“لست سعيدة بالقدر الكافي بعد الفوز، لأن الوضع العالمي لا يجعلني أشعر بالسعادة المطلقة، من الصعب رؤية أطفال ورضع يموتون كل يوم في غزة، هذا مؤلم كثيرًا، لذلك قررت التبرع بجزء من جائزتي المالية لمساعدة الفلسطينيين”.

لم تكن تصريحات أيقونة كرة المضرب التونسية أُنس جابر حول معاناة الفلسطينيين جراء الحرب في غزة، وذلك بعد لحظات من فوزها على التشيكية ماركيتا فوندروسوفا في نهائي بطولة المكسيك 2024، سوى صرخة قوية لإيقاظ ضمير العالم تجاه جرائم التجويع والمجازر المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ولا يزال قطاع غزة يعاني ويلات حرب الإبادة والتجويع التي تشنها إسرائيل والتي استفحلت في الأشهر الأخيرة ما تسبب في تفاقم الأوضاع التي كان الرياضيون من بين ضحاياها ليس فقط باستشهاد عدد من اللاعبين وإنما بتدمير المنشآت ما تسببت في حرمان الرياضيين من ممارسة أنشطتهم.

“أيقظوا ضمير الإنسانية”

وقبل أُنس جابر، كانت القضية الفلسطينية ولا تزال في صميم اهتمامات الرياضيين في تونس، إذ كانت حملات مشجعي أندية كرة القدم وشعارات لافتات “التيفو” التي تعلو مدرجات ملاعب كرة القدم واحدة من الوسائل التي نفذت إلى العالم لإيقاظ ضمير الإنسانية والتعبير عن مساندة التونسيين لأهالي غزة.

وأبدى عدد من مشاهير الرياضة في تونس مساندتهم اللامحدودة للرياضيين الفلسطينيين الذين يعيشون، تماما مثل المدنيين، أوضاعا صعبة زادها الحصار والتجويع والقتل تفاقما منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يعتبر نجم منتخب تونس والنادي الأفريقي السابق عادل السليمي أن الأوضاع التي يعانيها الفلسطينيون، سواء من الرياضيين أو سائر الشعب، باتت تسير نحو الكارثة الإنسانية والجريمة المكتملة الأركان، التي دفع الآلاف حياتهم ثمنا لها.

عادل السليمي لاعب فريق الأفريقي ومدربه السابق (فيسبوك)

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال السليمي، مدرب الأفريقي السابق: “لم يعد الشك يساور أحدا بأن ما يحدث للرياضيين الفلسطينيين وللشعب بوجه عام هو من أبشع الجرائم الإنسانية، مساندتنا التامة للفلسطينيين دوافعها إنسانية وهي بعيدة عن أي انتماءات دينية أو قومية أو غيرها”.

وتابع السليمي: “لا بد من وقف الحصار على الفلسطينيين وفك عزلتهم ومعاناتهم من الجوع والقصف والدمار منذ أكثر من عامين، الفلسطينيون من حقهم ممارسة الرياضة في أجواء آمنة والمشاركة في المسابقات الدولية باسم دولتهم فلسطين”.

ويعتقد اللاعب السابق أن ما يحدث من قتل وتجويع للشعب الفلسطيني هو صورة قاتمة تدعو بشكل عاجل إلى إيقاظ الضمير الإنساني ووضع حد لمعاناة الأبرياء من الأطفال على وجه الخصوص، والرياضيين كفئة ترزح تحت وطأة الحرب، وفق قوله.

قضية الشعب الفلسطيني عادلة

من جهته، قال البطل العالمي والأولمبي في رياضة السباحة أسامة الملولي للجزيرة نت: “لا يمكنني أن أتحدث عن معاناة الرياضيين الفلسطينيين وسط الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي دون أن أستنكر صور المجازر التي ترتكب في حق الأطفال خصوصا بعد تفاقم أزمة المجاعة وفقدان الغذاء في قطاع غزة”، وفق المتحدث.

ويعتبر الملولي، صاحب ذهبيتي السباحة في أولمبياد بكين 2008 ولندن 2012، أن “العالم مطالب الآن وبشكل عاجل أن يتخذ موقفا موحدا وعادلا تجاه ما يجري من مجازر، حق الفلسطينيين في العيش في دولة حرة وحق الرياضيين في ممارسة أنشطتهم والمشاركة في المنافسات الدولية بات أمرا ضروريا، لأن قضيتهم عادلة ومعاناتهم تشتد وسط صمت مريب”.

Oussama Mellouli أسامة الملولي
أسامة الملولي صاحب ذهبيتي السباحة في أولمبياد بكين 2008 ولندن 2012 (الفرنسية)

وقال البطل الأولمبي السابق: “نحن في تونس نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، سواء من الرياضيين أو غيرهم لأن وجعهم هو وجع الشعب التونسي، ومعاناتهم هي معاناتنا، ما يحدث هو كارثة إنسانية، أتمنى أن تصل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وأن يتم فتح معبر رفح لتخفيف وطأة معاناة السكان”.

