أجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن مؤتمر الرياض يمثل تحولا في المقاربة العربية والدولية تجاه سوريا، مع تباين بين الدعم العربي غير المشروط والموقف الغربي المشترط تخفيف العقوبات بإصلاحات سياسية.

وكان الاجتماع الوزاري الذي استضافته الرياض قد خرج بتوافق عربي ودولي على دعم سوريا والسعي لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

وأكد البيان الختامي للاجتماع على دعم الشعب السوري وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة المهمة من تاريخه ومساعدته في إعادة بناء سوريا دولة عربية موحدة مستقلة وآمنة لكل مواطنيها لا مكان فيها للإرهاب ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت.

وأكد الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، أن أهمية المؤتمر تكمن في 3 عوامل رئيسية: سرعة انعقاده، وحضور وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني، وطبيعة الدعم العربي غير المشروط.

استجابة سريعة

وأوضح -خلال فقرة التحليل السياسي “مسار الأحداث” أن انعقاد المؤتمر بهذه السرعة، وبحضور دول عربية عديدة خاصة دول الجوار السوري والخليج ومصر، إضافة إلى دول أوروبية والولايات المتحدة، يعكس استجابة سريعة للمبادرات التي قدمتها الإدارة السورية الجديدة.

ومن جهته، لفت الكاتب والباحث السياسي، الدكتور مؤيد غزلان القبلاوي، إلى أن الانطباعات الأولية التي ظهرت من وزير الخارجية السوري كانت إيجابية جدا، معتبرا أن المؤتمر يمثل محاولة مهمة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي والدول العربية الحاضرة لإعادة إدماج سوريا في حضنها العربي.

وحول الرسائل التي حملها المؤتمر يرى الكاتب والباحث السياسي، أحمد الهواس، أن هناك رسالتين واضحتين في هذا اللقاء: الأولى عربية على لسان السعودية بتقديم دعم غير محدود وغير مشروط للسوريين، والثانية غربية على لسان وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تتحدث عن رفع تدريجي أو “ذكي” للعقوبات.

وفيما يتعلق بملف العقوبات، أوضح مكي أن هناك حاجة ملحة لمعالجة الوضع الاقتصادي في سوريا، مشيرا إلى أن الدول العربية يمكنها المساهمة عبر طريقتين: الأولى تتمثل في الدعم الاقتصادي المباشر لمواجهة النقص في الاحتياجات الأساسية، والثانية عبر استخدام النفوذ العربي، خاصة دول الخليج، في التعامل مع الغرب لخلق استثناءات من العقوبات.

تلبية المطالب

وحول موقف الإدارة السورية من الشروط الأوروبية، أكد القبلاوي أنه لا توجد مشكلة في تلبية المطالب المتعلقة بتشكيل حكومة شاملة وتمثيل المرأة، مشيرا إلى الخطوات التي اتخذتها الإدارة في هذا الاتجاه، لكنه حذر من أن العملية السياسية تحتاج وقتا أطول مما تتطلبه الضرورة الملحة لرفع العقوبات.

وفيما يخص عدم ذكر قرار مجلس الأمن رقم 2254 في البيان الختامي، اعتبر الخبراء أن ذلك يمثل تطورا إيجابيا يعكس تفهما للواقع الجديد في سوريا، وأشار الهواس إلى أن القرار لم يعد ذا صلة بعد سقوط النظام السابق، مؤكدا أن المرحلة الحالية تتطلب التركيز على إعادة البناء وتلبية احتياجات الشعب السوري.

ووفقا للقبلاوي فإن الأمم المتحدة ينتظرها دور مستقبلي يتمثل في ضرورة تركيز المنظمة الدولية على جانبين: الأول يتعلق بالضغط على الدول الأوروبية لرفع العقوبات، والثاني يتصل بمساعدة اللاجئين السوريين وتفعيل عودتهم، خاصة في ظل انخفاض الاستجابة للتبرعات والمساعدات الدولية.

وفي السياق، أشار مكي إلى أن التحديات المستقبلية تشير إلى أن الدول العربية، وخاصة مجلس التعاون الخليجي، تبدي استعدادا كبيرا للمساهمة في إعادة إعمار سوريا.

وأوضح أن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون على هامش مؤتمر الرياض وقرارهم إقامة مؤتمر للمانحين يعد مبادرة متقدمة ومبكرة، معربا عن توقعه أن تكون دول الخليج من أكبر المانحين.

الموقف الأوروبي

وفيما يتعلق بالموقف الأوروبي، لفت الهواس إلى أن العقوبات لم تعد أخلاقية، خاصة بعد سقوط النظام السابق، متسائلا عن جدوى استمرار معاقبة الشعب السوري الذي كان ضحية للنظام السابق، وأشار إلى أن الموقف الأوروبي يعكس حالة من عدم الثقة بالنظام الجديد بسبب “خلفياته الدينية”.

وحول الموقف الأميركي، أوضح مكي أن واشنطن تمثل العامل الأهم في مسألة العقوبات، مشيرا إلى أن أي تخفيف للعقوبات الأميركية، خاصة في مجال التعاملات والتحويلات المالية، سيؤدي تلقائيا إلى تخفيف الموقف الأوروبي، ورأى أن احتمالات تخفيف العقوبات قد تزداد مع وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة.

ومن ناحية أخرى، أشار القبلاوي إلى أن الإدارة السورية الحالية تعمل بجد فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب، وأكد أنها تواصل جهودها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرا إلى السجل التاريخي لهيئة تحرير الشام في مواجهة التنظيم في مناطق مختلفة من سوريا، لافتا إلى أن وجود حكومة قوية في دمشق سيكون له أثر كبير في مكافحة الإرهاب.

ولضمان نجاح مستقبل العملية السياسية، دعا الهواس إلى ضرورة الإسراع في اعتماد إعلان دستوري أو اعتماد دستور 1950 كمرحلة مؤقتة، مع إضافة مقدمة تتناسب مع الوضع الحالي، ريثما يتم وضع دستور جديد يعرض على الشعب السوري.

شاركها.
Exit mobile version