للدولة في إيران سابقة على ثورة الخميني، وقد حوفظ على استمراريتها بعد الثورة، كما يرى خبراء الشأن الإيراني.

ومن المفيد إدراك ذلك لمعركة الاستمرارية التي تحملها الدول القومية الحديثة، بمعزل عن طبيعة الدعاية للحاكمين والأيديولوجيا، مع أن هذه الأيديولوجيا بالطبع لها دورها المركزي والمهم.

تجلت الفرصة الكبرى الأولى للحرس الثوري في لبنان عام 1982، إذ كان ضباط الحرس الثوري يعملون بجد على تأسيس حزب الله، وبالتعاون مع عماد مغنية أسسوا جهاز الأمن الخاص، وهو جناح حزب الله المسؤول عن التنسيق مع فيلق القدس؛ الجهاز الذي سيقوم بالعديد من العمليات ضد السفارة الأميركية والثكنات العسكرية الأميركية والفرنسية.

وهذا ما يعكس جاهزية الحرس باستمرار للاستثمار في الفرص والاستعدادية العالية للاستفادة من الفوضى.

التعاون مع واشنطن

قطعت إيران العلاقات الدبلوماسية مع أميركا منذ عام 1980، وذلك بعد احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في طهران رهائن، إلا أنه بدءًا من 11 أيلول/سبتمبر، أبدى الإيرانيون تعاونا مع الأميركان في ضرب عدوهم المشترك “طالبان”.

لم يُفاجَأ ريان كروكر، وهو مسؤول كبير في الخارجية الأميركية، عندما وجد أن سليماني كان مرنا في التنسيق معهم، فقال: “إنك لا تعيش ثماني سنوات من الحرب الوحشية دون أن تكون عمليا إلى حد ما”.

وبحسب ديكستر فيلكنز صاحب مقالة “جنرال الظل” في مجلة “نيويوركر” الأميركية، فقد استمر التعاون بين البلدين خلال المرحلة الأولى من الحرب.

وفي مرحلة ما، سلم كبير المفاوضين الإيرانيين كروكر خريطة توضح بالتفصيل تحركات قوات طالبان: “هذه نصيحتنا: اضربوهم هنا أولا، ثم اضربوهم هنا…”، سأل كروكر مندهشا: “هل يمكنني تدوين الملاحظات؟” فأجاب المفاوض: “يمكنك الاحتفاظ بالخريطة”.

لقد عكس هذا الشكل من التنسيق قدرة إيران على تحدي النظام الدولي وعلى التفاهم معه إذا اتفقت المصالح، بل والتحدث مع “الشيطان الأكبر” إذا لزم الأمر.

لكن “الشيطان الأكبر” في يناير/كانون الثاني 2002، وعلى يد الرئيس جورج بوش الابن، وضع إيران على قدم المساواة مع ما سمّاه “دول محور الشر”، وشكل ذلك خيبة أمل للإيرانيين، وبذلك أغلق الباب على الاتصالات السرية التي شهدتها بداية الحرب على أفغانستان.

سليماني وتحقيق الأهداف بكل الوسائل

تولى قاسم سليماني قيادة الفيلق في الفترة الواقعة بين 1998و2020، وساهم في نقله نقلة نوعية، وشوهد في سوريا والعراق وفي كل مكان احتاج إلى الوجود فيه.

لم يعد في عهده الفيلق منظمة للعمليات السرية وحسب، بل جعل منه قوة تعبئة شعبية قادرة على استقطاب فئات واسعة وغير متدينة تجمعها الهوية الشيعية أو الرغبة المصلحية، حتى تدين بالولاء أو المصلحة للمشروع المركزي في إيران.

لقد أصبح الفيلق قوة مهيمنة تدير الأزمات، وتتدخل فيها، وتشارك في العملية السياسية أيضا، وترتبط هذه الشبكات بشخصيته الكاريزمية والمبادرة، التي نجحت في استغلال الفرص والممكنات وأتقنت استعمال القوى الناعمة والخشنة في أماكنها المناسبة، ممزوجة بخطاب أيديولوجي ثوري، ولكنها مصحوبة بحس براغماتي يشتغل ضمن قواعد السياسة القومية، على أن نتذكر دوما أن البراغماتية لا تعني التخلي عن المبادئ كما يشاع، بل تعني هنا التمسك بالمبادئ ولكن بأدوات أخرى.

