عمّان– ككرة الثلج المتدحرجة، يتلقى الاقتصاد الإسرائيلي سلسلة من “الضربات الموجعة” مع استمرار الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة لأكثر من 100 يوم.

وبحسب مراقبين وخبراء فإن حكومة بنيامين نتنياهو فشلت في تحييد اقتصاد إسرائيل وتجنيبه الخسائر كما الحروب السابقة، سيما وأن المنطقة التي كانت سبباً في معركة طوفان الأقصى (غلاف غزة) هي المسؤولة عن تزويد الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 75% من المحاصيل الزراعية التي يحتاجها الاحتلال، لكن الحرب حولتها من منطقة زراعية إلى منطقة عسكرية مغلقة.

واقع اقتصادي قاتم

ورسم الخبير الاقتصادي الأردني الدكتور عامر الشوبكي لوحة قاتمة لواقع ومستقبل الاقتصاد الإسرائيلي في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، وقال في حديثه للجزيرة نت إن الخسائر الإجمالية الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للاحتلال في حربه -التي يشنها على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي- وصلت إلى 165 مليار دولار.

وأضاف الشوبكي أن ما يتم الإعلان عنه إسرائيلياً جزء بسيط من الخسائر العسكرية الحقيقية، فالكلفة التشغيلية لهذه الحرب وصلت إلى 280 مليون دولار يومياً، أي ما يعادل 28 مليار دولار في 100 يوم الأولى من المعركة، فضلاً عن تكلفة الآليات العسكرية التي أعلنت المقاومة عن تدميرها، والتي تزيد على ألف مدرعة ودبابة، وهذه خسائر عسكرية لم يعلن الاحتلال عنها حتى الآن.

ويجمل الشوبكي خسائر الاحتلال في حربه على غزة في ما يلي:

  • إفراغ قطاعات عديدة من العمالة الإسرائيلية، ليصبحوا جنوداً احتياط في الجيش الإسرائيلي، وعددهم يزيد على 300 ألف من الموظفين العاملين في مختلف القطاعات الحيوية، أهمها قطاع التكنولوجيا الذي يزود إسرائيل بنصف صادراته، وهذا القطاع لحقت به خسائر تفوق 20 مليار دولار.
  • الاستثمارات الخارجية أصبحت معطلة نتيجة الحرب على غزة، مما تسبب بخسائر كبيرة، وصلت 15 مليار دولار، وهو ما يحتاج لوقت طويل للتعافي، فضلاً عن توقف عجلة القطاع السياحي الذي تضرر -بحسب ما هو معلن- بنسبة 75%، وهذا القطاع كان يدر قرابة 20 مليار دولار على الخزينة الإسرائيلية سنوياً.
  • إيواء وتعويض العائلات المهجرة نتيجة الحرب بغلاف غزة، وفي المناطق الحدودية الشمالية مع لبنان، والذين يقدر عددهم بمليون مستوطن، يعيشون حالياً بـ 280 فندقاً، وهذا ما يحتاج مبالغ طائلة لا تقل عن 10 مليارات دولار، وتعويضهم عن خسائرهم التجارية والصناعية التي لحقت بهم جراء الحرب.
إنفوغراف خسائر اقتصاد إسرائيل بسبب حرب غزة (الجزيرة)
  • تعويض وعلاج جرحى الحرب من المدنيين، وجرحى الحرب من الجنود، فضلاً عن تعويض أهالي قتلى الجنود، ومعالجة الجرحى والمعاقين جراء الحرب، وتعويض من تضررت منازلهم نتيجة إصابتها من صواريخ المقاومة الفلسطينية، وصواريخ حزب الله، وهو ما يزيد من الكلف الإضافية على خزينة الاحتلال، على المدى القصير والبعيد.
  • هجرة ما يزيد على 400 ألف إسرائيلي -حتى الآن- ممن يحملون جنسيات مزدوجة إلى القارة الأوروبية، والأميركية، مما ينعكس على انخفاض إيرادات الحكومة، ودافعي الضرائب.
  • خسارة العمالة الفلسطينية في قطاع الإنشاءات بالمناطق المحتلة عام 1948، وهروب العمالة التايلندية بالمنشآت الزراعية في غلاف غزة خوفاً من الحرب، وهو ما يضيف أعباء جديدة على الاقتصاد الإسرائيلي، نتيجة التوقف التام لهذا القطاع الحيوي.
  • استمرار أزمة الملاحة في البحر الأحمر، بمنع جماعة الحوثي للسفن القادمة نحو إسرائيل، أو الإسرائيلية من الإبحار عن طريق باب المندب، الأمر الذي أوقف حركة الملاحة البحرية بميناء إيلات الإسرائيلي بنسبة 95%. كما أصبح الاحتلال يعتمد على السفن القادمة من البحر المتوسط مما رفع من كلفة الشحن، ويتسبب في ارتفاع حاد بأسعار المواد الاستهلاكية، وأسعار المركبات، داخل دولة الاحتلال.

