يفسر “تأثير فلورانس نايتينغل” وقوع بعض مقدمي الرعاية الصحية أو الاجتماعية في حب الشخص الذي يرعونه، سواء كان مريضا، أو مشردا، أو معاقا، أو غير ذلك. وقد اتخذ هذا التأثير اسمه من رائدة التمريض الحديث فلورانس نايتينغل.

لكن هل وقعت السيدة التي لقبت بـ”سيدة المصباح” في حب أحد من مرضاها فعلا؟ ربما تلك هي المفاجأة بشأن التأثير النفسي الشهير.

ما هو تأثير “فلورانس نايتينغل”؟

في روايته الشهيرة “المريضة الصامتة” قام أليكس ميخائيليدس، ببناء حبكة قصته عند تلك اللحظة التي يقع فيها الطبيب النفسي ثيودور فويتشن في حب آليس، السيدة الي تم العثور عليها إلى جوار جثة زوجها، والتي تظل منذ لحظة العثور عليها صامتة بصورة مرضية.

يوكل إلى ثيودور علاجها ومحاولة فهم ما جرى معها، لكنه يقع في حبها سريعا، فيصير سعيه المحموم لفهم أسباب صمتها، ليس لدوافع مهنية طبية فحسب، بل لدوافع عاطفية أيضا.

لم يصف ميخائيليدس في روايته الشهيرة المسمى الحقيقي لتلك العلاقة غير المهنية، لكنها في الواقع تحمل اسم “تأثير فلورانس نايتينغل” والذي يشير إلى وقوع مقدم الرعاية الطبية أو الصحية في حب الشخص الذي يرعاه حتى يستعيد صحته، وهو عكس “متلازمة ستوكهولم”، التي يقع فيها الأسير في حب آسره.

في أواخر القرن الـ19 لاحظ علماء النفس ديناميكية تحدث بانتظام تتضمن نشوء مشاعر عميقة وواسعة من مقدمي الرعاية لمن هم تحت رعايتهم، خاصة إن كانت الرعاية تتم بصدق وتعاطف كبيرين. لكن المفاجأة أن هذا الانجذاب يميل إلى الاختفاء بمجرد تحسن حالة المريض، مما يشير إلى أن التعلق المذكور لا يكون بسبب شخصية المريض أو جاذبيته، خاصة وأن الشخص محل الرعاية عادة ما يكون في حالة صحية أو ذهنية أو حتى نفسية غير طبيعية، وإنما بسبب حالة التعاطف التي تجمع مقدم الرعاية بالشخص الواقع تحت رعايته.

ولا يتعلق الأمر بمشاعر عاطفية وحسب، حيث تذهب مزيد من الأبحاث العلمية إلى تفاصيل أبعد بشأن تأثير “فلورانس نايتينغل” على مقدمي الرعاية، كتلك الدراسة المنشورة عام 2016 بعنوان “التعب والإرهاق الناجم عن التعاطف والرضا عن التعاطف” حيث تشير أطروحة الماجستير المقدمة إلى كلية سميث من الباحث جوشوا بيبي، إلى أن التعاطف الشديد من جانب موظفي القوى العاملة الذين يتوجب عليهم التعامل مع المشردين، يقلل لديهم مستويات الإرهاق والإجهاد، والتي وصفتها الدراسة بـ”المتوسطة” مقارنة بحجم الجهد المبذول.

تساعد الحدود المهنية الواضحة في حفاظ مقدم الرعاية الصحية على اتصال آمن وموثوق وأخلاقي مع المريض (غيتي)

نتيجة مشابهة خلصت إليها دراسة أخرى أعدت حول تأثير فلورنس نايتينغل على العاملين في قطاع العناية بالمشردين، بجامعة كويزلاند، حيث خلص باحثون إلى أن المعاناة التي يعيشها المشردون تخلق حالة سموها “تماهيا تنظيميا” بين العاملين في مجال العناية بالمشردين، والمشردين أنفسهم، كان من بين نتائجه ارتفاع مستوى الرضا الوظيفي وانخفاض مستوى الإرهاق لدى المتعاطفين مع الحالات، مع وجود علاقة طردية، فكلما زاد التماهي مع الحالات وإدرام حجم المعاناة التي تعيشها، انخفض مستوى الإرهاق الوظيفي.

