تونس – “أحنا ملاين ما نموتوش” (عددنا بالملايين ولن نموت).. تلك العبارات التي كانت تتصدر لافتة عملاقة لمشجعي ألتراس النادي الأفريقي التونسي في مدرجات ملعب رادس الأولمبي، والتي اتخذها النادي شعارا له في موسم 2024ـ2025 للدلالة ليس فقط على شعبيته الجارفة وقاعدته الجماهيرية، وإنما إيذانا بالعودة للمراهنة على الألقاب بعد تتالي السنوات العجاف.

ورغم علوّ سقف الطموحات داخل النادي الأفريقي، الذي تأسس في العام 1920 ويعد واحدا من أقدم أندية الكرة العربية، فإن شمس الألقاب غابت من جديد عن الفريق الأحمر والأبيض، لتستمر خيبات جماهيره وسط حالة من الغضب والحسرة التي ازدادت حدتها مع خروج الفريق من سباق الدوري للموسم الجاري خالي الوفاض.

وأسدل الستار أول أمس الخميس على سباق الدوري التونسي للمحترفين، ليحتل الأفريقي المركز الرابع وسط حالة من الإحباط والغضب داخل النادي بعد أن كان في بداية الموسم منافسا بارزا على اللقب، لا سيما بعد التخلص من شبح الديون الثقيلة التي كانت تحاصره.

مواسم متشابهة وفشل واحد

ويعيش الأفريقي، ثاني أندية البلاد تتويجا بالألقاب بعد غريمه الترجي وصاحب الـ13 لقبا للدوري ومثلها للكأس، وضعية صعبة بعد استمرار فشله في معانقة الألقاب للموسم العاشر تواليا، إذ يعود آخر تتويج له بالدوري إلى موسم 2014-2015، قبل أن تتوالى الفترات الحالكة ويعجز الفريق عن إعادة البسمة إلى جماهيره الوفية.

قبل بداية موسم 2024ـ2025، شهدت أجواء الأفريقي مستجدات كثيرة كان في مقدمتها حلول رجل الأعمال الأميركي فيرجي تشامبيرز الذي قدّم نفسه على أنه مستثمر في “فريق الشعب”، وأحد أكبر المدعمين للنادي، وقدم بالفعل دعما ماليا سخيا ليخلص الفريق من الديون الثقيلة التي كانت تحاصره، كما ساهم في تسديد رواتب اللاعبين والتكفل بالتعاقد مع لاعبين جدد.

لكن التعاقدات التي أقدم عليها الفريق ونجاحه في التخلص من الديون لم يكونا كافيين لوضع الفريق على سكة الألقاب من جديد، إذ توالت النتائج السلبية في المنعطف الحاسم لموسم 2024ـ2025، ووجد فريق “باب الجديد” -وهي المنطقة التي تأسس فيها النادي في قلب العاصمة تونس- نفسه خارج المراهنة حتى على المراكز المؤهلة للمسابقات الأفريقية.

وشنّت جماهير النادي هجوما حادا على مسؤوليه والمدرب الفرنسي ديفيد بيتوني واللاعبين، رافعة لافتات تضمنت عبارات مسيئة للأطراف التي اعتبر المشجعون أنها تخاذلت في أداء واجبها تجاه النادي وفشلت في الدفاع عن اسمه وشعاره.

وخلال مباراة النجم الساحلي التي خسرها الأفريقي 0-2 على ملعبه، وهي الخسارة الثالثة له تواليا في الدوري، ألقى جمهور الأفريقي القوارير على اللاعبين وأعضاء الجهاز الفني، وشملت موجة الغضب رئيس النادي هيكل دخيل، موجهين عبارات الشتم إليه، قبل أن تدعو روابط المشجعين إلى الخروج يوم السبت في مظاهرة أمام مقر تدريبات النادي لمهاجمة المسؤولين والمطالبة باستقالتهم.

واعتبر المشجع خليفة الرباعي المعروف باسم “القعبوط” في أوساط النادي والذي يعدّ واحدا من المتيمين بحب الأفريقي، أن “المواسم تتشابه والخيبة واحدة داخل الفريق”، مشيرا إلى أن سوء إدارة النادي في ملف التعاقدات مع اللاعبين هو السبب الأول لاستمرار السنوات العجاف وابتعاد النادي عن منصة الألقاب.

الأفريقي فشل في معانقة الألقاب للموسم العاشر تواليا (مواقع التواصل)

وقال الرباعي للجزيرة نت “على مدى قرابة 50 عاما من علاقتي بالأفريقي أعتقد أن السنوات العشر الأخيرة هي الأشد بؤسا للنادي، أين نحن من إبداعات الحارسين عتوقة ومختار النايلي ونجيب غميض وكمال الشبلي والمنصف الخويني وفي نهاية التسعينيات مع فوزي الرويسي وعادل السليمي ولطفي المحايسي وجمال الإمام وأبو بكر الزيتوني وغيرهم؟ الأفريقي دخل في طريق مظلمة منذ أن رحل عنه كبار المسؤولين”.

