تشهد العلاقات بين أفغانستان وباكستان في المدة الأخيرة تدهورا غير مسبوق ينذر بتصعيد قد يهدد استقرار المنطقة، ويعكس هذا التدهور الذي تفاقم خلال الأسابيع الماضية تراكمًا طويل الأمد للتوترات التاريخية والسياسية والأمنية بين البلدين.

ومع بروز مؤشرات جديدة تضع العلاقات على حافة الهاوية، تطرح تساؤلات عن مآلات الأزمة بين الدولتين الجارتين وتداعياتها على الطرفين والمنطقة.

معبر طورخم تنقل عبره البضائع القادمة من ميناء كراتشي في باكستان (رويترز)

معبر طورخم الحدودي

يستمر إغلاق معبر طورخم، الشريان الاقتصادي الرئيس بين البلدين، منذ أكثر من 3 أسابيع مما تسبب في أزمة إنسانية واقتصادية.

وجاء الإغلاق في سياق توترات أمنية متصاعدة، وذلك يعكس إستراتيجية باكستان التقليدية في استخدام المعابر الحدودية أداة ضغط سياسي على كابل. ويمثل المعبر لأفغانستان، البلد المحاط باليابسة، أهمية حيوية للاستيراد والتصدير، وتوقفه يهدد بارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة معاناة السكان.

وتقول مفوضية الحكومة الأفغانية في طورخم إنه “في كل مرة يحاول الجانب الأفغاني إقامة منشآت على الأراضي الأفغانية، نواجه رد فعل من حرس الحدود الباكستانيين الذين يقومون بعد ذلك بإغلاق معبر طورخم”.

وتقول المصادر الباكستانية إن مشكلة إغلاق الحدود واندلاع الاشتباكات بين الطرفين نشأت عن تصاعد الخلافات حول ترسيم نقاط حدودية.

يُستخدم هذا الطريق لتنقل آلاف المواطنين الأفغان، وتنقل عبره البضائع القادمة من ميناء كراتشي في باكستان، ويُستخدم هذا الطريق أيضًا للتجارة ونقل البضائع بين باكستان ودول آسيا الوسطى.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤول أفغاني أنه بعد إغلاق الحدود، تقطعت السبل بنحو 5 آلاف شاحنة تحمل سلعًا تجارية، بما في ذلك الفواكه والخضراوات الطازجة والأغذية، على جانبي الحدود.

ووفق تصريحات لوزارة الصناعة والتجارة الأفغانية، فقد بلغ إجمالي التجارة بين أفغانستان وباكستان في عام 2024 نحو 2.5 مليار دولار، وأغلب هذا التبادل يتم عبر المنفذ الحدودي في طورخم.

وفي تطور يعتبر تصعيدا للتوتر الحدودي بين أفغانستان وباكستان، شهد معبر طورخم اشتباكات عنيفة بين القوات الأفغانية والباكستانية في الأيام الأخيرة، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى نزوح عشرات العائلات من المنطقة على طرفي الحدود.

وكتبت صحيفة داون الباكستانية في افتتاحيتها يوم 9 مارس/آذار الحالي “إن النزاع حول طورخم يحتاج إلى حل دائم، وكذلك كل الخلافات المتعلقة بالحدود الباكستانية الأفغانية، حتى لا تنقلب حياة الناس رأسًا على عقب بسبب الإغلاق والعنف كل بضعة أشهر”.

وأضافت أنه “يتعين على باكستان أن تعالج هذه القضية على مستويات أعلى مع سلطات طالبان، مع ترسيم الحدود بوضوح حتى لا تنشأ النزاعات”.

اغتيال الشيخ حامد الحق حقاني

أودى تفجير بتاريخ 28 فبراير/شباط الماضي، في جامع اكورة ختك بمقاطعة خيبر بختونخوا الباكستانية، بحياة الشيخ حامد الحق حقاني مدير دار العلوم الحقانية في باكستان، وهي المؤسسة التي تخرج فيها العديد من قادة حركة طالبان الذين يحملون لقب الحقاني في أسمائهم نسبة إلى المدرسة الحقانية.

