واشنطن- تمثل الكلمات التي قالها الرئيس دونالد ترامب على منصته “تروث سوشيال” ووصفه الإفراج عن الجندي الإسرائيلي-الأميركي عيدان ألكسندر بأنه “خطوة تم اتخاذها بحسن نية” لوضع حد للحرب، آخر ما كان ينتظره أو يتطلع إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية.
وفي الوقت نفسه الذي تحركت فيه الطائرة الرئاسية الأميركية باتجاه الشرق الأوسط في أول زيارة خارجية لترامب، كانت حركة حماس قد أفرجت عن آخر الأميركيين من مزدوجي الجنسية الإسرائيليين المحتجزين لديها، كخطوة تدل على حُسن نيتها وجديتها في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، والإفراج عن بقية المحتجزين.
كما ذكر بيان لحماس أنها تجري محادثات مع الولايات المتحدة، وأن الإفراج يأتي في إطار جهود وقف إطلاق النار لفتح المعابر الحدودية، وإدخال المساعدات إلى غزة. وتمنع إسرائيل إدخال جميع المساعدات بما في ذلك الغذاء والإمدادات الطبية لأكثر من 10 أسابيع، للضغط على حماس للإفراج عن المزيد من المحتجزين، وهو ما تسبب في تفشي الجوع في القطاع.
وجاءت هذه التطورات في وقت عبّر فيه أنصار إسرائيل داخل الدوائر الأميركية المختلفة عن مخاوف من مَغَبّة إقدام إدارة ترامب على التحرك بانفراد بالتعامل مع قضايا المنطقة دون التنسيق المسبق معها.
طبيعة ترامب المختلفة
جاء الرئيس ترامب من خارج مؤسسات الحكم الأميركية التقليدية، وهو رجل أعمال لا يؤمن كثيرا بتعقيدات الحسابات الجيوستراتيجية التقليدية، مما ضاعف المخاوف داخل إسرائيل من مواقفه، رغم احتفائها حكومة وشعبا بوصوله للبيت الأبيض.
كما سبق وأن أشاد نتنياهو بإعادة انتخاب ترامب، ووصفها بأنها “أعظم عودة في التاريخ”، وأشاد المسؤولون الإسرائيليون بالرئيس الجديد لتقديمه ذخائر ثقيلة للجيش الإسرائيلي كان الرئيس السابق جو بايدن قد أوقف شحنها، إضافة لطرحه فكرة تهجير أهل غزة لخارج القطاع، وفي الوقت نفسه لم يضغط على نتنياهو للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
بَيد أن ترامب قام بتهميش نتنياهو بشكل متزايد، مما أثار القلق في حكومة اعتادت منذ فترة طويلة على أن تتشاور معها الإدارات الأميركية المتعاقبة في كل خطواتها بالمنطقة.
ويرى معلقون أن إدارة ترامب قررت السير منفردة وتجاهل الجانب الإسرائيلي، الذي بدا معرقلا لجهود التفاوض حول الملف النووي مع إيران، والاتفاق بشكل منفرد مع جماعة الحوثيين على وقف استهداف السفن الأميركية، وتجاهلت شأن السفن الإسرائيلية.
وفي ما يتعلق بالمحادثات النووية الأميركية مع إيران، التي أنهت جولتها الرابعة، تبعث إدارة ترامب برسائل متباينة حول مدى قدرة إيران على الحفاظ على بعض الإمكانية لتخصيب اليورانيوم.
واعتبر دينيس روس، المسؤول السابق بعدة إدارات أميركية، والخبير بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن ترامب يحدد طبيعة مصالح أميركا في الخارج ليس من خلال سياق جيوسياسي أو أمني، ولكن من خلال إطار اقتصادي ومالي وتجاري.
وأوضح “أعتقد أن الرئيس ترامب قد يكون لديه وجهة نظر مفادها أننا نمنح إسرائيل 4 مليارات دولار سنويا كمساعدات عسكرية، وأنه فعل الكثير لدعم الإسرائيليين”.
