توقعت ميراف زونسزين كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية، أن يحدد الخلاف المحتدم بين أقصى اليمين الإسرائيلي وقادة الجيش مستقبل إسرائيل.

وكشفت في مقال بمجلة “فورين أفيرز” الأميركية أن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، كان قد حذر في رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته في أغسطس/آب الماضي، من أن الهجمات المكثفة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، والتي وصفها بـ”الإرهاب اليهودي”، تتحدى “الأمن القومي الإسرائيلي” وتشكل “وصمة عار كبيرة على اليهودية”.

واعتبرت أن هناك توجها لا يقتصر على “شبيبة التلال” -وهي مجموعة استيطانية صهيونية متطرفة- يهدف إلى الاعتداء ليس على الفلسطينيين في الضفة الغربية وحدهم، بل يستهدف أيضا قوات الأمن الإسرائيلية بدعم من كبار وزراء الحكومة.

شرعية المليشيات

وكتب بار في رسالته أن مليشيات المستوطنين لم تعد تتجنب الاشتباك مع قوات الأمن، لكن تهاجمها، وأضحت “تنأى بنفسها عن المؤسسة الأمنية، وتحصل على شرعية يضفيها عليها بعض المسؤولين في المؤسسة ذاتها”.

وعلى مدار العام الماضي، عمدت تل أبيب إلى التعتيم على الأحداث في الضفة الغربية؛ أولا بسبب الهجوم الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والآن بسبب تفاقم الحرب في لبنان والهجمات الإيرانية على الأراضي الإسرائيلية.

وأشارت زونسزين إلى أن مسؤولين في وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي حذروا من أن الضفة الغربية على وشك الانفجار الذي قد يتسبب في مقتل المئات من الإسرائيليين في حرب متعددة الجبهات تخوضها دولة الاحتلال في الوقت الراهن.

صراع حول الهوية

إن الطريقة التي تتصرف بها إسرائيل في الضفة الغربية -برأيه- تنذر بعواقب تتجاوز مصير الفلسطينيين، ذلك أن الخلاف بين المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأقصى اليمين الصاعد وحلفائه من المستوطنين، لا يتعلق باستخدام إسرائيل القوة في غزة، أو الامتناع عن احتلال الضفة الغربية، أو تقديم تنازلات للمساعدة في إيجاد حل للصراع المستمر منذ عقود، بل يدور حول أمن دولة إسرائيل “وهو صراع على هويتها بالنسبة لكثير من الإسرائيليين”.

وتعتقد المحللة في مجموعة الأزمات الدولية أن بإمكان إسرائيل أن تستجيب لتحذيرات المسؤولين عن أمنها -مثل بار- أو أن تستمر في الاسترشاد بمتطلبات أقصى اليمين. ومن شأن هذا الخيار الأخير أن يتسبب في إراقة المزيد من الدماء، الذي سيضر في نهاية المطاف بمكانة إسرائيل ودعم الغرب لها، كما سيؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية وحتى إلى اعتبارها دولة منبوذة، كما تقول الكاتبة.

صراع وجود

ووفقا للمقال، فإن العديد من الإسرائيليين، الذين ما انفكوا ينظرون إلى دولتهم على أنها علمانية وليبرالية وديمقراطية، يرون أن المعركة ضد أقصى اليمين “صراع وجود”، وله تداعيات على كل مستويات الحكم وعلاقات إسرائيل الخارجية. وستشكل هذه المعركة بشكل حاسم سياسة إسرائيل وأمنها في السنوات القادمة.

ويدق كبار مسؤولي الأمن في إسرائيل ناقوس الخطر، ويؤكدون أن قطاعات من اليمين السياسي الإسرائيلي “تعمل بشكل مباشر ضد مصالح البلاد”. ويوجهون أصابع الاتهام إلى وزير المالية القومي الديني، بتسلئيل سموتريتش -الذي يمثل حركة المستوطنين المتطرفين، والذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على الشؤون المدنية في الضفة الغربية من خلال منصب آخر في وزارة الدفاع- وإلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، “الذي أُدين عدة مرات بتهمة التحريض على العنصرية ودعمه لجماعة إرهابية يهودية”.

ووصف مسؤول استخباراتي إسرائيلي كبير سابق، الصدام المحتدم بين أقصى اليمين والمؤسسة الأمنية بأنه “غير مسبوق” ومتجذر يتجلى في محاولات نتنياهو البقاء في السلطة من خلال ربط نفسه بأقصى اليمين وإلقاء اللوم على الجيش وأجهزة الاستخبارات في أحداث طوفان الأقصى، بينما ينكر هو مسؤوليته عنها.

فجوة أساسية

ولا يزال نتنياهو، بعد مرور أكثر من عام على طوفان الأقصى، يرفض تشكيل لجنة مستقلة تابعة للدولة للتحقيق في تلك الأحداث. ولكن ما وراء الاتهامات المتبادلة، هناك فجوة أساسية بين من تسميهم زونسزين “الأيديولوجيين اليهود” العازمين على إضفاء الطابع الرسمي على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية من جهة، وبين قادة الأجهزة الأمنية المخضرمين المنخرطين بعمق في العمليات اليومية للحفاظ على أمن إسرائيل والتواصل مع نظرائهم الأميركيين من جهة أخرى.

وأوضحت أن أولئك القادة هم جزء من المؤسسة العسكرية التي كانت تقليديا متماهية مع النظام العلماني الليبرالي الديمقراطي في إسرائيل، وهم مصممون على الأقل على الظهور بمظهر من يلتزم بسيادة القانون، بينما أصبح الأيديولوجيون اليهود معادين للجيش.

بؤرة الاشتعال الرئيسية

وثمة محرك آخر للصدام بين المؤسسة الأمنية والحكومة، أو على الأقل عناصرها اليمينية المتطرفة، هو الوضع المتدهور في الحرم القدسي الشريف، الذي تدعي الكاتبة أنه بؤرة اشتعال رئيسية ومتكررة.

وقد أدانت مؤسسة الأمن تصرفات وزير الأمن القومي بن غفير، الذي يحث اليهود على الصلاة هناك، والتي تعدها زونسزين استفزازات خطيرة لا تثير غضب الفلسطينيين فحسب، بل تستفز الأردن والعالم الإسلامي العريض.

وخلصت محللة الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية إلى أن هذه الخلافات تحدث شرخا كبيرا في إسرائيل، وإذا خرج منها أقصى اليمين منتصرا، “كما هو مرجح على ما يبدو”، فإن إسرائيل ستواصل تجريد الفلسطينيين من مساحات واسعة من أراضيهم في الضفة الغربية، وبناء مزيد من المستوطنات فيها.

وقد ينذر انتصار المتطرفين بكارثة على إسرائيل، ذلك لأن ترسيخ ثقافة الفوضى وانعدام هيبة القانون لن يقود إلا إلى إضعاف آليات الديمقراطية الإسرائيلية التي تعاني أصلا من مشاكل، على حد تعبير زونسزين في ختام مقالها.

شاركها.
Exit mobile version