وشكل هذا الحادث ضربة لحركة طالبان في أفغانستان، نظرًا للدور التاريخي لدار العلوم الحقانية كحاضنة أيديولوجية لحركة طالبان ودعمها بفتاوى فقهية وتزويدها بمقاتلين.

ويقول مصدر مطلع للجزيرة نت “إن اغتيال الشيخ حامد الحق، الذي كان يحمل إرث والده الشيخ سميع الحق المعروف بأبو طالبان، قد يُفسر على أنه محاولة لإضعاف الروابط بين طالبان الأفغانية وداعميها التقليديين في باكستان”.

جدير بالذكر أن مدرسة الحقانية أسست على يد والد مولوي سميع الحق، الشيخ عبد الحق، في سبتمبر/أيلول عام 1947، بعد شهر من إنشاء دولة باكستان وتتمتع بمكانة خاصة في الأوساط الدينية الباكستانية، وتُعرف أيضا بأنها محضن حركة طالبان لكون كثير من قيادات الحركة من خريجي هذه المدرسة.

ويأتي اغتيال حامد الحق في الوقت الذي تكافح فيه باكستان تجدد أعمال العنف المسلح، خاصة في مناطق حدودها الغربية في إقليم خيبر بختونخوا وإقليم بلوشستان المتاخمين لأفغانستان.

ومنذ عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في عام 2021، تصاعد النشاط المسلح داخل الأراضي الباكستانية، وفي العام الماضي سجلت باكستان أعلى عدد من الضحايا إذ قُتل أكثر من 1500 شخص من مدنيين وعناصر أمن ومسلحين، وفقًا لمركز البحوث والدراسات الأمنية ومقره إسلام آباد.

PAKISTAN-UNREST
مدنيون يتجمعون بالقرب من شاحنة مفخخة اقتحمت مجمعا عسكريا في منطقة بنو الباكستانية (الفرنسية)

اقتحام قاعدة عسكرية

في الخامس من مارس/آذار الجاري، شهدت منطقة بنو الباكستانية هجومًا نفذته حركة طالبان باكستان، بدأ بتفجير سيارة مفخخة تبعه اقتحام قاعدة عسكرية. وبحسب المعلومات الأولية، قُتل 12 شخصا، بينهم 4 أطفال، وأصيب 30 آخرون في هذا الهجوم.

ويعزز هذا الهجوم الرواية الباكستانية التي تتهم طالبان الأفغانية بتوفير ملاذ آمن لطالبان باكستان على أراضيها، وهو اتهام تنفيه كابل باستمرار، وتقول حكومة طالبان إن جذور انعدام الأمن في باكستان تكمن داخل أراضي البلاد نفسها.

ويضع التصعيد العسكري من جانب طالبان باكستان ضغوطًا إضافية على إسلام آباد التي تواجه تحديات أمنية داخلية متفاقمة.

حركة طالبان وجهت اتهامات صريحة للجيش الباكستاني (رويترز)

اتهامات طالبان للجيش الباكستاني

وفي سياق تبادل الاتهامات بين كابل وإسلام آباد بإيواء المجموعات المسلحة وحمايتها، وجه المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد لأول مرة اتهامًا صريحًا للجيش الباكستاني بإيواء مقاتلي تنظيم الدولة-خراسان وإرسالهم إلى أفغانستان.

وفي مقابلة مع قناة آريانا نيوز الأفغانية، قال مجاهد “إن مراكز وملاجئ داعش تقع في إقليم بلوشستان بباكستان والمجموعة تعمل بدعم من الجيش الباكستاني”، وأضاف “يجب أن تتوقف هذه العملية ويجب عدم استخدام تنظيم داعش لأغراض سياسية”.

وردا على اعتقال باكستان لمنفذ هجوم مطار كابل وتسليمه للولايات المتحدة، قال المتحدث باسم طالبان “إن هذا يشير إلى وجود ملاذات لتنظيم داعش على الأراضي الباكستانية”.

لكن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أعلن أن المخطط الرئيسي للهجوم على مطار كابل كان مواطنا أفغانيا قبض عليه في عملية بالقرب من الحدود الأفغانية الباكستانية.

ويرى المحللون أن تصريح المتحدث الرسمي باسم حكومة طالبان في كابل يمثل تحولًا كبيرًا في الخطاب الرسمي للحركة التي كانت تتجنب سابقًا المواجهة المباشرة مع إسلام آباد، وهو محاولة لقلب الطاولة على باكستان التي لطالما اتهمت طالبان بالمثل.

