تشهد أفريقيا في الشهور الأخيرة حملات استمالة وضغط من بعض دولها التي تسعى إلى ترشيح أبنائها في الانتخابات المقبلة في فبراير/شباط 2025 لانتخاب رئيس جديد لمفوضية الاتحاد الأفريقي، حيث تنتهي الفترة الحالية والأخيرة لرئيس المفوضية الحالي، الدبلوماسي التشادي موسى فكي، في أوائل العام المقبل.

وتأتي هذه التحركات بعد شهور من انتخاب الرئيس الموريتاني محمد الغزواني رئيسًا جديدًا للاتحاد لعام 2024، خلال الدورة العادية السابعة والثلاثين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، والتي وقعت في فبراير/شباط الماضي 2024، في أديس أبابا، وذلك خلفًا للرئيس القُمري غزالي عثماني، الذي شغل المنصب لعام 2023.

وقد أثارت هذه التطورات تساؤلات عن أهمية الاتحاد الأفريقي في حلّ التحديات الأفريقية ودور رئاسته في الانقسامات الداخلية والخلافات الجارية في مناطق القارّة المختلفة، إضافة إلى أسباب تناقض بعض مواقفه في القضايا الدولية.

رئيس الاتحاد الأفريقي.. في البحث عن الأدوار

يقود الاتحاد الأفريقيّ رئيسان مختلفان؛ الأول هو رئيس الاتحاد الأفريقي (منصب شرفي يشغله رئيس دولة)؛ والثاني هو رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الذي يعتبر الرئيس الحقيقي للكتلة القارية، وذلك لقيادته الفرع التنفيذي والإداري للمنظمة. ورغم اختلاف المنصبين فإن مهامهما تتداخل أحيانًا، ما أدّى إلى مقترحات بإلغاء المنصب الأول (رئيس الاتحاد الأفريقي) أو إنشاء مكاتب اتصال وربط بين المنصبين لتفادي التوتر والاحتكاك الذي يحدث أحيانًا بين شاغلَيْهما.

ورغم أن منصب رئيس الاتحاد الأفريقي لا يحمل قيمة كبيرة من الناحية التنفيذية، فإن عمليات التنصيب له غالبًا ما تتسم بالتوترات الخفية والمنافسات، والتي كانت آخرها في بداية هذا العام عندما سعى كل من المغرب والجزائر إلى المنصب، وأدّى الصراع إلى حظر انتخاب رئيس جديد للكتلة القارية لفترة طويلة.

وتكمن أسباب التوتر والمنافسات في حقيقة أن رئيس الاتحاد الأفريقي قادر على التأثير في الدول الأفريقية المختلفة الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، وأن بعض أدواره مرتبطة بعلاقات أفريقيا مع العالم، مما يتيح لشاغل المنصب تنفيذ أجندات دولته والاتحاد الأفريقي في آن واحد.

وعلى سبيل المثال: يتولى شاغل المنصب رئاسة اجتماعات القمة نصف السنوية لمؤتمر الاتحاد الأفريقي، ويساعد في حلّ الأزمات في القارة، كما يمثل أفريقيا في محافل دولية، مثل: منتدى التعاون الصيني الأفريقي، ومؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا، وقمة مجموعة السبع، وقمة مجموعة العشرين التي انضم إليها الاتحاد الأفريقي في سبتمبر/أيلول 2023.

وتلاحظ إمكانات المنصب في بعض أحداث الاتحاد الأفريقي إبان فترات ثلاثة رؤساء مختلفين، هم: الرئيس الرواندي بول كاغامي (الذي تولى رئاسة الاتحاد الأفريقي بين 28 يناير/كانون الثاني 2018 و 10 فبراير/شباط 2019) والرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (الذي تولى المنصب من 6 فبراير/شباط 2021 إلى 5 فبراير/شباط 2022)؛ والرئيس السنغالي ماكي سال (الذي شغل المنصب من 5 فبراير/شباط 2022 حتى 18 فبراير/شباط 2023).

