واشنطن- استطاع الرئيس المنتخب دونالد ترامب النجاح بما فشل فيه الرئيس جو بايدن على مدى أشهر، منذ طرحه لرؤية صفقة تنهي القتال وتفرج عن المحتجزين في قطاع غزة، وبدا أن جهود بايدن قد اصطدمت برفض رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إتمام الصفقة لأسباب واهية ومصطنعة.
فبعد ما يقرب من 8 أشهر من إلقاء بايدن خطابا في البيت الأبيض في نهاية مايو/أيار الماضي، والذي حدد فيه شروط وقف إطلاق النار المقترح وصفقة إطلاق سراح المحتجزين بين إسرائيل وحركة حماس، تحدث بايدن مرة أخرى أمس الأربعاء من نفس مكان خطابه الأول، ليعلن أن الجانبين قد وافقا أخيرا على صفقته.
وخلال كلمته، قال بايدن “أخيرا، يمكنني أن أعلن وقف إطلاق النار، وأنه تم التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس” وأضاف “هذا هو اتفاق وقف إطلاق النار الذي قدمته في الربيع الماضي، واليوم، وافقت حماس وإسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب برمتها”.
وأثناء مغادرته المنصة، سأل أحد المراسلين بايدن عما إذا كان له أم لترامب الفضل بالتوصل إلى صفقة في النهاية، فاستدار بايدن وابتسم وقال “هل هذه مزحة؟” في إشارة إلى أنه بالطبع من يستحق الفضل على هذا الاتفاق.
ودفع ذلك إلى تركيز كثير من البرامج النقاشية التليفزيونية والتقارير الصحفية على نقاش حاد حول من يستحق الفضل على المستوى الأميركي بالتوصل لهذه الصفقة، كما دفع توقيت موافقة كل الأطراف على الصفقة، والتي جاء قبل 5 أيام فقط من بدء رئاسة ترامب، لإشعال هذا النقاش.
ضغط ترامب
كان الرئيس المنتخب ترامب قد سبق بايدن بأكثر من ساعتين على الأقل، إذ نشر على منصة “تروث سوشيال” معلنا التوصل لصفقة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، ونسب لنفسه الفضل في التوصل إلى الاتفاق.
وقال إن “هذا الاتفاق الملحمي لوقف إطلاق النار لم يكن ليحدث إلا نتيجة لانتصارنا التاريخي في انتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الذي أرسل إشارة للعالم بأسره بأن إدارتي ستسعى لتحقيق السلام والتفاوض على اتفاقيات تضمن سلامة جميع الأميركيين وحلفائنا”.
وجاءت أنباء التوصل لاتفاق خلال مناقشة أعضاء مجلس الشيوخ لترشح السيناتور ماركو روبيو وزير خارجية جديدا في إدارة ترامب المقبلة، وعلق روبيو على هذه الأنباء بالقول إن “عمل الإدارة المغادرة مع الإدارة القادمة، والتنسيق الكبير بينهما كفريق أميركي واحد، مكّن من التوصل للاتفاق، ودفع الأطراف لقبول الصفقة”.
وذكر عدد من الخبراء والمسؤولين السابقين والحاليين أنه على الرغم من أن الاتفاق هو نتاج شهور من المحادثات والمفاوضات على خطة بايدن ثلاثية المراحل، التي سبق له تقديمها في مايو الماضي، فإن وصول ترامب للحكم وبدء حكمه يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري كان بمثابة موعد نهائي غير رسمي للتوصل للاتفاق.
ويقول أنصار ترامب إن الرئيس القادم هو الذي عزز احتمالات التوصل للصفقة، خاصة بعدما قال في الثاني من ديسمبر/كانون الأول إن “هناك جحيما سيأتي على المنطقة إذا لم تفرج حماس عن الرهائن المتبقين بحلول يوم التنصيب”، في حين يكرر أنصار بايدن أن الاتفاق استند إلى إطار عمل حدده رئيسهم في مايو/أيار الماضي، وسعى إليه هو ومساعدوه لتنفيذه منذ شهور.