السر الغريب وراء الاسم

يعود اسم “فلورنس نايتينغل” إلى أحد أشهر الممرضات على مستوى العالم تاريخيا، فنايتينغل التي ولدت عام 1820 كانت سيدة أرستقراطية بريطانية لكنها كانت تتميز بتعاطف كبير وشديد مع المرضى، وقد صادف أن صارت في الخطوط الأمامية لحرب القرم في خمسينيات القرن الـ19، شعرت وقتها بالصدمة الشديدة للقذارة وانتشار الأمراض وغياب رعاية المسنين، وأعداد الوفيات الناجمة عن غياب أبسط أساليب مكافحة العدوى، لكنها لم تستسلم للقذارة من حولها، وإنما بدأت العمل فورا على إصلاحات واسعة النطاق في الجيش البريطاني، خاصة مع انتشار الكوليرا تضمنت:

  • التخلص الصحي من النفايات.
  • توفير المياه النظيفة.
  • مكافحة العدوى.
  • وضع قواعد للنظافة والتطهير قبل التعامل مع المرضى وبعده.
  • إنشاء شبكة من المستشفيات الميدانية في شبه جزيرة القرم لعلاج المصابين.

ورغم أن فلورنس نايتينغل لم تتزوج في حياتها، خشية أن يؤثر الارتباط على عملها، فإن اسمها التصق بذلك التأثير النفسي بسبب ما اشتهرت به من تعاطف واسع مع مرضاها.

من يحكم العواطف؟

قد يصعب إلقاء اللوم على الناس بسبب مشاعرهم، إذ تشير دراسة أعدت بكلية ملبورن للعلوم النفسية إلى أنه لا يمكن نزع الصفة الإنسانية عن العاملين في مجالات الرعاية. لكن السؤال يبقى: هل يعني الوقوع في حب الشخص محل الرعاية خروجا على القواعد المهنية والاحترافية؟.

بحسب دليل إدارة الخدمات الاجتماعية والصحية بواشنطن، فإن على مقدم الرعاية اتباع السلوك المهني والتزام الحدود، خاصة إن كانت الرعاية المقدمة منزلية تعتمد فيها نوعية حياة العملاء على مدى حرص مقدم الرعاية وضميره في أداء وظيفته.

يُنصح مقدم الرعاية باتباع سلوك مهني والتزام الحدود خاصة إن كانت الرعاية المقدمة منزلية (غيتي)

والمقصود بالحدود المهنية هنا حدود علاقة مقدم الرعاية مع العميل، والتي يجب أن تظل احترافية، فلا تتضمن صداقة أو غير ذلك، حيث يؤدي التجاوز -بحسب الدليل- مع الشخص محل الرعاية إلى مواقف غير مريحة أو خطيرة.

كما تساعد الحدود المهنية الواضحة في الحفاظ على اتصال آمن وموثوق وأخلاقي مع العميل، خاصة إذا كان مقدم الرعاية يقدم الدعم لعدة أشخاص، في هذه الحالة تساعد الحدود المهنية على معاملة الجميع على قدم المساواة وتجنب المحسوبية.

ويشير الدليل إلى مجموعة من الأمور التي تسهم في تخطي مقدم الرعاية لحدوده المهنية، والتي يمكن اعتبارها إشارات إلى أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، أهمها:

  • قضاء وقت الفراغ مع متلقي الخدمة.
  • مشاركة المعلومات الشخصية أو شكاوى العمل معه.
  • إيلاء اهتمام خاص لشخص محل رعاية دون آخر.
  • الاحتفاظ بالأسرار مع متلقي الرعاية.
  • أخذ الهدايا أو المال منه.
  • الحديث عن المشاكل الشخصية معه.
  • اقتراض الأموال أو إقراضها له أو لأسرته.
  • استخدام ممتلكات العميل مثل الهاتف أو السيارة للاستخدام الشخصي.
  • الثرثرة في أمور لا علاقة لها بالخدمة المقدمة.

وتنصح إدارة الخدمات الصحية والاجتماعية في واشنطن، بالحفاظ على الحدود المهنية عبر مجموعة من الممارسات، أهمها:

  • التساؤل المستمر عما إذا كانت الكلمات والأفعال احترافية ومناسبة أو لا.
  • تعديل السلوك فورا إذا تمت ملاحظة معاملة أحد متلقي الرعاية بشكل شخصي أو يتضمن أيا من محاذير تخطي الحدود.
  • الحفاظ على مسافة جسدية وعاطفية صحية كافية بين مقدم الرعاية والعميل.
شاركها.
Exit mobile version