اللاعبون سبب الانحدار

من جهته، يرى المسؤول السابق كمال بن خليل أن “علّة الأفريقي تكمن في فشل التعاقدات واستقدام لاعبين أثبتت المباريات أنهم لا يستحقون حمل قميص النادي ولا الدفاع عن ألوانه”.

يضيف بن خليل الذي تقلد مناصب عدة في الأفريقي في السنوات الماضية، “أحمّل المسؤولية للاعبين والمدرب ديفيد بيتوني بعد الخيبة العارمة وحالة الإحباط التي أصابت شعب الأفريقي من جديد، ولكن لا بد من مساءلة المشرفين عن التعاقدات، لا يمكن بناء فريق يراهن على الألقاب بمثل هؤلاء الخونة”، وفق وصفه.

وأرجع السبب الأساسي في نهاية موسم الأفريقي في الدوري على نحو سيئ إلى عدم إقالة المدرب الفرنسي ديفيد بيتوني الذي تسلم المقاليد الفنية للفريق الأول في يوليو/تموز 2024، وعجز عن تحقيق أي انتصار أمام أندية المقدمة في الدوري التونسي، وفق ما أكده بن خليل.

ومنذ تأسيسه في عام 1920، أحرز الفريق الأحمر والأبيض 13 لقبا للدوري و13 للكأس، كما كان أول ناد تونسي يتوج بدوري أبطال أفريقيا والكأس الأفروآسيوية في عام 1991.

أزمة بين الرئيس والمستثمر

ولم تقف أزمة الأفريقي في موسم 2024-2025 عند النتائج المخيبة للآمال، بل شهدت الأيام الماضية اندلاع حرب كلامية لا تزال مستمرة حتى الآن بين رئيس النادي هيكل دخيل والمستثمر الأميركي فيرجي تشامبيرز، الذي وجّه اتهامات خطيرة وشبهات سوء تصرف مالي لرئيس النادي.

وأشعل شامبيرز الأزمة في أوساط مشجعي الأفريقي عندما وجه اتهامات صريحة إلى رئيس النادي هيكل دخيل، قائلا إنه لن يستمر في دعم النادي للموسم المقبل إلا بشرط تنحي دخيل من منصبه ورحيله عن مجلس الإدارة.

وأعلن شامبيرز، في تصريحات نشرها على حساباته الرسمية بمنصات التواصل الاجتماعي، عن قراره تكليف خبراء في التدقيق المالي والتصرف للكشف عما اعتبرها “شبهات للفساد المالي” لا بد من الكشف عن المتهمين بارتكابها لإعادة الاستقرار للنادي ومصالحة جماهيره.

وقال “تم ضخ نحو 15 مليون دينار (5 ملايين دولار) في ميزانية النادي منذ بداية الموسم، ورغم ذلك نفاجأ اليوم بأن الديون تناهز 10 ملايين دينار، هناك أمور لا بد من توضيحها بتدقيق مالي وقانوني. لم أتهم أحدا بالسرقة ولكن الأفريقي يحتاج اليوم مشروعا إصلاحيا يشمل تدقيقا شاملا ولجنة منتخبة ومراجعة هيكلية للفريق”.

 

 

وردّ رئيس النادي هيكل دخيل على اتهامات شامبيرز بالقول إنه لم يختلس أي أموال من خزينة النادي، مشيرا إلى أنه مستعد للمحاسبة وتقديم كل الوثائق للجان التدقيق وللشركات الداعمة خلال الجلسة العمومية في يونيو/حزيران المقبل.

وقال دخيل، في مقطع فيديو على الحساب الرسمي للنادي على فيسبوك، “يداي نظيفتان ولم أختلس أموالا، الأفريقي ليس للبيع ومن العار أن ننشر غسيله الداخلي على منصات التواصل، سأقدم كل الوثائق للجهات المختصة لإثبات الادعاءات الباطلة التي راجت مؤخرا، أنا مستعد للمحاسبة وواثق من أني لم أساوم عندما توليت المسؤولية”.

وتولى دخيل رئاسة الأفريقي في يونيو/حزيران 2024 بشكل مؤقت ولمدة موسم واحد، وذلك بعد استقالة الرئيس المنتخب آنذاك يوسف العلمي بسبب سوء النتائج وحملة الغضب التي شنتها عليه الجماهير.

شاركها.
Exit mobile version