تردد بايدن
يرى فريق بايدن أن ما يعتبرونه “هزيمة” لمحور المقاومة، ممثلا في “هزيمة حزب الله، ووقف إطلاق النار في لبنان، وعزلة حماس بعد خروج إيران من سوريا”، دفع حماس للتراجع واضطرارها لقبول الصفقة.
بيد أنه، وعلى مدى الشهور السابقة، فشل بايدن في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي لقبول الصفقة وخشي الضغط على إسرائيل، سواء بمهاجمتها علنا أو بالاعتراف برفض نتنياهو لبنود الصفقة، خاصة فيما يتعلق بهدفه بـ”القضاء على حركة حماس” منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ثم دخلت معادلة الانتخابات الرئاسية -التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- ضمن حسابات بادين في عدم الضغط على نتنياهو، بل التماهي في تقديم الدعم المالي والتسليحي والدبلوماسي والسياسي لكل ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة من جرائم، وصلت لحد الإبادة الجماعية، كما أكدت المحكمة الجنائية الدولية.
وتجنب بايدن الضغط على نتنياهو باستخدام عنصر التهديد بوقف مد إسرائيل بما تحتاجه من أسلحة وذخائر وقنابل أميركية، وعندما أدركت إسرائيل تردد بايدن ورفضه الضغط عليها، تمادت في عدوانها وتجاهلت مبادرته.
من جانبه، استغل نتنياهو الخلافات الشكلية مع إدارة بايدن لدفع أغلبية أعضاء الكونغرس من الحزبين للوقوف إلى جانب إسرائيل وتجاهل مبادرة بايدن، ومثلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للكونغرس في يوليو/تموز الماضي، حيث ألقى خطابا عدوانيا في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ وتجاهل مبادرة بايدن، صفعة لإدارة الرئيس الأميركي الذي تجاهل الحدث وتداعياته.
وعلى مدى العام الماضي، تجاهل نتنياهو كل الخطوط الحمراء التي وضعها بايدن أمام قيام إسرائيل بعدوانها، سواء ما تعلق بمهاجمة المستشفيات والمدارس في قطاع غزة، أومهاجمة المنظمات الدولية، وعرقلة دخول المساعدات، واجتياح مدينة رفح، وتدمير المعابر.
الإدارة الجديدة
يقول خبراء إن تدخل الرئيس المنتخب دونالد ترامب الأخير كان حاسما، وإن انتخابه كان بمثابة “تغيير لقواعد اللعبة”، واعترف عدد من مسؤولي إدارة بايدن -دون ذكر أسمائهم- لصحيفة “واشنطن بوست” بأن الأمر استدعى تدخل ترامب في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، لإبرام الصفقة وإجبار حماس على إطلاق سراح المحتجزين، وإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار، بعد 15 شهرا من الحرب.
وأكد هؤلاء أن تنصيب ترامب الوشيك، إلى جانب جهود مبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، هو الذي حلحل المشكلة التي كانت مستعصية على الحل بالنسبة للرئيس بايدن وفريقه، وهي رفض نتنياهو الصفقة وإصراره على تدمير حماس بالكامل، حيث أشارت تقارير إلى تمكن ويتكوف من الضغط على نتنياهو لقبول الصفقة والتحرك بسرعة.
ويرى مبعوث عملية السلام السابق للشرق الأوسط دينيس روس أن “نتنياهو لا يشعر بأنه يستطيع الوقوف ضد ترامب، مما يمنح الرئيس القادم نفوذا في العلاقة في بداية ولايته الثانية”، وأشار روس في حديثه لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن الإدارتين عملتا معا خلال الأسابيع الأخيرة.
في حين قال مايكل والتز مستشار الأمن القومي الجديد للرئيس ترامب لقناة “فوكس نيوز”، أمس الأربعاء، إن حماس وافقت على الصفقة لأنهم “صدّقوا الرئيس ترامب عندما قال إنه سيكون هناك جحيم، وأن أي صفقة كانت ستطرح على الطاولة بعد ذلك ستكون أسوأ من المعروض حاليا”.