من 200 ألف ريال ظنها 200 مليون إلى إمبراطورية تجارية تمتد عبر القارات، هكذا بدأت رحلة الشيخ فيصل آل ثاني في عالم الأعمال عندما كان في السادسة عشرة من عمره.
ويؤكد الرجل الذي أسس أول مول تجاري في قطر ويملك اليوم شركات في أميركا وأوروبا والعالم العربي، أن المؤسسة ليس رأس مالها “المال” بل الكوادر البشرية التي تعمل بها.
وتكشف هذه الشهادة الاستثنائية عن قصة نجاح ملهمة بدأت من الصفر وصولا إلى بناء مجموعة تجارية عالمية، إذ ساهم بفعالية في تنظيم كأس العالم 2022، فضلا عن حفظه للتراث القطري من خلال متحف شخصي يضم قطعا نادرة من جميع أنحاء العالم.
وفي هذا السياق، كشف الشيخ فيصل آل ثاني خلال لقائه الحصري مع برنامج “قصتي” الذي يمكن متابعته عبر هذا الرابط، عن تفاصيل مثيرة من رحلته المهنية التي امتدت لأكثر من 6 عقود، منذ أن بدأ العمل التجاري في الستينيات وحتى اليوم.
فالشيخ الذي ولد عام 1948 وعاش طفولته في المرخية بلا كهرباء أو ماء، تمكن من بناء إمبراطورية تجارية تضم فنادق في أميركا وأوروبا وشركات في مختلف القطاعات.
النجاح الأول
انطلقت تجربة الشيخ فيصل الأولى في عالم التجارة بمبلغ بسيط من والده قدره 5 آلاف ريال، استثمر منها 3 آلاف في إنشاء مكتب وشراء بعض البضائع البسيطة.
وفي تلك المرحلة، واجه تحديا اجتماعيا حقيقيا، إذ كان يعمل باسم مستعار خوفا من النظرة المجتمعية للتجارة في ذلك الوقت، حيث كانت بعض الأعمال التجارية تعتبر عيبا اجتماعيا.
وبعد هذه البداية الحذرة، جاءت اللحظة الفارقة عندما حقق أول ربح كبير بقيمة 200 ألف ريال، وهو مبلغ ضخم في ذلك الزمن حيث كانت أفضل سيارة تباع بـ18 ألف ريال فقط.
بيد أن هذا النجاح المبكر كاد يؤدي إلى نهاية مبكرة لمسيرته، إذ دفعه للتفكير في التوقف عن العمل، لكن سرعان ما تبخر المبلغ خلال شهرين أو ثلاثة، الأمر الذي علّمه درسا مهما حول أهمية وجود دخل ثابت.
وعلى هذا الأساس، بدأ الشيخ فيصل في بناء إستراتيجية أكثر حكمة، خاصة مع تطوير إحدى أهم محطات مسيرته وهي شراكته التي استمرت 60 عاما مع شريك لم يسأله قط عما يفعل، وبالمثل لم يسأل هو شريكه عن أعماله.
هذه الثقة المتبادلة والاحترام المطلق كانا أساس نجاح الشراكة، حيث لم يتناقشا قط حول العمل، بل كان كل منهما يثق في قرارات الآخر تماما.
وبناء على هذه الخبرة، جاء التوجه نحو الاستثمار في العقارات كخطوة إستراتيجية لضمان دخل ثابت، خاصة مع الدعم الحكومي الذي كان يوفر إيجارا مقدما لـ3 أو 5 سنوات لأي شخص يبني عقارا للإيجار، وقد ساعد هذا القرار الذكي في تأسيس قاعدة مالية قوية للتوسع المستقبلي.
تحويل الرؤية إلى واقع
وفي إطار هذا التطور المتدرج، شكّل مشروع سيتي سنتر نقطة تحول حقيقية في مسيرة الشيخ فيصل، حيث كان أول مول تجاري في قطر.
وبدأ المشروع برؤية مستقبلية جريئة في منطقة خالية من السكان، الأمر الذي واجه تحديات جمة من نقص الكهرباء إلى عدم فهم البلدية لطبيعة المشروع، إضافة إلى مطالب بعض الشركات بـ5 أو 6 سنوات من الإيجار المجاني.
ورغم عدم امتلاكه لـ5 ملايين ريال وقت البدء في المشروع، فإن إيمانه بالفكرة ودعم البنك الوطني مكّناه من إتمام المشروع.
وقد كان افتتاح سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للمشروع بمثابة أكبر مكافأة له وللفريق العامل معه.
واليوم، وبعد عقود من النجاح المتواصل، يحقق سيتي سنتر إيرادات تتراوح بين 300 إلى 400 مليون ريال سنويا، مقارنة بـ60 مليون في بداياته.
ومع ترسيخ نجاحه في السوق المحلي، لم يكتف الشيخ فيصل بهذا الإنجاز، بل امتد نشاطه ليشمل استثمارات في أوروبا وأميركا، حيث يملك اليوم فنادق من فئة سان ريجز وجي دابليو ماريوت في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأميركا.
وقد مكن هذا التنويع الجغرافي مؤسساته من الاستفادة من الأرباح الخارجية لدعم العمليات المحلية.
وفي السياق ذاته، شكل الاستعداد لكأس العالم 2022 دافعا إضافيا للتوسع في قطاع الفندقة، إذ تمكنت مجموعته من تحقيق هدف إنشاء 20 فندقا في قطر خلال فترة وجيزة، متجاوزة التوقعات والانتقادات التي وصفت الهدف بالمبالغة.
وقد ساهم هذا النجاح في تقديم أفضل كأس عالم من ناحية الإدارة والاستقبال.
حفظ التراث كرسالة حضارية
وإلى جانب نجاحه التجاري المتميز، يولي الشيخ فيصل اهتماما خاصا بحفظ التراث من خلال متحفه الشخصي الذي يضم مجموعة نادرة من التحف والمقتنيات التاريخية.
وقد تطور هذا المتحف من غرفة صغيرة في مجلس والده ليصبح معلما حضاريا يزوره الملوك والأمراء من مختلف دول العالم.
ويصل شغف الشيخ فيصل بجمع التحف إلى درجة مذهلة، إذ يضحي بإجازاته الصيفية لشراء قطعة نادرة، وينفق معظم ميزانيته الشخصية على المتحف.
وقد مكنته خبرته الطويلة في هذا المجال من تمييز القطع الأصلية من المزوّرة، ويحرص على إتلاف أي قطعة مزورة لمنع انتشارها.
الحكمة والإرث
ويؤكد الشيخ فيصل أن نجاح أي مؤسسة يعتمد على الكوادر البشرية وليس على رأس المال فقط، مشيرا إلى أن لديه موظفين يعملون معه منذ أكثر من 40 عاما، ويشعرون بأن المؤسسة ملكهم أكثر من أي شخص آخر.
وقد مثلت هذه الفلسفة في التعامل مع الموظفين والاستثمار في الكوادر البشرية أحد أبرز أسرار نجاحه المستمر.
وفي رسالته لشباب رجال الأعمال، ينصح الشيخ فيصل بعدم السعي وراء المال الحرام والحفاظ على الصلة بالله، مؤكدا أنه رفض العديد من الفرص المشبوهة حفاظا على سمعته وراحة ضميره.
كما يؤكد على أهمية ترك إرث إيجابي للأجيال القادمة، سواء كان تجاريا أم ثقافيا أم تراثيا، ليكون نموذجا ملهما للريادة في الأعمال والمسؤولية الاجتماعية.