وكشف الملولي من جهة أخرى، أن “من حق الفلسطينيين سواء من الرياضيين في فلسطين الخروج من الحصار المفروض عليهم والعيش في دولتهم وعاصمتها القدس”، وفق قوله.

وتسببت مجازر جيش الاحتلال في قتل وتشريد الكثير من الرياضيين الفلسطينيين وحرمانهم من التدرب واللعب في بيئة آمنة، وتهجيرهم خارج وطنهم.

ووفقا لمعطيات من اللجنة الأولمبية الفلسطينية، قتلت قوات الاحتلال ما يفوق 800 رياضي فلسطيني منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، مشيرة إلى أن عدد الجرحى والمعتقلين من الرياضيين يناهز الـ60 شخصا.

ووفقا للمصادر ذاتها، يأتي من بين الشهداء 418 شخصا من المنتسبين للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بينهم 97 طفلا، و243 شهيدا من اللجنة الأولمبية الفلسطينية، و117 من الكشافة الفلسطينية وغيرهم.

كما استُشهد 11 رياضيا خلال الأسبوع الثاني من شهر يوليو/تموز الجاري، ليرتفع عدد شهداء الرياضة منذ بداية الشهر إلى 27 شهيدا، أي بمعدل شهيدين يوميا.

درس في الصمود والتحدي

بدوره، وصف البطل الأولمبي التونسي فراس القطوسي ما يعيشه الشعب الفلسطيني والرياضيون في غزة بأنه “درس في البطولة والتحدي والصمود، رغم ما تختزله الصور التي نشاهدها من معاناة وأوضاع مأساوية تزداد حدتها يوما بعد يوم”.

ويتواصل فراس القطوسي الفائز بالميدالية الذهبية في التايكواندو خلال الألعاب الأولمبية 2024 الصيف الماضي في باريس، مع عدد من الرياضيين الفلسطينيين، مشيرا إلى أنه رصد خلال مشاركته في الأولمبياد الماضي قصصا أليمة لا فقط عن معاناة الرياضة والرياضيين في فلسطين المحتلة، وإنما أيضا عن الدمار الذي خلّفته الحرب على الأطفال والمدنيين.

فراس القطوسي (وسط) الفائز بالميدالية الذهبية في التايكواندو خلال أولمبياد 2024 (الفرنسية)

ويقول القطوسي للجزيرة نت: “حان الوقت ليرفع العالم صوته عاليا ضد المجازر التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني الذي تتفاقم أوضاعه وتزداد معاناة مختلف القطاعات فيه ومن بينها الرياضة، سمعت قصصا مؤلمة عن ظروف تدريب الرياضيين هناك وحرمانهم من أبسط حقوقهم والقضاء على المنشآت الرياضية، ما يحدث من مجازر بات بمثابة العار على الضمير الإنساني ولكنه يشكل في المقابل درسا في الصمود والتضحية من أجل استعادة الحق”.

وكان عدد من الرياضيين التونسيين التقوا عام 2024 السفير الفلسطيني في تونس وتطرقوا إلى الأوضاع المتفاقمة في قطاع غزة ومعاناة الأطفال والشباب والرياضيين نتيجة الدمار الذي تسبب فيه العدوان الإسرائيلي.

وأكدت حبيبة الغريبي، البطلة الأولمبية التونسية السابقة للجزيرة نت أنه “خلال اجتماعنا بالسفير الفلسطيني في تونس كان وضع الرياضة في فلسطين ومعاناة الرياضيين بعد تفاقم الأوضاع في غزة محور الاهتمام، الشعب التونسي كان ولا يزال سندا كبيرا للفلسطينيين ولم يتردد في التعبير عن مساندته لأهل غزة، لكن الآن حان الوقت ليحصل الشعب على حقه وأن يتدرب الرياضيون ويخوضون المنافسات في مناخ آمن وحرّ”.

حبيبة الغريبي بطلة أولمبية في ألعاب القوى (أسوشيتد برس)

تقول بطلة أولمبياد 2012 في ألعاب القوى: “على اللجنة الأولمبية الدولية التدخل لمنح الرياضيين الفلسطينيين الحق في إجراء معسكرات تحضيرية آمنة بعيدا عن خطر العدوان، كل الهياكل الرياضية الدولية من اتحادات دولية لمختلف الرياضات مطالبة بإنصاف الرياضيين الفلسطينيين، سمعت عن قصص مؤلمة ولكنها مليئة بروح التحدي والصمود، لكن في الوقت نفسه لا بد من أن يصحو ضمير الإنسانية وأن تتوقف المجازر في قطاع غزة لا فقط في حق الرياضيين وإنما أيضا لكل المدنيين”.

وكانت مصادر في اللجنة الأولمبية الفلسطينية كشفت أن التدمير الكلي أو الجزئي بسبب العدوان الإسرائيلي طال نحو 286 منشأة رياضية، بينها 146 منشأة تتبع اتحاد كرة القدم، منها 133 في قطاع غزة و13 في الضفة الغربية، و135 تتبع اللجنة الأولمبية و5 تتبع الكشافة الفلسطينية.

شاركها.
Exit mobile version