القدس المحتلة- إلى قرية أم طوبا في الجنوب الشرقي من مدينة القدس، اتجهت الجزيرة نت بحثا عن أصحاب المنازل والأراضي التي فوجئ أصحابها مؤخرا بتسجيلها لصالح “الصندوق القومي اليهودي” دون إخطار السكان بأن أراضيهم دخلت ضمن مشروع “تسجيل وتسوية الأراضي” الذي أطلقته الحكومة الإسرائيلية عام 2018.

ووضعت الحكومة هدفا آنذاك بتسجيل 50% من أراضي شرقي القدس حتى نهاية عام 2021، واستكمال تسوية ما تبقى حتى نهاية عام 2025. وادّعت وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة إيليت شاكيد حينها أن العمل على قطاع التسوية سيُسهل عملية البناء أمام المقدسيين، ويوفر حلولا سكنية لهم.

لكن في مساحة الظل، لا العلن، فإن هذا المشروع يهدف إلى تعزيز سيطرة الاحتلال على المزيد من الأراضي الفلسطينية في المدينة، خاصة أن عمليات تسجيل الأراضي شرقي القدس في السجل العقاري (الطابو) توقفت بعد استكمال احتلال المدينة عام 1967، ويُقدر أصحاب الاختصاص أن 5 إلى 10% فقط من الأراضي تمت تسويتها وتسجيلها في الطابو.

وأدت عمليات تجميد التسجيل إلى وضع تفتت فيه الملكيات، وتوزع أصحابها بين القدس وخارجها، مما يعني أن توفير أوراق ثبوتية سليمة من وجهة النظر الإسرائيلية يعد مهمة صعبة أمام الفلسطينيين لإثبات حقهم في أراضيهم.

على تلّة مطلّة على سفوح خضراء، وعلى وادٍ زرع فيه أجداده 70 شجرة زيتون، يقع منزل يوسف أبو طير (50 عاما)، وأمام هذا المنزل زرع هو وأشقاؤه 6 نخلات يستقبلون زوّارهم والمتضامنين معهم في ظلالها بعد ما انقلبت حياتهم رأسا على عقب، واستفاقوا يوما ليجدوا أنهم ليسوا أصحاب الأرض، وقد تطالبهم الجهة التي سُجلت الأرض باسمها بإخلاء منازلهم.

إطلالة من منزل يوسف أبو طير على مستوطنة جبل أبو غنيم التي أقيم جزء منها على أراضي أم طوبا (الجزيرة)

إجراء باطل

في مستهل حديثه للجزيرة نت، قال يوسف “توجه ابن عمي لبلدية القدس لاستصدار رخصة بناء، وبعد شهر قال له المحامي إن هذه الأرض ليست ملكا لك ومسجلة باسم الصندوق القومي اليهودي”.

تحرك أبناء عائلة أبو طير في تلك المنطقة فورا، ووكلوا محاميا قال لهم إن ملكية “63 دونما و90 مترا مربعا و26 سنتيمترا من أراضيهم لم تعد لهم”.

“ضربة مؤلمة جدا في الرأس” هكذا وصف يوسف وقع هذا الخبر عليه عند سماعه، وتحرك فورا مع أقاربه الذين يملكون الأراضي والمنازل قانونيا، وقدم محاموهم التماسا للمحكمة الإسرائيلية العليا ضد الإجراءات الجديدة.

وجاء في الادعاء -الذي كان المحامي يزيد قعوار أحد من قدموه- أن “إجراءات التسوية تمت بدون نشر وبدون إعلام السكان، رغم أن أغلبهم أقاموا البنايات بموجب رخص بناء صادرة عن بلدية القدس” وفق ما أفاد به قعوار للجزيرة نت.

ووفقا ليوسف أبو طير، فإن الأراضي سُجلت باسم “الصندوق القومي اليهودي” في 15 مايو/أيار 2023، وأن المحكمة العليا لديها مهلة للرد على الالتماس حتى الثامن من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

3-أسيل جندي، أم طوبا، القدس، منزل يوسف أبو طير في قرية أم طوبا وهو ضمن أصحاب الأراضي التي صودرت ومنزله الآن مقام على أرض مصادرة(الجزيرة نت)
منزل يوسف أبو طير في قرية أم طوبا وبات يعتبر على أرض مصادرة (الجزيرة)

مستقبل قاتم

“أنشئت على المساحة المصادرة 18 بناية 16 منها مرخصة من البلدية، وهناك رخص بناء استُصدرت حديثا وأصحاب الأراضي منازلهم قيد الإنشاء.. هذا تزييف وسرقة ولا نعترف بوجود هذه المؤسسة أصلا ولا يمكن أن ننصاع لإجراءاتها” أضاف أبو طير.

يملك هذا المقدسي وأشقاؤه 8 دونمات ونصف الدونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وجميع ما يملكونه تمت مصادرته بموجب الإجراء الجديد. ويرد يوسف على ذلك بالقول “لن نخرج من هنا.. هذه أملاكنا وأراضينا التي ورثناها عن الآباء والأجداد”.

ولدى يوسف وبقية المتضررين أوراق ثبوتية مختومة من مخاتير القرية القدامى لإثبات معاملات البيع والشراء والملكيات، وهذه الأوراق لا تشفع لهم أمام الدوائر الإسرائيلية التي تطلب ورقة التسجيل في السجل العقاري (الطابو) فقط لإثبات الملكية.

مختار قرية أم طوبا المهندس عزيز أبو طير: 139 مقدسيا من أهالي أم طوبا تضرروا بالإجراء الجديد (الجزيرة)

أما مختار قرية أم طوبا المهندس عزيز أبو طير -الذي التقيناه في المكان ذاته- فقال إن تاريخ القرية يعود لأكثر من 3 آلاف عام، وإن أهلها قديما ثبتوا ملكياتهم كبقية الفلسطينيين عند المخاتير، وهذا حال سكانها الحاليين الذين يبلغ تعدادهم 5 آلاف نسمة.

وأضاف عزيز، في حديثه للجزيرة نت، أن 139 مقدسيا من أهالي أم طوبا تضرروا بالإجراء الجديد، وأنهم لجؤوا فورا للقضاء لحل هذه المعضلة، رغم أن “القاضي هو الجلاد”.

وأفصح مختار القرية عن عدم تفاؤله من قرار المحكمة العليا المرتقب في ظل الوضع السياسي المعقد، خاصة أن المحامين يؤكدون أن هذه القضية سياسية بحتة لا قانونية.

غادرنا قرية أم طوبا الهادئة التي يُقدّر مختارها أن مساحة أراضيها المزروعة بأشجار الزيتون بأكثر من 500 دونم لا يتمكن أصحابها من الوصول إلى بعضها، لأنها صودرت لصالح المستوطنات المجاورة.

وتقدر مساحة القرية وجارتها التوأم صور باهر بـ9471 دونما، وفقا لمؤلف كتاب “بلادنا فلسطين” مصطفى الدباغ، كما أن الاستيطان قضم أراضي هاتين القريتين من خلال شقّ الطرق الالتفافية وبناء المستوطنات، وإحاطتهما بالجدار العازل.

فأقيمت في الجهة الجنوبية من القريتين مستوطنة “هار حوماه” (جبل أبو غنيم)، وفي الجهة الغربية مستوطنة “رامات راحيل”، ومن الشمال مستوطنات “أرنونا” و”أرنونا الجديدة” و”تلبيوت” و”تلبيوت الشرقية”.

شاركها.
Exit mobile version