في تلك الفترات شهد الاتحاد الأفريقي إنجازات نتجت عن الإصلاحات الداخلية التي قادها الرئيس الرواندي كاغامي تحت رئاسته، مثل: تعيين فريق إداري ومديرين جدد، وتقليص عدد أقسام مفوضية الاتحاد الأفريقي، وتحقيق التوازن في تمثيل الجنسين والمناطق الأفريقية على مستوى القيادة، وإطلاق نظام توظيف قائم على الجدارة، مع مراجعة مهارات جميع الأقسام وتقييم كفاءتها، وإنشاء صندوق السلام التابع للاتحاد الأفريقي لتمويل أنشطة السلام والأمن التي أُطْلِقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وشهدت فترة رئاسة الرئيس السنغالي سال تطورات ملموسة بشأن علاقات أفريقيا مع المنظمات الدولية؛ إذ دعا سال إلى منح أفريقيا مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ودفع باتجاه عدم انحياز الاتحاد الأفريقي في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، واستغلّ زيارته إلى سوتشي للتفاوض بشأن تصدير الحبوب الأوكرانية إلى أفريقيا.

كما طرح موقف أفريقيا من تحديات الأمم المتحدة، ومارس ضغوطًا على الدول الرئيسية في مجموعة العشرين، مثل: الولايات المتحدة، واليابان، وفرنسا، لدعم طلب أفريقيا بزيادة مشاركتها في المجموعة، الأمر الذي عزز حصول الاتحاد الأفريقي على مقعد فيها.

ومع ذلك، شهدت فترات الرؤساء الثلاثة أحداثًا تفاقم بعض التحديات التي يواجهها الاتحاد الأفريقي، وتراجعه عن بعض مواقفه في القضايا الدولية. وعلى سبيل المثال: هناك من رأى دورًا لرئاسة كاغامي في عودة علاقات إسرائيل مع بعض الدول الأفريقية في السنوات القليلة الماضية، واختراقها لاحقًا للاتحاد الأفريقي تحت رئاسة الرئيس الكونغولي تشيسكيدي.

وفي المنوال نفسه؛ تعرضت رئاسة ماكي سال للاتحاد الأفريقي لانتقادات حول فشلها في التعامل مع مخاوف السلام والأمن في أفريقيا، مثل: محاولاته غير الفعالة للتعامل مع تأزم العلاقات بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن أزمة شرق الكونغو، والتوترات بين ساحل العاج، ومالي بشأن الجنود العاجيين المعتقلين، والتنافس بين كينيا وجزر القمر في عام 2021، والمنافسة المستمرة بين الجزائر والمغرب، والتي كان لجميعها تأثيرات سلبية على فاعلية رئاسة الاتحاد الأفريقي ومكاتب مختلفة.

مفوضية الاتحاد الأفريقي: المصالح الشخصية في مواجهة الكفاءات

مفوضية الاتحاد الأفريقي بمثابة الأمانة التنفيذية للاتحاد، وتعكس الهيكل التنظيمي له، كما تدافع عن أهدافه تحت رعاية اللجنة التنفيذية ومؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأفريقية. ويلعب رئيس المفوضية – أعلى مسؤول في الاتحاد الأفريقي – دورًا هامًا في ضمان استمرارية العمل في الكتلة القارية، ويتحمّل المسؤولية الكاملة عن إدارة المفوضية وماليتها، وخاصة أنه يُختَار في المنصب كل أربع سنوات لفترة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وهذا بخلاف رئيس الاتحاد الأفريقي الذي يشغل منصبه الشرفي لفترة ولاية مدتها عام واحد فقط.

على أن مفوضية الاتحاد الأفريقي غالبًا ما تتأرجح بين مصالح رئيسها وحلفائه وطموحات الأطراف الخارجية غير الأفريقية التي تموّل عددًا من أنشطة الاتحاد الأفريقي ومفوضيته. ولذلك تحتدم التحركات الإقليمية لنيل رئاسة المفوضية لما أدركه رؤساء الدول الأفريقية من قوة المنصب وقدراته في تعزيز مصالح دولة شاغله، لتصبح سياسات الاتحاد الأفريقي الخارجية أحيانًا نسخة طبق الأصل من سياسات دولة رئيس المفوضية.

ويلاحظ ما سبق في الفترات التي قضاها كل من السياسية الجنوب أفريقية “نكوسازانا دلاميني زوما” والدبلوماسي التشادي “موسى فكي” على رأس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والتباين الحادّ في توجهاتهما؛ فالأولى – أي “نكوسازانا” – تولت المنصب بين أكتوبر/تشرين الأول 2012 ويناير/كانون الثاني 2017، واستغرقت عملية انتخابها ثلاث جولات من التصويت وممارسات الضغوط الشرسة من جانب الحكومة في جنوب أفريقيا، والتي أدت لاحقًا إلى استياء شديد تجاهها من جانب الدول الأفريقية الفرنكوفونية المؤيدة للدبلوماسي الغابوني “جان بينغ” لولاية أخرى.