تمكن سليماني من بناء هيكل شامل للفيلق في أفغانستان وأفريقيا وآسيا الوسطى والعراق ولبنان وأميركا اللاتينية والجزيرة العربية، وأنشأ ما يقرب من 20 معسكرا للتدريب في إيران، إضافة إلى معسكرات في لبنان، وأخيرا في السودان، وإنشاء شبكة لوجستية متخصصة بإدارة شحنات الأسلحة السرية على المستوى الدولي.

ووفق كاتب مقالة “جنرال الظل”، فقد “أصبح الفيلق منظمة ذات امتداد غير عادي، مع فروع تركز على الاستخبارات والتمويل والسياسة والتخريب والعمليات الخاصة.

ومع وجود قاعدة في مجمع السفارة الأميركية السابق في طهران، تضم القوة ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف عضو، مقسمين بين المقاتلين وأولئك الذين يدربون الأصول الأجنبية ويشرفون عليها”.

العراق.. حين كسرت البوابة الغربية لإيران

خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، تكون عند الإيرانيين أهم درسين في نظرية الأمن القومية لديهم: 1- الوعي اللازم بطبيعة المستقبل وحربه اللانظامية. و2- الرغبة الملحة في عراق ضعيف ليكون بوابة للتمدد في المنطقة؛ وهو أمر المجمع عليه بين مختلف الأطياف السياسية الإيرانية.

لقد كانت الحرب مع العراق بالنسبة لإيران بداية مشروع مدته ثلاثة عقود، لبناء منطقة نفوذ شيعية فارسية تمتد عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط، يتحدى النفوذ الغربي وأنظمته العربية، وأيّ مكون سني عربي في طريقه للتشكل أو في طور تملكه لزمام القوة.

وفي 19 مارس/آذار 2003، كانت صواريخ “كروز” الأميركية تحطم بوابة العراق إلى غير رجعة، تلك البوابة التي سيؤدي كسرها لاحقا إلى انطلاق عصر التمدد الإيراني. وفي ثلاثة أسابيع، انتهى النظام الذي أرهق إيران في حرب السنوات الثماني.

كان الإيرانيون يراقبون ذلك بقلق، ولكي يتجنبوا الموجة العالية من الغضب الأميركي، قدموا في 4 مايو/أيار2003 مذكرة وخارطة طريق للأميركان، وذلك من خلال السفير السويسري تيم غولدمان في طهران، وافقت إيران فيها على الشفافية الكاملة فيما يخص برنامجها النووي، وعلى وقف دعمها لحماس واتخاذ إجراءات تؤدي إلى نزع سلاح حزب الله.

وفي المقابل أراد الإيرانيون أن تتوقف الولايات المتحدة عن محاولة تغيير نظامهم السياسي، وتسليم أعضاء من “منظمة مجاهدي خلق الإيرانية”، والاعتراف بـ”المصالح الأمنية المشروعة لإيران في المنطقة”.

وأرادوا بيانا يفيد بأن إيران ليست جزءا من “محور الشر”، وفق ما أفاد به السفير في حوار مع ديفيد كريست، مؤلف كتاب “حرب الشفق”.

ولا ندري هل كانت إيران جدية في هذه المبادرة أم أنها أسلوب دبلوماسي للمشاغلة وإشعار القوى الكبرى بأنه يمكن التفاهم معها.

أرسلت أمريكا كروكر إلى بغداد لتنظيم حكومة ناشئة تسمى “مجلس الحكم العراقي”. وفي الوقت الذي انطلقت فيه المقاومة العراقية التي تركزت في المناطق السنية، ركز الجيش الأميركي جل اهتمامه على مكافحة التمرد السني، وتجنب استفزاز إيران ومليشياتها قدر المستطاع.

كان السياسيون العراقيون الذين قبلوا العمل مع الاحتلال يتشاورون على الدوام مع سليماني، واتفق الرجلان، كروكر وسليماني، بطريقة غير مباشرة، على المرشحين الشيعة المحتملين، يشير كروكر إلى أن “تشكيل مجلس الحكم كان في جوهره مفاوضات بين طهران وواشنطن”.

