يجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه الآن محاصرا بين مبادئ سياسته الخارجية “أميركا أولا” والتداعيات السياسية للهجوم الإسرائيلي الكبير على إيران، وفقا لراشيل بايد رئيسة مكتب موقع بوليتيكو الإخباري بواشنطن.
وحسب بايد، فإن ترامب -الذي خاض حملته الانتخابية وفاز بالرئاسة على وعد بإنهاء “حروب أميركا الأبدية”- يواجه الآن احتمال الانجرار إلى صراع جديد في الشرق الأوسط، ليس بقراره الخاص، بل بسبب تصرفات إسرائيل الجريئة والأحادية الجانب.
ووفقا للكاتبة، فإن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية يهدد بتوريط الولايات المتحدة عسكريا، بغض النظر عن إصرار الإدارة علنا على عدم ضلوعها فيه، وهو ما يثير حنق قاعدة ترامب المؤيدة لشعاره “لنجعل أميركا عظيمة مجددا” -المعروفة اختصارا بــ”ماغا”- وهي المرتابة بشدة أصلا من حالات التورط الخارجي لواشنطن والمعارضة منذ فترة طويلة لتدخل الولايات المتحدة في حروب الشرق الأوسط.
وأشارت الكاتبة إلى أن أصواتا بارزة داخل هذه الحركة -ومن بينها ساغار إنجيتي وتشارلي كيرك- حذرت، منذ الساعات الأولى التي تلت الضربة، من أنها قد تنتهك وعد ترامب الأساسي في حملته الانتخابية وقد تؤدي إلى عواقب سياسية وخيمة قبل انتخابات التجديد النصفي.
ووفقا لموقع بوليتيكو، أمضى قادة هذه الحركة “أياما وهم يتوسلون إلى ترامب لمنع إسرائيل من شن الضربة”، معتبرين إياها استفزازا قد يُخرب محادثات السلام المخطط لها مع إيران، ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان ترامب غير قادر أو غير راغب في إيقاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويرسم كلا الاحتمالين، وفقا للكاتبة، صورة مقلقة: فإما أن ترامب يفتقر إلى النفوذ الكافي لكبح جماح أقرب حليف لأميركا أو أنه وافق ضمنيا على الخطوة ضد رغبات قاعدته السياسية، وهو ادعاء تنفيه إدارته.
وقد دفعت هذه الحادثة شخصيات من حركة ماغا إلى التشكيك علنا في توجه السياسة الخارجية للإدارة، فعلى سبيل المثال، تقول الكاتبة، وصف إنجيتي الضربة بأنها “تخريب متعمد” يهدف إلى إجبار الولايات المتحدة على الدخول في الحرب. وأشار كيرك إلى أن هذه الخطوة ستثير اضطرابات داخلية بسبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، لا سيما في ضوء التساؤلات التي تلوح في الأفق حول المساعدات العسكرية لتل أبيب والعواقب المحتملة على أسعار الغاز والاقتصاد.
وتؤكد بايد أن ترامب يواجه الآن خيارين أحلاهما مر: فإما السماح لإسرائيل بتحمل عبء الرد الإيراني بمفردها، أو أن يتدخل عسكريا ويخاطر بدفع الولايات المتحدة إلى صراع ممتد آخر، ويجادل معلقون مؤيدون لماغا، مثل مات بويل، بأن ما سيفعله ترامب لاحقا قد يحدد معالم رئاسته، لا سيما في محاولته الموازنة بين الولاء لإسرائيل والأولويات الانعزالية لقاعدته السياسية.
وحسب الكاتبة، فإن هذه الردود أجبرت ترامب على مضاعفة جهوده الدبلوماسية علنا، إذ أعلن -عبر حسابه على موقعه تروث سوشيال- التزامه بالتوصل إلى حل سلمي مع إيران، مؤكدا أن إدارته تلقت توجيهات بمواصلة المفاوضات، لكن سرعان ما طغى على هذا الإعلان غموض، إذ شنت إسرائيل هجومها بعد ساعات قليلة منه.
في نهاية المطاف، يرسم مقال بايد صورة لرئيس مُحاصر بحلفائه، وضغوط داخلية، وزخم جيوسياسيّ لم يعد قادرا على السيطرة عليه بالكامل، فمصداقية ترامب مع ماغا وربما جدوى عقيدته في السياسة الخارجية أصبحت الآن على المحك.