كابل- تستيقظ السيدة الستينية بيبي فاطمة كل صباح كعادتها اليومية، تبدأ يومها بتوضؤ ثم تتوجه إلى المطبخ الخارجي في منزلها الريفي الطيني. تقوم بخلط الطحين مع الماء وتتركه ليختمر، وخلال ذلك تؤدي صلاة الفجر. وعلى الرغم من وجود بناتها وزوجات أبنائها في هذا المنزل الكبير، فإن بيبي فاطمة تصر على تحضير الخبز وخبزه في التنور بنفسها. تقول: “أنا أحب العمل وأكره الكسل. أعجن وأخبز وأحلب الأبقار وأغلي الحليب، وأقوم بكل أعمال الحقل. هذه هي الحياة التي أحببتها واعتدت عليها ولا أستطيع العيش بدونها”.

تقيم بيبي فاطمة في إحدى القرى الجبلية التابعة لولاية بدخشان شمال شرق أفغانستان، في منزل كبير مع أسرتها الممتدة التي تضم زوجها، وأبناءها الأربعة، بزوجاتهم، وأحفادها، واثنتين من بناتها غير المتزوجات. يتوسط منزلهم حديقة مليئة بالأشجار المثمرة، وخلفه حقل للخضراوات والقمح. تُعد الأسرة من العائلات الأفغانية المتوسطة الحال والتي تعتمد على مواردها الذاتية.

على مدار الأربعين عامًا الماضية، عانت أفغانستان من سلسلة من الحروب المتتالية (شترستوك)

تتذكر بيبي فاطمة الأيام العصيبة التي عاشتها في شبابها، وتقول: “مررنا بأزمات كثيرة، خاصة في زمن الاجتياح الروسي لأفغانستان عندما أغلقت جميع الطرق إلى كابل، وانقطعت المواد التموينية من الأسواق. منذ ذلك الوقت تعلمنا الاعتماد على أنفسنا لتوفير احتياجاتنا. خلال الحروب المتعاقبة، استمررنا بفضل النظام الذي اتبعناه في إدارة شؤون حياتنا”.

على مدار الأربعين عاما الماضية، عانت أفغانستان من سلسلة من الحروب المتتالية، بدءا من الاجتياح الروسي مرورا بالحرب الأهلية وصولا إلى الاحتلال الأميركي. ومع هذه الأزمات، تعلمت العائلات الأفغانية الصمود بالاعتماد على الذات، بعيدا عن دعم الحكومات التي حكمت البلاد.

إدارة المنزل: عمل جماعي

توضح بيبي فاطمة تفاصيل حياتها قائلة: “نزرع القمح، وعندما يحين وقت الحصاد، نقوم بطحنه وحفظه في خزانات خاصة لصنع الخبز طوال العام. لدينا 5 بقرات توفر لنا الحليب ومشتقاته، وما يزيد عن حاجتنا نقوم بتجفيفه على شكل كرات لاستخدامها لاحقًا. بالنسبة للفاكهة والخضراوات، فإننا نزرع ما يكفينا في معظم أيام السنة، ونربي الدجاج الذي يوفر لنا البيض”.

وعن وسائل التدفئة والطهي تقول: “نستخدم روث البقر كوقود، إضافة إلى الحطب الذي نحصل عليه من الحقل”.

هذا المنزل الريفي لا يختلف عن غيره من المنازل الريفية في القرى الأفغانية، حيث يعمل الجميع فيه كخلية نحل. كل فرد من أفراد الأسرة له دوره المحدد، حتى الأطفال الصغار الذين يتسابقون لجمع الجوز واللوز من تحت الأشجار، والشابات اللواتي يتنافسن في حياكة أجمل الأثواب، والرجال الذين يقومون بحفر قنوات المياه وتنظيفها. وتُشرف بيبي فاطمة على كل هذه المهام بفخر قائلة: “أنا سعيدة بأنني تمكنت من توفير حياة مريحة لعائلتي رغم كل التحديات”.

Boy, Girl, Children image. Free for use.
حاجي عين الدين: في قرى أفغانستان، لن تجد فندقا واحدا، لكنك ستجد مكانا في أي بيت تطرقه (بيكسابي)

حفظ المحاصيل

تشرح بيبي فاطمة طرق حفظ المحاصيل قائلة: “كل نوع من المحاصيل له طريقة حفظ خاصة. نقوم بتجفيف الفواكه مثل المشمش، التوت، العناب، والخوخ، وكذلك المكسرات مثل الجوز واللوز. نصنع المربى من بعض أنواع الفاكهة، بينما تُحفظ البطاطس تحت التراب. كما نجفف الطماطم والفلفل والخضراوات الورقية كالنعناع، ونحفظ البقوليات مثل اللوبياء والحمص. في الخريف، نقوم بذبح عجول وتجفيف لحومها بتعليقها في الهواء. عندما يأتي الشتاء، يكون لدينا مخزون كامل من اللحوم، الفواكه، والحبوب، ونادرًا ما نحتاج لشراء أي شيء من السوق”.

قيم التكافل الاجتماعي

في قرية شاهجوي التابعة لولاية زابل جنوب أفغانستان، يعيش حاجي عين الدين مع عائلته الكبيرة في منزل كبير. بيته وجهة لكل محتاج، سواء الأطفال الذين يملؤون الماء من بئره أو من يطلب الحليب والخضراوات. يقول حاجي عين الدين: “الحمد لله، بيتي مفتوح للجميع. لقد عشت سنوات طويلة في فقر وأعرف صعوبته. الآن بعد أن منّ الله عليّ بالرزق، لن أبخل على أي محتاج”.

القيم الأفغانية تعتمد على “البشتونوالي”، وهو قانون عرفي يشمل قيم الكرم (شترستوك)

ويضيف: “في قرى أفغانستان، لن تجد فندقا واحدا، لكنك ستجد مكانا في أي بيت تطرقه. نحن نستضيف ما لا يقل عن 10 ضيوف يوميًا من العابرين، ونوفر لهم المأوى والطعام. هذا واجبنا كأفغان”.

العرف الأفغاني: البشتونوالي

يوضح شمس الدين أحمدي، المختص في علم الاجتماع، أن القيم الأفغانية تعتمد على “البشتونوالي”: قانون عرفي يشمل قيم الكرم، الجوار، العدالة، والشجاعة. يقول أحمدي: “العزلة الثقافية للأفغان ساعدت في حماية هذه القيم، خاصة في القرى. المجتمع الأفغاني متدين ومحافظ، مما عزز من تمسكه بهذه المبادئ”.

 

شاركها.
Exit mobile version