تواجه صناعة النفط منعطفا حاسما في عام 2024، حيث تسعى إلى أن توازن بدقة بين وفرة العرض وتوقعات ارتفاع الطلب العالمي.

ومن المتوقع أن يكون لديناميات السوق المدفوعة بالارتفاع الكبير في إنتاج النفط الأميركي والمساهمات الكبيرة لبعض الدول المنتجة -مثل البرازيل وغويانا والنرويج وكندا- تأثير عميق على مسارات الأسعار في ظل تبني تحالف “أوبك بلس” -الذي تقوده السعودية وروسيا- سياسة خفض المعروض.

وترسم التوقعات المتنوعة صورا متفاوتة، وسط دعوات إلى اتخاذ موقف حذر بسبب المخاوف المحيطة بالتباطؤ الاقتصادي في عدد من الاقتصادات.

ويواجه القطاع النفطي في 2024 جملة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي قد تؤثر على الأسواق بشكل كبير.

نمو الطلب

وعلى الرغم من هذه التحديات فقد حافظت منظمة الدول المصدر للنفط (أوبك) على تفاؤلها بمستقبل سوق النفط في 2024.

وتتوقع المنظمة زيادة الطلب على النفط بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا، فيما توقعت زيادة للعرض من المنتجين خارج المنظمة بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا.

وترجع أوبك الزيادة المتوقعة إلى نمو الناتج الإجمالي العالمي بوتيرة أسرع من العام الماضي.

وتعزو المنظمة الانخفاض الأخير في أسعار النفط إلى تدخلات المتداولين والمخاوف المبالغ فيها، وتعتزم مع حلفائها خفض إضافي في الربع الأول الحالي من العام بمقدار 0.9 مليون برميل يوميا لدعم استقرار السوق.

بالمقابل، كانت وكالة الطاقة الدولية أقل تفاؤلا من “أوبك”، حيث توقعت ارتفاع الطلب العالمي على النفط في العام الجديد بأقل مما ذهبت إليه المنظمة، مشيرة إلى أن استهلاك العالم من النفط سيزيد بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا في عام 2024، وفقا لتقريرها الأخير.

تعرف على تحالف أوبك بلس للدول المنتجة للنفط

ووفقا لتقديرات أستاذ الاقتصاد السياسي معاذ العامودي، فقد أسهم استمرار تمديدات خفض الإنتاج الطوعي من قبل تحالف أوبك بلس في زيادة السحب من مخزونات النفط الخام خلال الربع الأخير من عام 2023 بشكل أكبر من التوقعات السابقة، وهو ما قد يؤدي إلى سوق أكثر استقرارا في عام 2024.

ويتوقع العامودي في حديث للجزيرة نت استمرار نمو الإنتاج خارج التحالف، مع تباطؤ الوتيرة مقارنة بالأعوام السابقة، حيث قد يصل إلى مليون برميل يوميا في كل من عامي 2024 و2025، وهو ما يمثل نصف معدل النمو في عام 2023.

ويضيف العامودي أن الزيادة المتوقعة في الإنتاج ستأتي من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغويانا على الأغلب، وذلك على الرغم من احتمالية تباطؤ النمو في الإنتاج الأميركي بسبب التركيز المتزايد على الانضباط المالي والتكاليف المتزايدة.

كما توقع العامودي تراجع نمو الإنتاج النفطي الأميركي خلال عام 2024، ورجح أن تدفع الظروف الراهنة لمنتجي أوبك الرئيسيين إلى إعادة النظر في القرارات المتخذة بشأن الإنتاج.

وأكد أن الوضع الجيوسياسي والسياسات الاقتصادية الحالية ستكون أيضا عوامل رئيسية في هذا السياق.

ولفت العامودي إلى أن إيران قد تسعى إلى زيادة صادراتها النفطية في السنوات المقبلة، مما يعتبره عاملا تجب مراعاته عند الحديث عن معروض النفط.

وأشار إلى أن أسعار النفط الحالية لا تعتبر مرتفعة جدا، إذ تتراجع بنسبة 40% عن أعلى مستوياتها في 2011، لكنه لم يتوقع تأثير الزيادة المتوقعة في أسعار النفط خلال عام 2024 على الناتج المحلي الإجمالي العالمي سوى بشكل هامشي، موضحا أنها قد تزيد التضخم وتؤخر قرارات خفض الفائدة المرتقبة.

توقعات بأن يبلغ متوسط ​​سعر خام برنت 84.43 دولارا للبرميل في 2024 (رويترز)

توقعات المؤسسات

وكانت بنوك أميركية كبيرة قد قدمت توقعاتها للأسعار، حيث خفض بنك غولدمان ساكس سقف توقعاته بما يتراوح بين 80-81 دولارا لخام برنت، وهي توقعات تتقارب مع توقعات وكالة الطاقة الدولية التي تتوقع أن يصل سعر خام برنت إلى 82.57 دولارا للبرميل في عام 2024.

ولا يزال بنك باركليز يتوقع متوسط سعر عند 93 دولارا للبرميل في عام 2024، فيما تعتقد وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” أن سعر 85 دولارا للبرميل يبدو أكثر ملاءمة.