اجتثاث البعث

لقد أرادت إيران انتصار أميركا على العراق، لكنها لم ترده انتصارا يشكل خطرا عليها، ويضيع منها فرصة النفوذ في الدولة المجاورة. فانطلاقا من عام 2004، كانت الألغام الإيرانية و”جيش المهدي” -المليشيات الشيعية التابعة لمقتدى الصدر- يوقعان خسائر في الأميركان، على خلاف “لواء بدر” الذي تفرغ لحملة انتقامية ضد البعثيين.

وقد شكلت هاتان السياستان جوهر التدخل الإيراني: 1- اجتثاث البعث والوجود السني معه، الذي سيعبر عنه لاحقا بقانون “اجتثاث البعث” في فترة المالكي وسيجري توسيعه ليشمل كل تنافس محتمل من السنة، و2- التفاهم مع الأمريكان في أحيان، وإيقاع الأذى فيهم في أحايين أخرى.

وفي أوائل عام 2008، كان ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية، يستمع إلى رسالة سليماني التي كان نصها: “عزيزي الجنرال بترايوس، يجب أن تعلم أنني، قاسم سليماني، أتحكم في سياسة إيران فيما يتعلق بالعراق ولبنان وغزة وأفغانستان”.

وبالفعل فإن السفير في بغداد هو عضو في فيلق القدس، والشخص الذي سيحل محله هو عضو في فيلق القدس أيضا.

وبحلول عام 2011، كانت إيران قد أحكمت سيطرتها على العراق، وبنت فيه قوة شاملة سياسيا وعسكريا تتبع لها، أمام أنظار ما يقارب 200 ألف جندي أميركي.

ومع أن النظام الحاكم في إيران حاول باستمرار أن يبدي مرونة، وأحيانا توافقا، مع النظام الدولي، كما في حرب الخليج الثانية (1990-1991) وحربي أفغانستان (2001) والعراق (2003)، فقد بقي الملف النووي ودعم المقاومة والموقف من “إسرائيل” محل نزاع.

هذا إضافة إلى رغبة الأميركان في الحد من التوسع الإيراني وليس القضاء عليه، فالخطر الإيراني ضامن لاستمرار حاجة الخليج إلى أميركا.

وبدءًا من عام 2007، وُضع الحرس الثوري وفيلق القدس على قوائم الإرهاب، وبقيت العلاقة مع أميركا تتفاوت بحسب سكان البيت الأبيض، بين العقوبات الاقتصادية والاحتواء بالتفاهمات.

وفي خضم كل ذلك، دللت إيران وأثبتت للنظام الدولي أنها طرف إقليمي قوي ومخيف، ولكن في الوقت نفسه يمكن التفاهم معه.

الفرص مجددا

لم تكن إيران لتسمح للجسر الواصل بينها وبين حزب الله بالسقوط، حيث كان سليماني يشرف بنفسه على إدارة معركة إنقاذ نظام بشار الأسد. وقد شكلت معركة “القصير” (المدينة التي تعد مدخلا إلى البقاع؛ معقل حزب الله)، أبرز بداية لهذا التدخل.

ومع حلول مايو/أيار 2014، وصل “الجيش الشعبي” المكون من المليشيات المدعومة إيرانيا، بقوام سبعين ألف مقاتل، إلى سوريا، وذلك بحسب ما صرح به مسؤول في الحرس الثوري.

وجدت إيران في سقوط نظام الأسد تهديدا إستراتيجيا لمشروعها، وضربا لخط إمداد حزب الله؛ حربتها المتقدمة في تهديد “إسرائيل”.

قاتل الإيرانيون وحلفاؤهم سنوات طويلة لمنع سقوط نظام الأسد، تماما مثلما تحركوا بتأسيس الحشد الشعبي في العراق لمنع سقوط النظام العراقي.

ولقد شكل الانهيار السريع للجيش العراقي في الموصل أمام مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في 10 يونيو/حزيران 2014، مصدر خطر حقيقي على السيطرة الشيعية في العراق، فأصدر السيستاني المرجع الشيعي الأعلى فتوى “الجهاد الكفائي”، وعلى إثرها تشكلت قوات الحشد الشعبي.

