في أقل من 10 سنوات أصبح الحزب الجمهوري حزب الرئيس المنتخب دونالد ترامب بمساندة “حركة ماغا”، مستعيرا شعاره الشهير “لنجعل أميركا عظيمة مجددا”، وقد انخرطت في الحركة تيارات متنوعة، يمكن تصنيفها وفق ثلاثية بسيطة: الدين والمال والنفط.

بهذه المقدمة افتتح موقع ميديا بارت -تقريرا بقلم فرانسوا بوغون- ذكر فيه بخطاب ترامب الذي ألقاه فور تأكيد فوزه بالانتخابات، محاطا بعائلته والمقربين منه أمام حشد من أنصاره، حيث أشاد بقوة بالحركة السياسية التي بدأها قبل نحو 10 سنوات في أول سباق له للوصول إلى البيت الأبيض.

وقال ترامب “كانت هذه حركة لم يسبق لها مثيل. وبصراحة، أعتقد أنها كانت أعظم حركة سياسية على الإطلاق. لم يكن هناك شيء مثل ذلك في هذا البلد، وربما خارجه. والآن ستصل إلى مستوى جديد من الأهمية لأننا سنساعد بلادنا على التعافي”.

وأوضح الكاتب أن هذه القوة المعروفة باسم حركة ماغا، نسبة إلى شعار الرئيس السابق رونالد ريغان الذي تبناه ترامب “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، اخترقت الحزب الجمهوري وحولته إلى تنظيم حول شخصية ترامب.

وقالت المؤرخة الأميركية سيلفي لوران للموقع “هذا مشروع رجعي”، وهي ترى أنه لا وجود للترامبية، بل “للنزعة الأميركية”، لأن الترامبية إذا قيلت فالمراد منها أصلا فصيل من الحزب الجمهوري، تمثله حركة ماغا داخل هذا الحزب، أما اليوم فقد صوت 51% من الأميركيين لصالح شخص يعرفون برنامجه جيدا، وأصبحت الترامبية أميركية.

وكان البعض يتساءل هل ترامب فاشي بأجندته الاستبدادية المعادية للأجانب، ولكن نظرا لعدم تجانس حركة ماغا فمن الصعب تحديد عقيدة لها ولكن من السهل تحديد ما يحفز أولئك الذين مولوها وشاركوا فيها بنشاط، ويمكن جمعهم حول ثلاثية بسيطة: الدين والمال والنفط، وذلك في خدمة مشروع يسلط الضوء على ماض أسطوري، وصورة أميركا ذات الأغلبية البيضاء، عندما ساهم النفط الرخيص في تمويل ازدهار بلد أرسل الصواريخ إلى الفضاء.

اليمين المسيحي المتطرف

في عام 2024، تمكن دونالد ترامب مرة أخرى من الاعتماد على دعم وتعبئة المسيحيين البيض، وهم رؤوس حربة القومية المسيحية، الذين يعود تاريخهم إلى سيادة العرق الأبيض لجماعة كو كلوكس كلان، ثم إلى “الأغلبية الأخلاقية” للوعظ التلفزيوني في عهد ريغان، وهي ترى في ترامب الزعيم المثالي لخوض معركتها.

ومع أن ماضي ترامب -حسب الكاتب- ليس نموذجا للفضيلة، فإنه ربط هذه الأطياف الدينية بمعركته السياسية، وأشار خلال خطاب النصر إلى محاولتي الاغتيال اللتين كان ضحيتهما، وقال “لقد أخبرني الكثير من الناس أن الله أنقذ حياتي لسبب ما، وكان هذا السبب هو إنقاذ بلادنا وجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، والآن سنقوم بهذه المهمة معا”.

يستفيد دونالد ترامب على سبيل المثال من دعم مجلس السياسة الوطنية، وهو منظمة سرية للغاية تأمر أعضاءها بعدم التحدث في الخارج، كما يستفيد من السديم الذي نشأ حوله، بما فيه مؤسسة التراث التي طورت “مشروع 2025″، وهو عبارة عن خريطة طريق رجعية ضخمة لعودة ترامب إلى السلطة، كما يقول الكاتب.

