لندن- مع انتهاء الـ100 يوم الأولى من توليه منصب رئيس الوزراء وزعيم حزب العمال البريطاني، يواجه السير كير ستارمر مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية التي تضع حكومته في مأزق.

وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، تراجعت شعبيته بشكل ملحوظ مما أثار تساؤلات حول قدرته على الوفاء بالوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية.

في التقرير التالي، نستعرض أبرز التحديات التي واجهها ستارمر، كما وردت في الصحف المحلية، وأبرز الانتقادات التي أثيرت بمناسبة مرور 100 يوم على توليه المنصب.

حزب العمال البريطاني يستعد لتولي السلطة.. تعرف على مسيرته من السلطة إلى المعارضة ثم إلى السلطة

تحديات

استهلت حكومة ستارمر عملها بآمال عريضة، إلا أن معدلات رضى الجمهور عن أدائها تراجعت بشكل حاد، حيث أظهرت استطلاعات الرأي انخفاضا بمقدار 33 نقطة منذ بداية توليه منصبه، حسب موقع “جوف يو كيه”.

وقد أشار استطلاع شعبي حديث إلى أن معدلات الرضى انخفضت بنحو 44 نقطة منذ ذروة شعبية ستارمر بعد فوز حزب العمال في الانتخابات. ويعكس هذا التراجع شعور الكثير من مؤيدي الحزب بخيبة الأمل، مما يوضح اقتراب نسب الرضى الشعبي بين العمال والمحافظين لأول مرة منذ شهور.

في سياق آخر، شهد فريق ستارمر الإداري توترات داخلية عديدة، حيث أجرى تغييرات كبيرة بما في ذلك إقالة مديرة موظفيه سو غراي وتعيين مورغان ماك سويني بدلا منها. ورغم أن سويني يُعتبر مستشارا موثوقا، فإن تساؤلات حول خبرته في الإدارة الحكومية أثارت القلق.

وفي هذا الصدد، صرحت حليمة خان الرئيسة السابقة لموظفي الأقليات وأمينة التحقيقات والحوكمة في حزب العمال- للجزيرة نت- بأن حكومة الحزب أظهرت للجمهور صورة غير مطمئنة، تبرز عدم جدارتها بالثقة وافتقارها للكفاءة والقيم الأخلاقية.

وأضافت “ستارمر خان العائلات من الطبقة العاملة عبر استمراره في تقديم مصالح أصحاب الأعمال على حساب الطبقة المتوسطة، مما أدى إلى تفاقم أزمة تكاليف المعيشة”.

فجوة الميزانية ومعاش التقاعد

وتواجه حكومة ستارمر وضعا اقتصاديا معقدا يتجلى في ارتفاع عجز الميزانية إلى 22 مليار جنيه إسترليني (29 مليار دولار)، وهو ما يُعزى إلى سياسات الإدارة السابقة لحزب المحافظين. وقد حذرت وزيرة الخزانة راشيل ريفز من قرارات صعبة مقبلة تتعلق بالضرائب والإنفاق والمزايا الاجتماعية.

ومن أبرز التحديات الاقتصادية قضية معاشات التقاعد التي تستدعي اهتماما عاجلا وسط التحديات المالية المستمرة، ومع تزايد القلق بشأن مستقبل المعاشات، يخشى العديد من كبار السن من اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى تقليص الدعم خاصة بعد معاناتهم من تكاليف التدفئة الباهظة في السنوات الأخيرة.

وأوضحت الحكومة أن إستراتيجيتها لإصلاح نظام المعاشات تتمثل في زيادة الاستثمار بالاقتصاد المحلي عبر تعديل إستراتيجيات استثمار صناديق المعاشات لتحقيق عوائد أفضل. كما اقترحت -مؤخرا- إلغاء دعم الوقود الشتوي، وهو ما أثار جدلا واسعا حول تأثيره على أصحاب الدخل المحدود من المتقاعدين.

وفي تعليق على هذه الإجراءات، قال باتريك واتس المستشار المالي والباحث في التاريخ والعلاقات الدولية -للجزيرة نت- إنه تلقى العديد من المخاوف من عملائه بشأن إلغاء دعم الوقود الشتوي.

