عند الحديث حول رحلات الفضاء، فإن ثمة مجموعة واسعة من محركات الصواريخ القادرة على تنفيذ مختلف المهام والرحلات الفضائية، فهناك المحركات التي تعمل بالوقود السائل، وأخرى بالوقود الصلب، كما أن هناك المحركات النووية الحرارية، وتختلف كفاءة المحرك عن الآخر، وفقا لنوع المهمة ومدتها.

إلا أن حلم اختراق الآفاق والهروب من المجموعة الشمسية إلى النجوم الأخرى في الكون بات أمرا يراود العلماء بين الفينة والأخرى، ولا يخفى على أحد أن الأمر صعب ومعقد للغاية باستخدام تقنيات محركات الصواريخ الحالية، وعليه، فثمة مقترحات لبدائل قد تكون من وحي الخيال في هذه الأثناء، لكن من الممكن أن تتوفر مستقبلا، لا سيما مع تكثيف الجهود على إيجادها.

ومن التقنيات المطروحة، وربما أهمها حتى اللحظة، هو استخدام المادة المضادة، التي تعمل عكس المادة العادية، أي أنها تتألف من جسيمات مضادة بالطريقة نفسها التي تتكون منها المادة العادية من جسيمات أولية ولكن بخصائص معاكسة، فعلى سبيل المثال يكون الإلكترون سالب الشحنة في المادة العادية وموجب الشحنة في المادة المضادة، ويسمى في هذه الحالة (البوزيترون).

ولحسن الحظ، فإن العلماء تمكنوا في وقت سابق من إيجاد هذه المادة المضادة المثيرة، لكن تطلب الأمر كميات هائلة من الطاقة لإنتاج كمية ضئيلة للغاية، عن طريق استخدام معجل مضاد البروتون في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن”، وخلصت التجربة إلى إنتاج حوالي 10 نانوغرامات سنويا بتكلفة عدة ملايين من الدولارات.

ويتطلب إنتاج غرام واحد من المادة المضادة حوالي 25 مليون كيلووات/ساعة من الطاقة، وهو ما يكفي لتزويد مدينة صغيرة بالطاقة لمدة عام، كما أنه سيكلف أكثر من 4 ملايين دولار بأسعار الكهرباء المتوسطة، مما يجعلها واحدة من أغلى المواد على وجه الأرض.

وفي البحث الذي أشرف عليه باحثون من جامعة الإمارات العربية المتحدة، فإنهم تناولوا بعناية السبل الممكنة لإمكانيات تطوير محرك فضائي باستخدام المادة المضادة، رغم صعوبة الأمر، في الدراسة التي نشرت مؤخرا في دورية “إنترناشونال جورنال أوف ثيرموفلويدز”.

 

تنتج المادة المضادة بشكل أساسي في مصادمات الجسيمات (بيكسابي)

المادة المضادة

اكتشفت المادة المضادة لأول مرة عام 1932 عندما لاحظ الفيزيائي كارل ديفيد أندرسون البوزيترونات -وهي الشكل المضاد للإلكترون- في الأشعة الكونية أثناء مرورها عبر جهاز خاص يسبب تكوّن سحب صغيرة تظهر مسارات الجسيمات، وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1936 تقديرا لاكتشافه، ثم استغرق الأمر 20 عاما حتى جرى إنتاجها بشكل صناعي لأول مرة.

ومنذ ذلك الحين، سعى العلماء إلى دراسة المادة المضادة بطرق متنوعة، وقد لاحظوا أن عند اجتماع جسيم ما بجسيم مضاد له، يحدث حينها أن يفني كل منهما الآخر، وينتج عن هذا مقدار من الطاقة. فعندما يتلامس بروتون المادة المضادة مع البروتونات أو النيوترونات في المادة العادية، تنطلق طاقة مدمجة، عادة على شكل أشعة غاما، وأيضا جسيمات عالية الطاقة قصيرة العمر، تعرف بالبَيُون والكَايُون، والتي تتحرك بسرعات نسبية.

وعليه، من الناحية النظرية، يمكن لمركبة فضائية تحتوي على كمية كافية من المادة المضادة أن تعتمد على هذا النمط من الانفجارات، والتدمير الذاتي، كوسيلة دفع مستعينة بأشعة غاما مصدرا للطاقة.

ووفقا للدراسة، فإن كمية الطاقة الكلية التي يطلقها واحد غرام من مضادات البروتونات عند تدميرها تساوي 1.8 × 10¹⁴ جول، أي أكثر بـ100 مرة من كثافة الطاقة في مفاعل الانشطار والاندماج النووي، وهي بطبيعة الحال أكثر بكثير من الطاقة الصادرة عن أقوى محركات الصواريخ الموجودة حاليا.

وتقترح الورقة البحثية أن الأمر ممكن نظريا، لكنه سيستغرق وقتا طويلا لتحقيقه، لا سيما أن الأبحاث العلمية حاليا تصب في صالح الذكاء الاصطناعي بفارق شاسع عن بقية المجالات، وإذا ما قورن بينهما فإن ثمة ألف ورقة بحثية تصدر سنويا في النماذج اللغوية الكبيرة، وهي أحد أشكال الخوارزميات التي تسهم في ازدهار الذكاء الاصطناعي، في حين هناك ما يقارب 100 ورقة بحثية سنويا تتناول المادة المضادة.

شاركها.
Exit mobile version