يزداد الوضع الاقتصادي والمصرفي في اليمن تعقيدا، مع إعلان جماعة الحوثي طرح الإصدار الثاني من الورقة النقدية فئة 200 ريال للتداول اعتبارا من اليوم الأربعاء، بعد أيام من إصدار عُملة معدنية جديدة فئة 50 ريالا، ورفض الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليا) الإجراء الذي اعتبرته “فعلا تدميريا وعبثيا”.

ويكشف هذا التطور أبعادا اقتصادية وسياسية تفاقم معاناة اليمنيين في بلد يعاني من أزمة إنسانية هي “الأسوأ” في تاريخه الحديث، وفق الأمم المتحدة.

وأعلنت السبت الماضي جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، إصدار عملة معدنية جديدة فئة 50 ريالا (20 سنتا تقريبا)، وفق بيان للبنك المركزي اليمني التابع للجماعة.

وسبق للحوثيين أن أعلنوا عن صك عملة معدنية من فئة 100 ريال في أبريل/نيسان 2024، وقوبلت الخطوة باستنكار الحكومة الشرعية، والبعثات الأوروبية في اليمن.

ورفضت الحكومة اليمنية، في بيان، الإجراء الحوثي، واعتبرته “استمرارا للحرب الاقتصادية التي تمارسها المليشيات على الشعب اليمني، ونسفا للاتفاق السابق بين الطرفين الذي تم توقيعه في 23 يوليو/تموز 2024، برعاية إقليمية ودولية”.

وقبل نحو عام، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ اتفاق الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي على “عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي، عقب إجراءات متبادلة بين الطرفين حينها”.

العملة المعدنية فئة 50 ريالا التي أصدرتها حكومة صنعاء مؤخرا (الصحافة اليمنية)

وحينها أعلن الحوثيون عن صك عملة معدنية فئة 100 ريال لأول مرة، فيما رد البنك المركزي اليمني التابع للحكومة اليمنية، بوقف تراخيص 6 من أكبر بنوك البلاد تقع مراكزها الرئيسية في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وحينها، استنكرت بعثات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا لدى اليمن، قرار الحوثي وحذرت من أن “القرارات أحادية الجانب ستؤدي إلى تعميق انقسام الاقتصاد اليمني، ولا تخدم سلام ورخاء اليمنيين”.

تبريرات الطرفين

اعتبرت جماعة الحوثي إعلانها صك عملة معدنية جديدة، “إجراء مدروسا ومسؤولا، لتكون بديلا للأوراق النقدية التالفة من الفئة نفسها”.

ووفق بيان للبنك المركزي بصنعاء، أوضحت الجماعة أن ذلك “يأتي في إطار إيجاد حلول لمشكلة الأوراق النقدية التالفة، وتعزيز جودة النقد الوطني المتداول”.

وادعت أن تلك الإجراءات “لن يترتب عليها أي زيادة في الكتلة النقدية أو أي تأثير على أسعار الصرف”.

بدورها، رفضت الحكومة اليمنية الإجراءات الحوثية، وأكدت في بيان للبنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، أن هذا الفعل “عمل عبثي تدميري يستهدف حياة اليمنيين ويفاقم الوضع الاقتصادي الكارثي في البلد”.

وأشارت الحكومة إلى أن “هذا الفعل التصعيدي الخطير من قِبل مليشيات الحوثي يُطيح بإعلان 23 يوليو 2024 الصادر عن المبعوث الدولي، والذي تم برعاية إقليمية ودولية”.

وقد نص الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة على “إلغاء القرارات والإجراءات ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة”.

تصعيد خطير

وفي هذا الخصوص، اعتبر الخبير الاقتصادي اليمني ماجد الداعري أن الإجراء الحوثي “انقلاب وتحدٍّ للحكومة الشرعية والمجتمع الإقليمي والدولي”.