بالنسبة لهؤلاء القوميين المسيحيين، يتعلق الأمر “بتنصير” الولايات المتحدة، ووضع حد للفصل بين الكنيسة والدولة وإلغاء حق المرأة في الإجهاض، ومحاربة الأقليات الجنسية والجنسانية وما إلى ذلك، ولكن “الفكرة الكبرى للقومية المسيحية هي أن الله خلق أميركا لنوع واحد من المسيحيين، من بيض ذوي اعتقاد خاص”، كما يشير إيبو باتيل، مؤسس منظمة “إنترفيث إن أميركا”.

أباطرة النفط

يعتز ترامب بمجموعة أقطاب النفط والغاز الطبيعي إلى درجة جعلها عنصرا أساسيا في وعده بالتجديد الاقتصادي للولايات المتحدة، ووضع هذه الطاقة الأحفورية في قلب برنامجه خلال حملته الانتخابية إلى حد ذكرها في كل لقاء، وقد شجب “الحرب على الطاقة” التي يشنها الديمقراطيون، وتظاهر بأنه مدافع عن النزعة الاستخراجية، وقال ترامب أمام حشد: “سوف نقوم بالحفر يا عزيزي ثم الحفر وعلى الفور”، دون ذكر العواقب البيئية.

وكان ترامب قد رحب عام 2020 أمام مجلس السياسة الوطنية، بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، ووصفها بازدراء بأنها “كارثة باريس المناخية”، وأضاف “لقد كانت هذه طريقة للاستفادة من الولايات المتحدة. لم نتمكن من الحفر ولم تكن لدينا طاقة”.

وأشار الكاتب إلى أن أباطرة النفط دللوا ترامب، وكانوا المانحين الرئيسيين لحملته بأكثر من 75 مليون دولار وربما أكثر، وقد اجتمع ترامب مع مجموعة من المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط وجماعات الضغط وطلب منهم مليار دولار لحملته، ووعدهم في المقابل بإزالة جميع الحواجز البيئية أمام صناعتهم وعكس بعض السياسات التي اتبعها جو بايدن لصالح الطاقات المتجددة والمركبات الكهربائية.

وقال ترامب على قناة فوكس نيوز في أغسطس/آب “لدينا طاقة كبرى. لدينا ذهب سائل كما أسميه. تحت أقدامنا أكثر من السعودية ومن روسيا. سوف نسيطر على سوق الطاقة ونحقق ثروة، وسنخفض أسعار الطاقة”.

فاحشو الثراء

غير أن أصحاب المليارات من الذهب الأسود ليسوا الأثرياء الوحيدين الذين اصطفوا تحت راية ترامب، بل إن ثلث الأموال التي تم جمعها لحملته -وفقا لإحصاء صحيفة فايننشال تايمز- جاءت من مليارديرات من أمثال إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم ورئيس شركتي سبيس إيكس وتسلا، الذي أشاد به ترامب مستحضرا على وجه الخصوص صواريخه.

وأشار الكاتب إلى أنه من الممكن أن يعرض ترامب على إيلون ماسك دورا مهما، بعد أن أطلق عليه لقب “وزير خفض التكاليف”، لاقتراحه إنشاء “لجنة كفاءة حكومية” يمكنها إلغاء ما يقرب من ثلث الميزانية الفدرالية.

أما الأثرياء الآخرون فكانوا أكثر تحفظا ولكنهم قدموا مساعدات مالية قيمة، ومن بينهم ميريام أديلسون، الإسرائيلية الأميركية التي تدافع عن إسرائيل وأقنعت ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس خلال فترة ولاية ترامب الأولى، ومنهم كذلك تيموثي ميلون، وريث إحدى أغنى العائلات في الولايات المتحدة، وليندا مكمان.

لكن وجود هذه الشخصيات من عالم الاقتصاد والمال يوحي بوجود تضارب كبير في المصالح، وبالفعل حذرت منظمة “مواطنون من أجل الأخلاق” غير الحكومية، التي تحارب الفساد داخل الحكومة، من أن الرئيس المنتخب، إذا لم يتنح عن شركاته سوف ينتهك بند المكافآت الذي يحظر بأحكام الدستور الأميركي على أصحاب المناصب الفدرالية تلقي هدية أو مدفوعات أو أي شيء آخر ذي قيمة من دولة أجنبية أو مسؤوليها أو ممثليها.

شاركها.
Exit mobile version