وباعتقاده، فإن التفاؤل الحذر لا يزال ممكنا وأوصى بالانتظار حتى إصدار الحكومة للموازنة العامة في 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري “لأنها من ستحدد البدائل لإلغاء الوقود أو الخطة التفصيلية للمضي قدما”.

ورغم نفي ستارمر الشائعات حول رفع الضرائب أو زيادة الاقتراض لتمويل الاستثمارات وتأكيد التزام حزب العمال بعدم فرض ضرائب إضافية، فإنه يواجه ضغطا بشأن إمكانية زيادة مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل، مما يثير تساؤلات حول التزامه بتعهداته الانتخابية.

العلاقات الدولية وحرب أوكرانيا

تُعد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي من القضايا الحيوية التي تتطلب اهتماما خاصا في ظل الانقسام بين مؤيدي ومعارضي خروج بريطانيا من الاتحاد، المعروف بـ”بريكست”. هذا الانفصال لم يُحدث فقط تغييرات جذرية في النظام السياسي والاقتصادي البريطاني، بل ألقى بظلاله أيضا على كيفية تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع الدول الأعضاء في الاتحاد.

وتواجه الحكومة تحديات عديدة تتعلق بإعادة بناء جسور التعاون من خلال إيجاد آليات جديدة للتجارة الحرة وتيسير حركة البضائع والخدمات، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات الإستراتيجية التي قد تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.

ويُعتبر التعامل مع تداعيات الحرب في أوكرانيا اختبارا حاسما لقدرة الحكومة البريطانية على إدارة القضايا الدولية بفعالية، سواء من حيث تقديم المساعدات الإنسانية والعسكرية لكييف أو التعامل مع التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن النزاع.

ويرى مراقبون أن كيفية استجابتها لهذه التحديات قد تعكس التزامها بمبادئ السياسة الخارجية البريطانية، وفي الوقت نفسه، يتعين على حكومة ستارمر أن تسعى إلى تحقيق توازن بين دعم أوكرانيا وتلبية احتياجات المواطن البريطاني في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة.

القضية الفلسطينية

من جهة أخرى، تواجه حكومة ستارمر تحديات كبيرة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية على غزة، ومع تصاعد الأصوات التي تدعو إلى دعم الفلسطينيين في الشارع البريطاني، تظهر الحاجة إلى توضيح موقف حاسم للحكومة.

فقد أشار ستارمر إلى أنه يسعى إلى اتخاذ موقف متوازن، لكنه واجه انتقادات بسبب عدم الاستجابة الكاملة لمطالب المجتمع المدني بحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، على الرغم من أنه تم الترحيب بموقفه الجزئي من تصديرها.

وتُعتبر هذه القضية أحد الملفات الحساسة التي قد تؤثر على موقفه لدى الناخبين البريطانيين الذين اختاروه على خلفية وعوده بالاختلاف عن المحافظين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث شهدت المملكة المتحدة مسيرات وطنية حاشدة دعما لفلسطين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما يمثل ضغطا شعبيا على الحكومة للقيام بدور أكثر فعالية في هذا الملف.

أزمة ثقة

اضطر ستارمر إلى رد أكثر من 6 آلاف جنيه إسترليني كانت عبارة عن هدايا حصل عليها منذ توليه المنصب، في خطوة اعتبرها “صحيحة” لمحاولة تهدئة جدل أثارته الصحف المحلية ضده.

وقال عضو حزب العمال بيتر ليري “أعتقد أن ستارمر نفسه محبط من أدائه خلال الـ100 يوم، من المخجل استقبال هدايا وتبرعات في هذه الفترة الوجيزة”.

وأضاف للجزيرة نت “موقفه من غزة واستمرار إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، كله محبط ومخجل”.

ومع أن المسؤولين الحكوميين حاولوا التقليل من حجم الضرر، فإن هذه القضية أسهمت في تآكل ثقة الجمهور في رئيس الوزراء، مما يعوق محاولاته لإظهار الحكومة بمظهر نزيه.

ومع تزايد الانتقادات والضغوط من مختلف الجهات، سيكون أداء الحكومة خلال الأشهر المقبلة محط أنظار البريطانيين، حيث سيتحدد مسار الأزمة الاقتصادية والعلاقات الدولية في ظل معطيات دولية معقدة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

شاركها.
Exit mobile version