تسببت سياسة الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيما يعرف بـ”يوم التحرير” في أبريل/نيسان الماضي بهزة كبيرة في اقتصادات آسيا، حيث تأثرت بشدة الدول المعتمدة على التصدير إلى الأسواق الأميركية، من حلفاء تقليديين كاليابان وكوريا الجنوبية، إلى اقتصادات ناشئة في جنوب شرق آسيا مثل فيتنام وتايلند وكمبوديا.
ووفق ما نقلته بي بي سي، كانت دول جنوب شرق آسيا من بين الأكثر تضررًا، بعدما واجهت تعريفات أولية بلغت 49% على بعض الصناعات الحيوية، خصوصًا الإلكترونيات والملابس والرقائق الإلكترونية. وعلى مدى الأشهر الماضية، سعت العديد من هذه الدول إلى التفاوض مع واشنطن قبل المهلة النهائية في 1 أغسطس/آب.
اليابان تتفادى الأسوأ ولاوس تدفع الثمن
وبحسب بي بي سي فقد نجحت اليابان وكوريا الجنوبية، وكلاهما من الحلفاء العسكريين الرئيسيين لواشنطن، في تقليص الرسوم من 25% إلى 15% عبر إرسال وفود تفاوضية إلى العاصمة الأميركية. وقد وصف ترامب الاتفاق مع اليابان في 22 يوليو/تموز بأنه “أكبر اتفاق تجاري في التاريخ”، في حين أُعلن رسميًا عن اتفاق مماثل مع كوريا الجنوبية في 30 يوليو/تموز.
أما تايوان، التي تعد من كبار مصدّري أشباه الموصلات، فقد شهدت خفضًا في الرسوم من 32% إلى 20%. غير أن الرئيس لاي تشينغ-تي قال إن النسبة الحالية “مؤقتة” وإن المفاوضات مع واشنطن لا تزال جارية، وسط غموض بشأن ما إذا كانت ستُفرض تعريفات قطاعية إضافية على صناعتها الإلكترونية.
وفي المقابل، لم تنجُ دول أخرى بالقدر نفسه. فقد ارتفعت الرسوم على نيوزيلندا من 10% إلى 15%، الأمر الذي وصفه وزير التجارة النيوزيلندي تود مكلِاي بأنه “عقوبة غير عادلة”، مضيفًا أن بلاده طلبت عقد اجتماع عاجل مع المفاوض الأميركي جيميسون غرير للطعن في القرار.
فيتنام تحدد السقف.. ولاوس وميانمار تدفعان الثمن
ومن بين دول رابطة آسيان العشر، كانت فيتنام أول من بادر للتفاوض، وتمكنت من تخفيض الرسوم من 46% إلى 20%. ورغم أن بعض التقارير تشير إلى أن هانوي لم توافق تمامًا على الأرقام التي أعلنها ترامب، فإنها عمليًا وضعت معيارًا تفاوضيًا لبقية دول المنطقة.
وبحسب القائمة المحدّثة، تواجه كمبوديا، إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، تايلند، وبنغلاديش وسريلانكا رسومًا تتراوح بين 19% و20%، في حين حُددت نسبة بروناي عند 25%. أما لاوس وميانمار، فقد نالتهما النسبة العليا تقريبًا، عند 40%، من دون تفسير واضح، وإن كانت الخبيرة ديبورا إلمز، مديرة سياسات التجارة في مؤسسة “هينريش”، رجّحت أن ضعف القدرة الشرائية، وقلّة الانفتاح التجاري، والعلاقات الوثيقة مع الصين كانت من بين أسباب رفع النسبة.
الصين والهند تحت المراقبة
ورغم غيابها عن الإعلان الأخير، لا تزال الصين تمثل العامل الأكبر في معادلة ترامب التجارية. فقد شهدت الأشهر الأخيرة تكثيفًا للمفاوضات بين واشنطن وبكين، بدءًا من لقاءات في جنيف في مايو/أيار، ثم لندن في يونيو/حزيران، وانتهاءً بجولة ستوكهولم الأخيرة هذا الأسبوع.
وترى مراسلة بي بي سي في شؤون الأعمال الآسيوية، سورنجانا تيواري، أن بكين تسعى لتمديد تعليق القيود الأميركية على صادرات التكنولوجيا، مقابل ضمان استقرار توريد المعادن النادرة إلى السوق الأميركية. في المقابل، تضغط واشنطن لخفض صادرات الفينتانيل، وتحسين فرص الشركات الأميركية، وزيادة مشتريات الصين من السلع والمنتجات الزراعية الأميركية، وتشجيع الاستثمارات الصينية في الداخل الأميركي.
وقد تم الاتفاق على تمديد الهدنة التجارية بين الطرفين لمدة 90 يومًا إضافية، بعد أن كانت ستنتهي في 12 أغسطس/آب.
أما الهند، التي لطالما وصفها ترامب بـ”الصديق الجيد”، فقد فُرضت عليها رسوم بنسبة 25%، إلى جانب “عقوبة غير محددة” على خلفية شرائها السلاح والطاقة من روسيا. ويُذكر أن النسبة المقترحة في أبريل/نيسان كانت 27%، قبل أن يتم تجميدها مؤقتًا.
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أوضح أن العلاقة الهندية الروسية لا تزال “نقطة توتر” في علاقات دلهي بواشنطن.
باكستان في موقع متقدّم
وفي جنوب آسيا، بدت باكستان الرابح الوحيد نسبيًا، حيث حُددت نسبة الرسوم على صادراتها بـ19%، وهي الأدنى في المنطقة. وتُعزى هذه المعاملة التفضيلية – بحسب بي بي سي – إلى تحسن العلاقات الثنائية، والتي وصلت حدّ قيام إسلام آباد بترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام في يونيو/حزيران الماضي.
وتتوقع إسلام آباد أن تحقق هذه الرسوم المنخفضة دفعة كبيرة لصناعة النسيج، التي تمثّل 60% من صادرات باكستان ومعظمها يتجه إلى السوق الأميركية. في المقابل، تواجه الهند وبنغلاديش وفيتنام تعريفات أعلى في القطاع ذاته، مما قد يمنح باكستان ميزة نسبية مؤقتة.
هوامش رئاسية ومرونة تنفيذية
وتشير الخبيرة ديبورا إلمز إلى أن الرسوم التي أُعلنت اليوم “ليست نهائية”، موضحة أن الأمر التنفيذي يمنح ترامب صلاحيات واسعة لتعديلها وفقًا للمستجدات. وقالت: “الرئيس يستطيع تغييرها كما يشاء، كما أعطى لوكالاته هامشًا واسعًا للتعامل مع العوائق التجارية بالأسلوب الذي تراه مناسبًا”.
ويظهر من سياسة ترامب التجارية الجديدة أن التوجه الأميركي لا يقوم فقط على اعتبارات اقتصادية، بل على استخدام التعريفات الجمركية أداة ضغط لتوجيه علاقات الولايات المتحدة التجارية والجيوسياسية، حتى مع أقرب الحلفاء.