لقد كان نصف شهرٍ دراميًا بالنسبة للسياسة الأميركية مع وقوع سلسلة مثيرة من الأحداث السريعة:

نجا المرشّح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب من محاولة اغتيال، وخرج أكثر جرأة ونشاطًا في حشد قاعدته.

وانسحب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي، وأيد نائبته، كامالا هاريس، التي تمكّنت في غضون أسبوع من الفوز بدعم كافٍ من المندوبين؛ لتأمين الترشيح في المؤتمر الوطني الديمقراطي القادم المقرر عقده في الفترة من 19 إلى 22 أغسطس/آب.

أعادت هاريس تنشيط الحملة الديمقراطية، وجمعت أكثر من 200 مليون دولار من التبرعات، وحصلت على 100 ألف ناخب جديد مسجل للتصويت، وأمنت 170 ألف متطوع جديد في غضون سبعة أيام فقط.

كما أن شعبيّتها تتحسّن في استطلاعات الرأي. فارتفعت درجة “تفضيلها” لدى الجمهور الأميركي – بمقدار 8 نقاط مئوية – إلى 43% في أسبوع واحد. وبين الناخبين المحتملين، تبلغ تلك النسبة حاليًا 47%، بفارق نقطة مئوية واحدة فقط خلف ترامب.

دور حاسم

قد يُعزى بعض نجاح هاريس المبكر إلى الارتياح الكبير الذي شعر به العديد من الديمقراطيين بالتأكيد بشأن قرار بايدن بالتنحي.

فقد أيّد 87% من الديمقراطيين المسجلين انسحابه. لكن من غير المرجح أن يستمر هذا الزخم المبكر حتى الانتخابات في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني. وبينما جلبت هاريس التغيير المطلوب بشدة للحملة الديمقراطية، فإنها تمثل أيضًا الاستمرارية مع إدارة بايدن، وهو ما قد يضعها في ظرف غير مؤاتٍ في بعض القضايا.

إن إحدى هذه القضايا هي الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. دعونا نتذكر أن أحد الأسباب التي جعلت بايدن يُنظر إليه في البداية على أنه ضعيف كانت حملة “التصويت غير الملتزم” التي قادها العرب والمسلمون الأميركيون خلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية في وقت سابق من هذا العام. صوّتت نسبة كبيرة من الديمقراطيين غير الملتزمين للإشارة إلى رفضهم دعم بايدن غير المشروط للإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة.

كانت النتائج في الولايات المتأرجحة الرئيسية مقلقة بشكل خاص لحملة بايدن. في ميشيغان وويسكونسن، على سبيل المثال، صوّت 101 ألف و47 ألفًا و800 على التوالي: “غير ملتزمين”.

وكان بايدن قد فاز بكلتا الولايتين بهامش ضئيل يصل إلى 154 ألفًا و20 ألفًا و600 في عام 2020.

في أحدث استطلاعات الرأي، تتخلف هاريس عن ترامب بنسبة 2 إلى 10 في المائة في الولايات المتأرجحة، مثل: جورجيا وأريزونا ونيفادا وبنسلفانيا. وفي ميشيغان، تتخلف عنه بنقطة مئوية واحدة، وفي ويسكونسن تبلغ نسبة تأييدهما 47%.

بعبارة أخرى، يمكن للمجتمعات العربية والإسلامية الأميركية، بدعم من حلفائها التقدميين العديدين، أن تلعب دورًا حاسمًا في تحديد الانتصارات ذات الهامش الصغير في هذه الولايات. وقد يثبتون أنهم مفتاح فوزها، إذا تأخرت عن ترامب في ولايات متأرجحة أخرى، مثل: أريزونا أو نيفادا أو نورث كارولاينا أو جورجيا.

وقد هدد أعضاء حركات: “التخلي عن بايدن”، و”غير الملتزمين”، بالتخلي عن هاريس إذا استمرت في سياسة بايدن المؤيدة للحرب. وقد توسعت حركة “غير الملتزمين” إلى تحالف متنامٍ يضم ناخبين تقليديين آخرين للحزب الديمقراطي، مثل: نشطاء العمال، واليهود التقدميين، والسود، واللاتينيين، وغيرهم ممن يدعمون قضايا العدالة الاجتماعية.

تغيير المسار بشأن غزة

في 23 يوليو/تموز، على سبيل المثال، طلبت سبع نقابات عمالية – تمثل ملايين العمال الأميركيين – من بايدن في رسالة مشتركة وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل.

من المهم أن نشير إلى أن المعارضة لسياسات إدارة بايدن بشأن فلسطين وإسرائيل تتجاوز هذه الجماعات ذات المصالح. إذ يبلغ دعم الأميركيين لحرب إسرائيل حاليًا 42%؛ وبين الديمقراطيين يبلغ هذا الدعم 23%. بعبارة أخرى، لا تدعم الغالبية العظمى من قاعدة هاريس الديمقراطية تصرفات إسرائيل، التي أيدتها إدارة بايدن بكل إخلاص.