وكان كبير اقتصاديي وزارة المالية بإسرائيل شموئيل أبرامسون توقع أن ينكمش الاقتصاد 1.5% إذا استمرت الحرب على غزة إلى نهاية السنة الحالية، وذلك بعد أن كان يتوقع نموا بنسبة 2.7% لسنة 2024 قبل بدء الحرب، وفق تقرير نقلته صحيفة “غلوبز” الإسرائيلية الاقتصادية.

خسائر الاقتصاد الإسرائيلي في عشرة أيام فقط من الحرب فاقت ما تسببت به جائحة كورونا

ارتفاع الديون

ولم يبتعد الخبير الاقتصادي حسام عايش كثيراً عن الشوبكي، إذ أكد أن إسرائيل لم تخطط بأن تمتد حربها على قطاع غزة لما يزيد على 100 يوم، لأن الاحتلال تكبد خسائر فادحة على المستوى الاقتصادي بسبب الحرب، ودخل في مأزق حقيقي نتيجة ارتفاع الديون التي يحتاجها للإنفاق على العمليات العسكرية، فضلاً عن معاناته من العجز الحاد في الموازنة بالنظر لانخفاض الإيرادات، مما يعني أن تصنيفه الائتماني تراجع من مستقر إلى سلبي، مع توقعات بأن يواجه عجزاً حكوميا بـ5.3% خلال عامي 2023 و2024، نظراً إلى الإنفاق الدّفاعي الكبير الذي تفرضه الحرب.

وقال عايش -للجزيرة نت- إن “الأضرار الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية التي تكبدها الاحتلال خلال 100 يوم الماضية تجاوزت 100 مليار دولار، مضيفا أنه كلما زادت الحرب زادت نسبة الخسارة.

ويتابع بأن قطاع التكنولوجيا الذي يمثل عصب الاقتصاد الإسرائيلي -نظراً لتفوقه بهذا المجال- بدأ بالتراجع، مشيرا إلى أن الإيرادات الضريبية المتعلقة بهذا القطاع تراجعت بنسبة 80%.

وقال عايش إن “الاحتياطي العسكري الإسرائيلي استدعى قسماً كبيراً من العاملين بهذا القطاع، مصحوباً بحالة عدم اليقين الناجمة عن هذه الحرب، وقد تسبب كل ذلك في خسائر فادحة خاصةً”.

وفي وقت سابق، توقع المحاسب العام بالمالية الإسرائيلية يالي روتنبرغ أن تزيد نسبة الدين العام إلى 62.1% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 جرّاء التداعيات المالية لهذه الحرب، بعد أن كانت التوقعات تشير لتراجع بنسبة 1% على أساس سنوي إلى 59% قبل عملية طوفان الأقصى، وفق صحيفة “غلوبز”.

كما أظهرت بيانات رسمية أن عجز الميزانية من المتوقع أن يرتفع من 2.25% إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري.

ووفق هذه البيانات يقدر الأثر المالي للحرب بنحو 150 مليار شيكل (40.25 مليار دولار) الفترة 2023-2024 بافتراض انتهاء الحرب في الربع الأول من العام الجاري.

إخفاء الخسائر

ولفت الخبير الاقتصادي عايش إلى أن حكومة نتنياهو تخفي حقيقة خسائرها الاقتصادية لكي لا تشوش على مجريات المعركة في قطاع غزة، إلا أن وسائل الإعلام الغربية -لا سيما الأميركية- نشرت مؤخراً حقيقة الخسائر التي تكبدها الاحتلال منذ ما يزيد على 100 يوم من العدوان على قطاع غزة.

يأتي هذا -حسب عايش- على الرغم من أن موازنة إسرائيل للعام 2023 -قبل الحرب- بلغت 130 مليار دولار، وهي أضخم موازنة في تاريخها، غير أنّها اضطرّت مع اندلاع الحرب إلى إقرار موازنة مُلحَقة بـ8.1 مليارات دولار، لتلبية حاجات الحرب العسكريّة، مما سيؤدّي إلى ارتفاع العجز المالي إلى3.7% من النّاتج المحلّي العام الماضي، ثمّ إلى 5% عام 2024.

وأوضح أنه رغم تخصيص البنك المركزي الإسرائيلي 45 مليار دولار لحماية سعر صرف الشيكل، فقد تدهوَرت قيمته، مُسجلاً أطول سلسلة خسائر منذ 39 عاما، بينما بلغت خسارة المركزي 7.3 مليارات دولار من احتياطياته من العملات الأجنبيّة.

يشار إلى أن محافظ بنك إسرائيل المركزي كان قد قدر تكلفة الحرب على غزة بنحو 210 مليارات شيكل (56 مليار دولار) للدفاع والتعويضات للذين نزحوا من بيوتهم في الجنوب، بسبب عمليات المقاومة الفلسطينية أو الشمال بسبب الصواريخ التي تستهدفهم من لبنان.

شاركها.
Exit mobile version