(الجزيرة)

دعم باكستان لمطالب ترامب

في محادثة هاتفية مع مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، أبدى إسحاق دار نائب رئيس الوزراء الباكستاني تأييده لمطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستعادة الأسلحة التي تركتها القوات الأميركية في أفغانستان عام 2021 والتي باتت بيد طالبان.

وأعربت وزارة الخارجية الباكستانية عن قلقها إزاء وجود المعدات الأميركية في أفغانستان تحت حكم طالبان، وقالت إنها تدعم أي جهود تبذلها الولايات المتحدة لسحب هذه الأسلحة.

وقال المتحدث باسم الوزارة، شفقت علي خان، للصحفيين في 6 مارس/آذار الجاري، إن استعادة المعدات الأميركية المتبقية من طالبان من شأنه أن يساعد في ضمان “الأمن الإقليمي”.

هذا التقارب بين إسلام آباد وواشنطن قد يُفسر كمحاولة باكستانية للضغط على طالبان عبر حشد الدعم الدولي، لكنه يثير استياء كابل التي ترى في ذلك تدخلًا في شؤونها الداخلية وتعتبر الأسلحة الأميركية غنائم حرب لا سبيل لإعادتها إلى الولايات المتحدة.

ويرى الباحث الأفغاني عبد الكريم حقمل أن دعم باكستان لمطالب ترامب يشير إلى محاولتها استغلال الضغط الأميركي لكبح جماح طالبان، لكن ذلك قد يدفع كابل إلى تعميق علاقاتها مع دول أخرى مثل روسيا والصين وإيران والهند.

مستقبل العلاقات

لطالما كانت العلاقات الأفغانية الباكستانية مشوبة بالتوتر بسبب الخلاف التاريخي حول الخط الحدودي، والدعم الباكستاني المزعوم لطالبان خلال عقود. ومنذ عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، كانت إسلام آباد تأمل أن تتحول طالبان إلى حليف إستراتيجي لكن الواقع أظهر عكس ذلك.

فبدلاً من السيطرة على حركة طالبان الباكستانية التي تشن هجمات متزايدة داخل باكستان، أصبحت طالبان الأفغانية مصدر إزعاج لإسلام آباد من وجهة نظرها.

وفي ضوء التطورات الأخيرة والتوترات غير المسبوقة بين باكستان وأفغانستان، يبدو أن العلاقة بين الجانبين تمر بمرحلة حرجة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الثنائية بناء على المؤشرات الحالية والمصالح المتضاربة للطرفين.

وإذا استمرت الاشتباكات الحدودية، وتعمقت الخلافات، قد تتجه العلاقة بين الطرفين نحو مزيد من التوتر والقطيعة التدريجية.

ووفق هذا السيناريو، قد تتخذ باكستان خطوات أكثر صرامة ضد طالبان، مثل دعم مجموعات معارضة لطالبان داخل أفغانستان، خاصة أن ثمة تقارير عن لقاءات تمت أخيرا بين قيادات أفغانية معارضة لحكم طالبان ومسؤولين باكستانيين.

ويقول مصدر ذو صلة بحركة طالبان للجزيرة نت إنه “إذا تمكنت طالبان من تثبيت حكمها داخليا وكسب دعم إقليمي أوسع، فقد نشهد تحول العلاقة إلى علاقة ندية، حيث لا تكون طالبان خاضعة للنفوذ الباكستاني كما كان الحال في السابق”.

فالعلاقات بين البلدين تواجه منعطفًا خطيرا تتداخل فيه الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية لتخلق أزمة متعددة الجوانب. فباكستان، التي كانت ترى في طالبان أداة لتعزيز نفوذها، تجد نفسها الآن أمام خصم محتمل، بينما تسعى طالبان لتثبيت حكمها وسط تحديات داخلية وخارجية.

ويعتمد مستقبل العلاقات بين البلدين على قدرة الطرفين على احتواء التصعيد والتوصل إلى تفاهمات، لكن الأحداث الحالية تشير إلى أن المنطقة قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.

شاركها.
Exit mobile version