وفي اليمن تمكن الحوثيون، الذين تلقوا تدريبا وتسليحا إيرانيا، من السيطرة على العاصمة صنعاء. وفي نهايات عام 2014، سعت إيران إلى تطوير شبكة نفوذها وتهديد العمق السعودي الجنوبي والتمركز في الممرات المائية في الخليج.

يعطي هذا الحجم من الذهاب في الخيارات العسكرية والدفاع عن حدود النفوذ انطباعا قويا عن جدية إيران في بناء شبكة نفوذها في المنطقة، وهي لا تتردد في أن تتدخل بكل قوتها حين يتعلق الموضوع بمصلحة مشروعها، وتقدير حجم التدخل يتعلق بحجم المصلحة المترتبة على إنقاذ الحليف وطبيعة انتمائه العقدي وطبيعة الخصم الذي يواجهه، فلا يمكن فصل تمددها السياسي عن مكونها الشيعي، وقدرتها على تحفيز الشعور بالخطر عند الأقلية الشيعية العربية وربط مصالحهم بمصلحة مشروعها.

لقد شكل “التشيع” وسيلة إيران في التمدد، لكنه أيضا هدف من أهدافها، وفي الواقع، سيبقى سوء التفاهم قائما في وعينا السياسي ما دمنا نرث أدوات تحليلية علمانية لا تنظر إلى العقائد إلا بوصفها أدوات تعمل في خدمة المصالح العقلانية القومية، ولكن ثمة درجة من التداخل لا يعود معها بالإمكان التمييز بين ما هو مصلحي وما هو ديني على أنها حقول منفصلة، فالعقيدة كفيلة بترتيب المصالح، والمصالح لا يمكن البناء عليها إلا بأخذ العقيدة التي أمدتها بمشروعيتها بالاعتبار.

بهذا يمكن فهم المكون الفارسي للدولة الإيرانية؛ المكون الذي يملي على الدولة ركائزه ونظرته للأمن، كما يورث ثقافته. فليس غريبا أن يبدأ تمجيد ذكرى قورش في عهد أحمدي نجاد، المعروف بتمسكه بالمكون الشيعي للسياسة. ففي المحصلة، تستثمر إيران مثل أي دولة قومية كل مصادرها الذاتية لتجعل منها عناصر قوة، ثم لا يعود ممكنا بعدها التمييز بين الأدوات والأهداف عندما تنتظم في وجهة واحدة.

هل تشارك إيران في الطوفان؟

يمكن القول إن ثمة شراكة إستراتيجية تجمع المحور الإيراني بحماس، بل هي جزء منه، بالمعنى السياسي، لكنها تفترق معه في المكون العقدي، وتستقل عنه في القرار السياسي والعسكري، وهو ما كشفت عنه معركة “طوفان الأقصى”، ولا تتفق معه في مشاريعه في المنطقة، وهو ما كشفت عنه لحظة الخروج من سوريا بمعزل عن شكل التصريحات المبالغ فيها التي صدرت لاحقا.

هذا كله يجعل حماس تحتل درجة أقل ضمن شعار “وحدة الساحات”، وذلك قياسا بالساحات الأخرى: سوريا ولبنان، فتلك مشاريع ترتبط عضويا وعقائديا ومصلحيا بالمشروع الإيراني، بمعزل عن درجات استقلالها وقدرتها على التحرك والمبادرة. وما زال الحدث قائما فلا يمكن الجزم بطريقة تطوره إلا أنه بشكله الحالي يكفي لتصور شكل وطبيعة التحالف.

وما يهم إدراكه، أن التحالف بين حماس وإيران، يأتي في غياب أي دعم عربي أو مسلم آخر في المسألة العسكرية والسياسية، بل على العكس تتآمر العديد من الأنظمة العربية على المقاومة الفلسطينية، وتتمنى القضاء عليها. ومجددا يتمدد المشروع الإيراني في كل مساحة يمكنه التمدد فيها، مستغلا الفرص ومطورا عليها.

شاركها.
Exit mobile version