سُئلت هويدا عراف – وهي محامية فلسطينية أميركية مقيمة في ميشيغان وناشطة في مجال حقوق الإنسان ومندوبة بديلة “غير ملتزمة” في المؤتمر الوطني الديمقراطي – عما إذا كان زملاؤها يتوقعون من هاريس الاستجابة لمطالبهم وكيف يفعلون ذلك. فأجابت: “للحصول على أصواتنا، يجب على الحزب الديمقراطي أن يغير مساره بشكل أساسي بشأن غزّة على وجه التحديد، وفلسطين بشكل عام. لا يمكنه الاستمرار في إساءة معاملتنا، وتمكين وتمويل إبادة شعبنا، ثم يتوقع أصواتنا بتحذيرنا من أن البديل سيكون أسوأ.

هاريس جزء من إدارة متواطئة في الإبادة الجماعية ولم تفعل شيئًا لمنعها. في حين يُنظر إليها على أنها أفضل قليلًا من بايدن، فإن هذا معيار منخفض للغاية ولن يكون كافيًا للحصول على أصواتنا. للحصول على فرصة، يجب على هاريس أن تنأى بنفسها عن سياسات بايدن بطريقة واضحة وملموسة تتجاوز الكلمات. لن نقبل الفتات بعد الآن”.

إن هذا الشعور منتشر على نطاق واسع بين الأعضاء غير الملتزمين الذين تابعوا من كثب تصريحات هاريس بشأن غزة. لم تحضر نائبة الرئيس خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس في 24 يوليو/تموز، لكنها التقت به في اليوم التالي.

وقد قدمت تعليقاتُها بعد اجتماعهما تلميحات محتملة حول موقفها بشأن غزة. فقد دعت إلى وقف إطلاق النار، وحل الدولتين، ووقف المعاناة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين، مشيرة إلى أن أصوات النساء والأطفال الفلسطينيين بطريقة إنسانية نادرًا ما تُسمع في واشنطن.

أخبرني المحلل المخضرم في شؤون الشرق الأوسط والمدافع عن العدالة آدم شابيرو – وهو من مواليد بروكلين ويقيم حاليًا في ميشيغان-: “يجب أن تدرك هاريس أن الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة تسببت في انخفاض الدعم لبايدن، وعلينا أن نرى ما إذا كانت ستفعل أي شيء حيال ذلك. غالبًا ما يكون التباين بينها وبين بايدن لافتًا للنظر في أسلوبها وكلماتها، لكنها تحدثت بشكل جيد عن الحد من معاناة الفلسطينيين مع دعم سياسة الحرب التي ينتهجها بايدن.

إن تخطي خطاب نتنياهو أكثر إثارة للإعجاب من كلماتها المثيرة للقلق. الآن يجب أن تُظهر ما إذا كانت قادرة على تغيير موقفها بحلول موعد انتخابات نوفمبر بطريقة ذات مغزى”.

تحوّل كبير

ربما يمنح المؤتمر الوطني الديمقراطي هاريس المنصة لتوضيح موقفها من إسرائيل وحربها على غزة. وبصفتها المرشحة الرئاسية الديمقراطية، سيكون لها نفوذ أكبر مما لديها الآن كنائبة للرئيس. وإلى أي مدى قد تكون مستعدة للنأي بنفسها عن دعم بايدن القوي لحرب إسرائيل، قد يحدد مقدار الدعم الذي ستحصل عليه من الديمقراطيين التقدميين المؤيدين للفلسطينيين.

وقالت هويدا عراف: “إن الحد الأدنى الذي يتعين على هاريس أن تفعله هو إعلان دعمها لحظر الأسلحة على إسرائيل قبل التصويت في نوفمبر/تشرين الثاني”.

ويمثل التزام هاريس باحترام القانون الدولي مجالًا آخر يراقبه النشطاء، بما في ذلك الالتزام بتطبيق القوانين الأميركية ذات الصلة بنقل الأسلحة التي تستخدم في الإبادة الجماعية، أو انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.

ويقول آخرون؛ إنه من الممكن أن تكون هناك تغييرات في برنامج الحزب بشكل عام، وهو ما تم الإعلان عنه في المؤتمر في أغسطس/آب.

كان من المتوقع دائمًا أن تكون الانتخابات الرئاسية لعام 2024 واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية أهمية في التاريخ الأميركي الحديث؛ نظرًا لقوى اليمين المتطرف المتوسعة ومخاوف الديمقراطيين الذين يخشون على ديمقراطيتهم.

يتشكل هذا الآن كحدث تاريخي أكثر ليس فقط؛ لأنه قد يضع امرأة ملونة على رأس البيت الأبيض لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، ولكن أيضًا؛ لأنه قد ينتج تحولًا كبيرًا في موقف الحزب الديمقراطي بشأن إسرائيل وفلسطين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version