وأضاف الداعري في تعليق لوكالة الأناضول “طباعة عُملة جديدة تُعد أخطر مرحلة تصعيدية في الملف الاقتصادي، وتنهي كل التفاهمات السابقة والجهود الأممية المتعلقة بتطبيع الأوضاع الاقتصادية وإنهاء الأزمة المتعلقة بالقطاع المصرفي وتوحيد العُملة”.

وتابع “الحوثيون أثبتوا أنهم الطرف الأقوى والمتحكم بالملف الاقتصادي، في حين لا تملك الحكومة أي خيارات للرد”.

وأوضح الداعري أن مشكلة الحكومة تكمن في “تنازلها عن أقوى قرارات معاقبة البنوك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين”.

وأشار إلى أنه كان بإمكان الحكومة “استثمار ذلك في القطاع النقدي أو المصرفي، لكنها رضخت للضغوط الأممية والإقليمية وتراجعت عن قراراتها، وأصبحت بذلك مجردة من أي مخالب تتعلّق بالملف الاقتصادي”.

ويعاني اليمن أزمة مالية كبيرة زاد من تأثيرها توقف تصدير النفط منذ عام 2022، نتيجة تداعيات الصراع بين الحكومة والحوثيين، الذي بدأ عقب سيطرة الأخيرة على صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014.

“خطوة مهمة”

في المقابل يرى الخبير الاقتصادي الدكتور رشيد الحداد أن الخطوة التي أقدمت عليها جماعة الحوثي “طبيعية ومهمة وتعالج أزمة السيولة المالية في العاصمة صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرتها”.

وأضاف في حديث للأناضول “هذه الخطوة ليس لها أي أثر تضخمي على صرف العملة في أماكن سيطرة الحوثيين، وتندرج في إطار المعالجات لأزمة السيولة التي يعاني منها السوق المحلي”.

وأوضح الحداد أن الحوثيين “يسيطرون على السوق اليمني (70%)، الأمر الذي يحتم عليهم وضع حلول ومعالجات في ظل وجود كميات كبيرة من العملة التي طُبعت قبل العام 2014، وباتت حاليا في حكم التالف”.

وأشار إلى أن الجماعة “ستمضي في تلك المعالجات رغم القيود الأميركية المفروضة عليها وتصنيفها جماعة إرهابية”.

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2024، صنفت الولايات المتحدة جماعة الحوثي “منظمة إرهابية عالمية”، ردا على هجماتها المستمرة على السفن المدنية في البحر الأحمر، ودخل القرار حيز التنفيذ بعد 30 يوما من قرار التصنيف.

يسعى الحوثيون إلى استبدال أوراق النقد القديمة في مناطق سيطرتهم (غيتي)

اقتصاد موازٍ

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن الدكتور عارف السقاف إن إعلان الحوثيين عن طباعة عملة جديدة، سواء كانت معدنية أو ورقية، يُعد “تحديا مباشرا للحكومة اليمنية باعتبارها الجهة المعترف بها دوليا لإدارة السياسة النقدية في اليمن”.

وأضاف السقاف “طباعة عملة جديدة تعمّق الانقسام النقدي الحاصل في البلاد، وتخلق واقعا اقتصاديا مزدوجا يزيد من معاناة المواطنين ويعقّد حركة التجارة بين المحافظات”.

وتابع “هذا الإعلان يمثل رسالة سياسية واقتصادية للمجتمع الإقليمي والدولي بأن جماعة الحوثي تفرض أمرا واقعا وتسعى لإدارة اقتصاد موازٍ خارج الشرعية، ما قد ينعكس على فرص التسوية السياسية ويثير قلقا حول وحدة النظام المالي اليمني”.

وقال السقاف إن “النتيجة المحتملة من هذا الإصدار النقدي هي مزيد من فقدان الثقة بالعملة الوطنية، وازدياد الاعتماد على العملات الأجنبية، وتوسّع دائرة الركود والانقسام الاقتصادي في البلاد”.

شاركها.
Exit mobile version