يواجه الدولار الأميركي، إلى جانب الأصول المالية الأخرى في الولايات المتحدة، ضغوطا متزايدة قد تؤدي إلى موجات بيع جديدة، على خلفية مخاوف متصاعدة من تآكل مصداقية المؤسسات الاقتصادية الأميركية، بحسب ما حذر منه محللون وإستراتيجيون اقتصاديون تحدثوا لوكالة “بلومبيرغ”.
يأتي ذلك عقب استقالة عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفدرالي أدريانا كوغلر يوم الجمعة الماضي، مما يمنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرصة لتعيين بديل لها، في وقت حساس من دورة السياسة النقدية الأميركية، وهو ما يهدد بتقليص نفوذ رئيس البنك المركزي جيروم باول.
وتزداد المخاوف بعد أن أقال ترامب الأسبوع الماضي أيضا رئيسة مكتب إحصاءات العمل، إريكا ماكنتارفر، وهي الخطوة التي يرى فيها المستثمرون تهديدا مباشرا لاستقلالية البيانات الاقتصادية الأميركية، ما يزيد من حالة الشك المحيطة بمستقبل السياسة النقدية، ويضعف الثقة بالدولار والأصول المرتبطة به.
وقال روبرت بيرغكفيست، كبير الاقتصاديين في بنك “سيب” في ستوكهولم: “للأسف، نحن نشهد محاولات جدية جديدة لتركيز السلطة أكثر فأكثر في يد البيت الأبيض”، مضيفا: “كل هذا يبرر رفع علاوة المخاطر على الأصول الأميركية”.
انخفاض الدولار وتوقعات بتيسير السياسة النقدية
ورغم تسجيل الدولار انتعاشا طفيفا مطلع الأسبوع الماضي، فإنه هبط بشكل حاد يوم الجمعة مقابل جميع عملات مجموعة العشر، إثر صدور تقرير ضعيف للوظائف جاء دون التوقعات، ما دفع الأسواق إلى ترجيح خفض محتمل في أسعار الفائدة خلال شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
ووفقا لبيانات منصة بلومبيرغ، فقد تراجع مقياس قوة الدولار الشاملة بنحو 8% منذ بداية العام.
وقال إلياس حداد، إستراتيجي في بنك “براون براذرز هاريمان” في لندن: “مصداقية صنع السياسة في أميركا أصبحت مهددة بشكل متزايد”، مضيفا أن مساعي ترامب للضغط على باول وزملائه لتسريع خفض الفائدة “تقوض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي”، فيما “تُضعف إقالة ماكنتارفر ثقة الأسواق بسلامة البيانات الاقتصادية الأميركية”.
“رئيس ظل” للفدرالي؟
وبحسب تقرير بلومبيرغ، فإن استقالة كوغلر قد تسرع من توقيت تعيين رئيس جديد للفدرالي، إذ من المرجح أن يُعين ترامب بديلا ذا توجهات تيسيرية يمكنه أن يخلف باول فور انتهاء ولايته في مايو/أيار المقبل. هذا السيناريو قد يؤدي إلى بروز ما يُعرف بـ”رئيس الظل”، أي أن السوق يبدأ في الاستماع لتوجيهات مرشح ترامب أكثر من باول نفسه، على أساس أنه الحاكم المقبل فعليا.
وفي تحليل داخلي لبلومبيرغ، قال المحلل الإستراتيجي مارك كودمور “لا توجد طريقة إيجابية لتفسير قرار ترامب بإقالة رئيسة مكتب الإحصاءات. إما أن البيانات السابقة كانت مشوهة كما يدعي، أو أن البيانات كانت موثوقة حتى الآن، وأصبحت الآن عرضة للتسييس. في الحالتين، باتت البيانات المستقبلية مشكوكا فيها ويجب أن تُحمل علاوة مخاطر أكبر”.
المرشحون المحتملون لقيادة الفدرالي
وأشار ديريك هالبني، رئيس قسم أبحاث الأسواق العالمية في بنك “إم يو إف جي” بلندن، إلى أن مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت سيكون “أسوأ اختيار ممكن للدولار الأميركي” نظرا لقربه الشديد من ترامب. كما أن اختيار وزير الخزانة الحالي سكوت بيسنت سيكون سلبيا أيضا وإن بدرجة أقل، بسبب علاقاته الوثيقة مع الرئيس.
أما المرشحون الذين قد يلقى تعيينهم ارتياحا نسبيا في الأسواق فهم الحاكم السابق كيفن وورش، والحاكمان الحاليان كريستوفر والر وميشيل بومان، لما يتمتعون به من خبرة داخل النظام الفدرالي.
وقال هالبني “طالما لم يتم الإعلان عن المرشح المقبل، فإن الإقبال على شراء الدولار سيبقى محدودا”، مضيفا أن الدولار بالكاد تغير يوم الاثنين بعد خسائره القوية يوم الجمعة.
تأثير مزدوج على تمويل العجز الأميركي
وفي تحذير من بنك “دويتشه” بقيادة الخبير جيم ريد، جاء أن “استبدال كل من عضو مجلس الفدرالي ورئيسة مكتب الإحصاءات قد يؤثر سلبا على سهولة تمويل العجزين التوأمين لأميركا (الميزانية والحساب الجاري)”، مضيفا أن هذا قد يعيق تعافي السندات طويلة الأجل “ما لم يحدث تباطؤ اقتصادي كبير”.
ووفقا لما صرح به ترامب يوم الأحد، فإنه يعتزم الإعلان عن مرشحيه لخلافة كوغلر وماكنتارفر خلال الأيام المقبلة، وهو ما قد يكون لحظة مفصلية في مسار العلاقة بين الرئاسة والمؤسسات الاقتصادية الأميركية.