وقد مثّلت أثناء رئاستها سياسات بلادها جنوب أفريقيا، وعززت موقف الاتحاد الأفريقي التقليدي الداعم للفلسطينيين والذي يتطابق مع موقف بلادها الرسمي، مؤكدة أثناء الحرب على غزة في يوليو/تموز 2014، أن المنظمة القارية تدعم “بشكل كامل” استعادة الفلسطينيين “حقهم المشروع في إقامة دولة مستقلة تتعايش بسلام مع دولة إسرائيل”.

أما “موسى فكي”، فقد تولى المنصب خلفًا لـ “نكوسازانا دلاميني زوما” في أعقاب انتخابات شهدت منافسة حامية الوطيس، وانضم إلى سباق انتخابات رئيس المفوضية في الجولة الثانية فقط، ليظهر فجأة كمرشح توافقي لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية؛ نتيجة ممارسات الضغط والتحالفات من رئيس دولته الراحل إدريس ديبي الذي كان يرأس الاتحاد الأفريقي آنذاك، ولكون “موسى” نفسه يرأس آنذاك المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي بصفته وزير الخارجية التشادي، إضافة إلى مساهمات تشاد بقوات في عمليات حفظ السلام المختلفة، وغيرها من المشاركات العسكرية الأفريقية.

ورغم إنجازات “موسى فكي” كرئيس المفوضية؛ فإنه متهم بلعب أدوار في تناقض مواقف الاتحاد الأفريقي من بعض القضايا الدولية، وتراجع دعم الاتحاد الأفريقي للقضية الفلسطينية. بل كان موقف دول أفريقية كثيرة – بما في ذلك جنوب أفريقيا – أن قرار “موسى فكي” بمنح إسرائيل صفة المراقب في الاتحاد الأفريقي في يوليو/تموز 2021 كان أحاديًا.

وكان قراره يتوافق مع تحركات بلاده تشاد التي استأنفت علاقاتها مع إسرائيل في عام 2016، وزار رئيسها السابق إدريس ديبي إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مع إعلان تأسيس علاقات دبلوماسية في عام 2019 خلال زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تشاد.

وفي حين أنّ “موسى فكي” دافع عن قراره فيما يتعلق بإسرائيل، قائلًا: إنه اتبع النهج القانوني للكتلة القارية، وأن معظم الدول الأفريقية تعترف بإسرائيل وتتعامل معها تجاريًا؛ إلا أنه أذعن للانتقادات المكثفة والاحتجاجات ضده بإعلان تعليق صفة المراقب الممنوحة لإسرائيل في فبراير/شباط 2023.

إن ما سبق يفسر أيضًا بشكل أكبر أسباب الحملات التي تجريها كينيا في الشهور الأخيرة لكسب دعم رؤساء ومسؤولين كبار من مختلف أنحاء شرق أفريقيا لترشح السياسي الكيني “رايلا أودينغا” لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي. وهذه الممارسات والضغوطات تضع الكفاءات اللازمة لهذا المنصب في مواجهة المصالح الشخصية لدولة رئيس المفوضية.

بل وتتعرض هياكل مفوضية الاتحاد الأفريقي لانتقادات من قبل الدعاة إلى المزيد من إصلاحها لتحقيق الفاعلية. وقد أشار معهد الدراسات الأمنية في مارس/آذار 2024 إلى أن إجراءات التدقيق من المهارات وتقييم الكفاءة المتبعة في مفوضية الاتحاد الأفريقي لم تكن كافية، كما تشعر بعض الدول الأفريقية بأن نتائج الإجراءات يُتَلاعب بها لاستبعاد مواطنيها، الأمر الذي أدى إلى تعقيد العلاقات العملية بين المفوضية ولجنة الممثلين الدائمين التي تدير الأعمال اليومية للاتحاد الأفريقي، نيابةً عن جمعية الاتحاد الأفريقي والمجلس التنفيذي.

الاتحاد الأفريقي ودوره الباهت في الأزمات الإقليمية

يؤكد دور الاتحاد الأفريقي الباهت في القائمة الطويلة من الأزمات ضعفَ فاعلية المنظمة القارية في السياقات الإقليمية. وكثيرًا ما تحاول قيادته، وخاصة رئيس المفوضية، النأي بأنفسهم عن الملفات الحساسة والقضايا الصعبة التي قد تضعهم في مواجهات مع رؤساء الدول الأفريقية التي تشترك في الأزمات.

