على أعتاب دخول شهر رمضان المبارك، تتوجّه الأبصار ناحية السماء جهة الغرب في فترة الغسق، حيث تسقط الشمس خلف الأفق ويبدأ نورها بالتلاشي أمام جموح عتمة الليل. وفي تلك اللحظات الحرجة، ولوقت محدود للغاية، يقتفي الناس أثر الهلال النحيل لإعلان دخول شهر رمضان تبعا لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام “صُوموا لرؤيته وأفطِرُوا لرؤيته”.

وتكمن صعوبة رؤية الهلال في موقعه عند الأفق، إذ لا يتجاوز درجات محدودة قبل أن يختفي مجددا، كما لا تمنح المدن العصرية فرصا كبيرة لعملية الرصد بسبب الغبار والتلوث الضوئي الناتج عن النشاط البشري المتزايد.

هذا بالإضافة إلى أنّ القمر بعد أن يكون مُحاقا -وهو مبتدأ أطوار القمر ومنتهاها- يبدأ بالدخول في طور الهلال المتزايد، وهو ما يعتمده المسلمون إيذانا بدخول الشهر المبارك، إلا أنّ رؤيته بالعين المجرّدة لا تعد دائما عملية سهلة بسبب ضآلته الشديدة، لذا تستعين أغلب المراصد الإسلامية اليوم بتلسكوبات ومناظير لتسهيل العملية.

والقمر بطبيعته لا ينتج الضوء، بل يعكسه، تماما كالأرض، فكلاهما جسمان صخريان، وأطوار القمر هي دورة كاملة تحدث كلّ 29 يوما تقريبا، وذلك بسبب حركة الجرم السماوي في مسارٍ بيضاوي حول الأرض وسقوط أشعة الشمس عليه.

ويكون القمر بدرا حينما يكون ممتلئا كلّه بنور الشمس، ويكون الجانب القريب منه مضاء بأكمله، وهو ما يعني أن تكون الأرض في موقع ما بين القمر والشمس. وعلى النقيض حينما نشهد ولادة جديدة للقمر؛ أن يكون محاقا، فإنّ القمر حينها يكون بين الأرض والشمس.

ومع مرور الوقت يأخذ ضوء الشمس الساقط على الجانب المقابل من القمر بالازدياد نظرا لموقعه في سماء الأرض حتى يصبح بدرا، وهي ليلة النصف من الشهر القمري. وبعد ذلك يبدأ النور بالتقلّص، ويعود قرص القمر أدراجه هلال متناقصا ثمّ محاقا. وتمتد فترة الهلال سواء أكانت في بداية الشهر القمري أم في نهايته نحو 6 أيام.

ظاهرة “وهج الأرض” تسهل العثور على القمر إذ يعكس ضوء الأرض الجزء المظلم حينما يكون القمر هلالا (شترستوك)

رصد هلال رمضان

ثمّة العديد من التطبيقات اليوم على جميع الهواتف الذكية لتحديد مسار القمر في سماء الأرض، مرفقة بالأوقات والتواريخ وكافة التفاصيل عن حالته وطوره.

وعملية رصد هلال رمضان لا تقتصر على أحد، فالسماء بكل ما فيها متاحة للجميع، لذا يمكن التحضير جيدا لرصد الهلال باتباع بعض النصائح المفيدة للحصول على أفضل نتيجة ممكنة.

ونظرا إلى أنّ المنظار أو التلسكوب (المقراب) يعمل بكفاءة أعلى من العين المجرّدة في عمليات رصد الأجرام السماوية، سيُفضّل استخدام إحدى هذه الآلات البصرية، بالإضافة إلى أنه ثمّة تلسكوبات حديثة اليوم تعمل بتوجيه آلي لرصد القمر، فتتحرّك العدسة مع حركة القمر في السماء من لحظة صعوده تحت الأفق حتى ابتعاده مجددا. ويُفضل أن تكون شاشة على الأقل مربوطة بالتلسكوب لفحص جميع الصور الملتقطة.

كما أنّ الأماكن النائية والبعيدة عن ضوضاء المدينة ستكون خيارا مثاليا للغاية، بالإضافة إلى اعتماد أسطح الأبنية أو رؤوس التلال والمرتفعات لتجاوز أيّ عقبة تفصل بين الناظر والأفق.

وربّما تساعد ظاهرة فلكية يطلق عليها الفلكيون “وهج الأرض” في العثور على الهلال، وذلك بسبب انعكاس ضوء الأرض على القمر، وتحدث هذه الظاهرة لأنّ الأرض تعمل عمل مرآة عملاقة تعكس ضوء الشمس على جانب القمر غير المضاء. وكثيرا ما يظهر توهجٌ خافت على الجزء المظلم من سطح القمر، ويكون هذا التأثير أكثر وضوحا عندما يكون الهلال رفيعا.

شاركها.
Exit mobile version