الخرطوم- بعد أكثر من 4 أشهر من وعده بتشكيل حكومة طوارئ لإدارة السودان خلال مرحلة الحرب، أجرى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تعديلا وزاريا محدودا، رأى مراقبون أنه لا يحمل سوى إشارات لمخاطبة مطالب شرق السودان والاهتمام بالدبلوماسية والإعلام.

ومنذ حل البرهان مجلسي السيادة والحكومة وفرض حالة الطوارئ في أكتوبر/تشرين الأول 2021، واستقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لاحقا، كلف رئيس مجلس السيادة في يناير/كانون الثاني 2022 حكومة غالب وزرائها من وكلاء الوزارات، بينما احتفظ وزراء الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق بوزاراتهم.

واستدعى البرهان في نهاية يونيو/حزيران الماضي قيادات سياسية مساندة للجيش إلى بورتسودان وأبلغها عزمه تسمية رئيس وزراء، وتكليفه بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة بسلطات كاملة لإدارة البلاد إلى حين عقد مؤتمر حوار سوداني-سوداني للتوافق على مرحلة ما بعد الحرب.

وفي وقت سابق، هدّد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بتشكيل حكومة موازية بالخرطوم، وقال في تسجيل إن قيام البرهان بتشكيل حكومة مقرها بورتسودان يعني الاتجاه نحو سيناريوهات حدثت في دول أخرى، بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد.

علي يوسف الشريف وزير الخارجية السوداني الجديد (الصحافة السودانية)

استجابة لمطالب الشرق

خلال لقائه مع صحفيين في منتصف أغسطس/آب الماضي حضرته الجزيرة نت، قال مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة، إن البرهان كلف قوى الميثاق الوطني المساندة للجيش بترشيح رئيس وزراء وبرنامج لحكومته وأمهلهم حتى 21 يوليو/تموز الماضي لكنهم غادروا بورتسودان ولم يعودوا.

وعزا تأخير تشكيل الحكومة إلى الحاجة إلى تعديل الوثيقة الدستورية التي نصت على ترشيح رئيس الوزراء وحكومته من قبل تحالف قوى الحرية والتغيير قبل اعتمادها من مجلس السيادة.

وأصدر البرهان، يوم الاثنين، قرارا بتعيين 4 وزراء جدد، وهم السفير علي يوسف أحمد الشريف وزيرا للخارجية، وخالد الأعيسر وزيرا للثقافة والإعلام، وعمر بانفير وزيرا للتجارة والتموين، وعمر بخيت وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف.

ومن أبرز ملامح تكليف الوزراء الجدد الاستجابة لمطالب مواطني شرق السودان وقياداته المحلية التي ظلت تشكو من التهميش وعدم تمثيلهم في مجلسي السيادة والوزراء، حيث إن وزيري التجارة والأوقاف من الكفاءات الوطنية، وينحدران من شرق السودان، حسب مصادر قريبة من مجلس السيادة تحدثت للجزيرة نت.

وهذا يُعتبر أول تكليف لوزراء من إقليم شرق السودان الذي يضم 3 ولايات (البحر الأحمر وكسلا والقضارف)، منذ حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأولى، بينما ظلت وزارة التربية والتعليم التي خصصت للشرق شاغرة في حكومته الثانية بسبب انقسام سياسي في الشرق.

كما حمل التعديل الجديد توجها نحو إحداث تغيير في العلاقات الخارجية والإعلام، حيث عمل الدبلوماسي المخضرم علي يوسف الذي تقاعد عام 2013، سفيرا لدى الصين والاتحاد الأوروبي وبلجيكا وجنوب أفريقيا، ويرأس الجمعية العربية الصينية والمبادرة الشعبية لتعزيز العلاقات مع مصر، وعمل أخيرا مديرا لوكالة السودان للأنباء “سونا”.

ووفقا للمصادر السيادية، فإن تكليف الإعلامي خالد الأعيسر -الذي عمل صحفيا في قنوات وصحف ببريطانيا والسودان- بوزارة الإعلام يأتي لمعالجة ضعف الأداء الإعلامي والخطاب السياسي والإعلامي منذ اندلاع الحرب والشكوى من عدم تمليك وسائل الإعلام المعلومات التي توضح مسار الحرب ومواقف الحكومة.

جدل الشرعية

ويرى رئيس تحالف التراضي الوطني وحزب الأمة، مبارك الفاضل المهدي، أن الوثيقة الدستورية لا تخول البرهان تسمية رئيس وزراء وتشكيل حكومة، كما أن الحكومة المكلفة ليست لديها شرعية لأنها جاءت بعد انقلابه على شركائه من القوى السياسية “قوى الحرية والتغيير”.

وفي حديث للجزيرة نت، يوضح المهدي أن الحكومة المكلفة منذ أكثر من 34 شهرا ظلت تواجه مقاطعة دولية وعقوبات من الاتحاد الأفريقي، مضيفا أن “أي حكومة تنشأ في هذه الظروف ومن غير توافق سياسي ستواجه المصير ذاته”.

ولا يستطيع أن يفعل وزراء مدنيون في ظل تمدد المواجهات العسكرية شيئا كما يقول المهدي، وأي حكومة قد تتشكل ستكون عاجزة وستنال سخط المواطنين، لكن ثمة حاجة إلى فريق عمل وطني مصغر من ذوي الكفاءة والخبرة يتولى عن قيادة الجيش العلاقات السياسية والدبلوماسية وملف السلام.

من جانبه، يعتقد الكاتب ورئيس تحرير صحيفة “التيار”، عثمان ميرغني، أن تعيين السفير علي يوسف وخالد الأعيسر خطوة للأمام لأنهما يملكان خبرة كل في مجاله ولهما جرأة الخروج عن المألوف التي يفتقدها كثير من المسؤولين خاصة في المواقع القيادية.

وينتقد ميرغني خلال منشور في صفحته على منصة “فيسبوك” أن “تعيين الوزراء الجدد لا يزال مصحوبا بكلمة مهينة ومحبطة هي مكلف وتعني أنه وزير إلا ربع ما ينتقص من قدرته على شغل المنصب كاملا، ويقلل من قدرة شاغل المنصب في التحرك خاصة على الصعيد الخارجي”.

وحسب الكاتب، فإن الأكثر غرابة هو صدور ترشيحات الوزراء من مجلس السيادة، معتبرا أن “الإصرار على إضعاف هياكل الدولة ليس له إلا تفسير واحد هو رغبة رئيس مجلس السيادة في تكريس السلطات في يده، وهذا أمر بالغ الخطورة وغير قابل للاستمرار طويلا”.

شاركها.
Exit mobile version