ويمكن استشعار أسباب الضعف أيضًا في كثرة التكتلات والمجتمعات الاقتصادية الإقليمية، مما يعزز الانقسامات ويقلل من الجهود، مع تكرار غير مبرر أحيانًا للمهام والأدوار.

بل رغم كون الاتحاد الأفريقي منصة جماعية ووعاء قاريًا لتنسيق وتوحيد الصفوف بين الكتل الإقليمية اعترافًا بقرب هذه الكتل لدولها ولخصوصيات كل منطقة فيما يتعلق بالاحتياجات والأولويات الإقليمية؛ فإن الاتحاد الأفريقي نفسه لا يدعم سوى ثمانية فقط من تلك الكتل الإقليمية، وهي: اتحاد المغرب العربي؛ والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا؛ وتجمع دول الساحل والصحراء؛ ومجموعة شرق أفريقيا؛ والمجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا؛ والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا؛ والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية؛ ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي.

وتحكم علاقاتِ الاتحاد الأفريقي بالكتل الإقليمية (المعروفة في أوراق الاتحاد الأفريقي باسم “المجتمعات الاقتصادية الإقليمية”) أطرٌ تنظيمية تحدد أدوار الأطراف ومبادئها. كما يتبنى الاتحاد وهذه المجتمعات الاقتصادية الإقليمية قرارات وسياسات إستراتيجية لتسهيل التنسيق بين مؤسساتها وضمان الامتثال بالمعاهدات القارية. وهذا يعني أن للاتحاد الأفريقي تأثيرًا ضئيلًا على هذه الكتل والمجتمعات الإقليمية خارج الأطر التنظيمية والبروتوكولات.

يضاف إلى ما سبق أن تحركات الكتل الإقليمية تجعلها تبدو أكثر أهمية وقوة من الاتحاد الأفريقي نفسه من حيث التكامل والتنمية والتعاون العالمي، وخاصة أن هذه الكتل الإقليمية غير مستعدة لإخضاع مخاوفها ومبادراتها الإقليمية تحت المتطلبات الأساسية لنجاح الاتحاد الأفريقي.

ولعل خير مثال على هذا إنشاء ثلاث دول بغرب أفريقيا (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) تحالفَ دول الساحل مؤخرًا، حيث تركت هذه الدول تكتل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بينما لا تزال تبقي على عضوياتها في الاتحاد الأفريقي بسبب ضآلة ضغط الاتحاد وقلة تأثيره على هذه الدول الثلاث.

بالإضافة إلى أن الضعف من مفوضية الاتحاد الأفريقي أجبر بعض هذه الكتل الإقليمية على التدخل لإطلاق مبادراتها وتمويلها، مثل تدابير مكافحة الانفلات الأمني الإقليمي والإرهاب.

جدير بالذكر أن للاتحاد الأفريقي التزامات وأدوات مؤسسية طموحة يمكن تفعيلها للوساطة في الأزمات الأفريقية ولحفظ السلام؛ ولكن تنفيذها وتحقيق أقصى استفادة منها يفتقران إلى الإرادة السياسية والمالية، حيث تتطلع معظم الدول الأعضاء في الاتحاد إلى الداخل دون الاستعداد للتخلي عن بعض سيادتها من أجل اتحاد أفريقي أقوى، أو الاستثمار في القضايا الأفريقية كجماعة قارية موحدة.

بل قاومت الدول الأفريقية بعض إصلاحات الاتحاد الأفريقي التي أُطْلِقت تحت رئاسة الرئيس الرواندي كاغامي للاتحاد، مما ترك العديد من تلك الإصلاحات غير منفذة حتى الآن. كما رفضَ العديد من دول القارة اتباع عدد من قرارات جمعية الاتحاد الأفريقي.

وكل ذلك في النهاية يترك عملية صنع القرار والامتثال له بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي ضعيفة، كما يجعل المنظمة القارية عاجزة عن الاعتماد على الداخل الأفريقي لتمويل معظم برامجها، وبالتالي استمرار المنظمة في الرهان على المانحين الأجانب – مثل: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما – الذين يمولون النسبة الكبرى من ميزانياتها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version