من جانبه، هاجم روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والمعروف بقربه من منظمة “أيباك”، كبرى منظمات اللوبي اليهودي الأميركية، تحرك إدارة ترامب المنفرد، وغرد على منصة “إكس” قائلا “يجب على جميع الأميركيين أن يفرحوا بالإفراج المأمول عن عيدان ألكسندر، الذي عانى من عذاب لا يمكن تصوره. في الوقت نفسه، يجب أن نكون حذرين من مناورة حماس لدق إسفين بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي تحقيق بعض الانتصارات السياسية لهجمات 7 أكتوبر”.
نمط علاقات جديد
على مدى عقود من الزمن، وعند اشتباك الرؤساء الأميركيين -من الجمهوري جورج بوش الأب إلى الديمقراطي باراك أوباما– مع إسرائيل، حول مسائل تتراوح من سياسة الاستيطان في الضفة الغربية إلى الإستراتيجية تجاه إيران، كانت إسرائيل تعتمد على مؤيديها في الكونغرس بالرد والضغط على البيت الأبيض.
وبينما يخشى جمهوريو الكونغرس من مهاجمة ترامب أو الاعتراض العلني على ما يقوم به، تزداد قوة تيار “ماغا أميركا أولا” بين الأعضاء الجمهوريين، والذي لا يربط بالضرورة مصالح واشنطن بمصالح إسرائيل في كل القضايا.
وجاء الإفراج عن عيدان ألكسندر ليكشف عن كيفية تأمين الجهود الأميركية إطلاق سراح رهائن، ليس فقط دون موافقة إسرائيلية، بل مع إطلاع إسرائيل على ذلك فقط بعد انتهاء المفاوضات.
ويخشى الجانب الإسرائيلي من إصدار ترامب قرارا يجبر فيه إسرائيل على القيام بشيء لا تريده، خاصة مع استعداد إدارته لعدم التنسيق بشكل كامل مع إسرائيل فيما يتعلق بتواصلها المباشر مع حركة حماس.
في الوقت ذاته، أشارت تقارير لقول مسؤول في حركة حماس إن “الكرة الآن في الملعب الأميركي والإسرائيلي، أعطينا الأميركيين ما طلبوه، إنهم بحاجة لإقناع الطرف الآخر بإعطاء بعض الأشياء أيضا”.
وضع استثنائي
لكن إسرائيل بالمقابل تنفي ضرورة تقديم تنازلات مقابل إطلاق سراح المحتجزين، وقال بيان صادر عن مكتب نتنياهو اليوم إن “عودة ألكسندر دون أي مقابل تأتي بفضل دبلوماسية الرئيس ترامب، وضغط الجيش الإسرائيلي في غزة”.
وقال البيان إن إسرائيل لم توافق على وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح ألكسندر، ولا يزال هناك 58 محتجزا في غزة، يعتقد أن أكثر من نصفهم قد لقوا حتفهم.
وغرد الدبلوماسي السابق آرون ديفيد ميلر الخبير حاليا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولية، على منصة “إكس” قائلا إن “هناك نمطا جديدا قيد التشكيل”، ووضح أن كلا من “تواصل ترامب مع حماس مرتين، ووقف إطلاق النار مع الحوثيين، والمفاوضات مع إيران، كلها أعمال غير منسقة مع إسرائيل”.
وأضاف “باستثناء فترة حكم جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر، فقد نسقت جميع إدارات الجمهوريين والديمقراطيين السابقة بشكل وثيق مع إسرائيل، لكن ما نراه اليوم استثنائي”.
في حين اعتبر تاريتا بارسي نائب رئيس معهد كوينسي بواشنطن أن ترامب قد استخدم النفوذ الأميركي واستسلم نتنياهو، وقال على منصة “إكس” أيضا “يجب على ترامب الآن أن يحافظ على هذا الضغط، وأن يتجنب الخطأ الذي سمح لنتنياهو بخرق وقف إطلاق النار في المقام الأول”، وأضاف “لقد كان بإمكان بايدن أن يفعل ذلك طوال الوقت لكنه اختار عدم القيام بذلك”.