ويشير خبراء القطاع إلى أن الخفض المتوقع في أسعار الفائدة -الذي قد يقلل تكاليف الاقتراض في مناطق الاستهلاك الرئيسية- وضعف الدولار -الذي يجعل النفط أقل تكلفة بالنسبة للمشترين الأجانب- قد يعززان الطلب في عام 2024.

ويتوقع مسح أجرته وكالة رويترز لآراء 30 اقتصاديا ومحللا أن يبلغ متوسط ​​سعر خام برنت 84.43 دولارا للبرميل في 2024 مقارنة بمتوسط نحو 80 دولارا للبرميل هذا العام ومستويات مرتفعة تزيد على 100 دولار في 2022 بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

عام مشوب بالحذر

وفرضت حالة عدم اليقين نفسها على أسواق النفط خلال عام 2023، حيث خضعت لتعديلات كبيرة بفعل الضبابية المحيطة بنمو الطلب والتوترات الجيوسياسية، خاصة الأزمة الأوكرانية وحرب إسرائيلية على غزة وما تبعها من توترات في البحر الأحمر وجنوب لبنان.

وأدت تلك الأحداث مجتمعة إلى إعادة هيكلة أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الأزمة وأحدثت تغييرات في تدفقات التجارة العالمية.

وكانت السمة المميزة لسوق النفط لعام 2023 هي التنفيذ المطول لتخفيضات الإنتاج من قبل أوبك بلس (تحالف يضم أعضاء منظمة أوبك وحلفائها)، والتي تمثل 40% من إمدادات النفط العالمية.

وفي أبريل/نيسان 2023 أعلن التحالف عن تخفيضات إضافية قدرها 1.65 مليون برميل يوميا، استكمالا للتخفيضات السابقة البالغة مليوني برميل يوميا، والتي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ومثلت هذه الإجراءات تخفيض حوالي 3.66 ملايين برميل يوميا، أي ما يعادل حوالي 3% من الطلب العالمي على النفط، وقد استقبلت الأسواق هذه الخطوة بشكل إيجابي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط.

وترى إيرينا سلاف الكاتبة المتخصصة في النفط أنه على الرغم من جهود أوبك بلس للسيطرة على أسعار النفط من خلال خفض الإنتاج فإن التقارير تشير إلى تراجع تأثير التحالف في ظل توقعات ضعيفة للطلب، إضافة إلى رد فعل السوق على إجراءات أوبك بلس وقضايا الامتثال التاريخية.

وأكدت سلاف أن توقعات التراجع في الطلب تضع التحالف أمام تحديات جسيمة.

واستمر الزخم مع تطوع المملكة العربية السعودية -وهي لاعب رئيسي وأحد أكبر 3 منتجين للنفط في العالم- بخفض إضافي قدره مليون برميل يوميا في يونيو/حزيران 2023 بهدف تحقيق الاستقرار والتوازن في أسواق النفط.

وأدى ذلك كله إلى ارتفاع أسعار النفط إلى نحو 97 دولارا للبرميل، مسجلة زيادة بنسبة 25% منذ يونيو/حزيران 2023.

يذكر أن تحالف أوبك بلس مدد هذه التخفيضات إلى الربع الأول من عام 2024.

أوبك بلس في مواجهة التحديات

بدورها، تشير تسفيتانا باراسكوفا المتخصصة في قضايا النفط بموقع “أويل برايس” إلى كيفية تأثير الأحداث الجيوسياسية على أسعار النفط في السنوات الأخيرة.

وتعتقد باراسكوفا أن تحالف أوبك بلس يواجه تحديات في إدارة الإمدادات في ظل ارتفاع طاقة الإنتاج خارج منظمة الدول المصدرة للنفط والمخاطر الجيوسياسية في مناطق العبور الرئيسية -مثل البحر الأحمر- تشكل عقبات كبيرة أمام السيطرة على الأسعار.

ومع ذلك، أدى الانتعاش الاقتصادي المستمر في الصين إلى كبح أي ارتفاع مستدام أو كبير في أسعار النفط، وشهدت الدول الأوروبية تباطؤا اقتصاديا، كما يتضح من انخفاض الطلب على النفط بمقدار 90 ألف برميل يوميا في ألمانيا وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.

وبالإضافة إلى ذلك، شهدت الولايات المتحدة انخفاضا لمدة 13 شهرا متتاليا في نشاط التصنيع.

نمو مخيب في الخليج

وتوقع تقرير “تحديث الاقتصاد الخليجي” الصادر حديثا عن البنك الدولي أن يشهد مجلس التعاون الخليجي نموا بنسبة 1% في عام 2023.

ومع ذلك، فإن هذا النمو يعد محدودا بسبب انخفاض أنشطة قطاع النفط الذي من المتوقع أن ينكمش بنسبة 3.9%، وفقا للتقرير.

ويعود هذا الانكماش إلى قرارات خفض الإنتاج المتعاقبة التي اتخذها تحالف أوبك بلس وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.

ويشير التقرير إلى إمكانية تعويض انخفاض أنشطة قطاع النفط في القطاعات غير النفطية المتوقع أن تنمو بنسبة 3.9% في عام 2023 وتحتفظ بمعدل نمو يبلغ 3.4% في المدى الطويل.

ويعزى هذا النمو إلى الاستهلاك الخاص المستمر والاستثمارات الإستراتيجية وتسارع السياسات المالية الداعمة.

شاركها.
Exit mobile version