في تطور كبير في مجال أبحاث الكواكب الخارجية، اكتشف علماء الفلك باستخدام التلسكوب العملاق التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي كوكبا جديدا يدور حول نجم برنارد أقرب نجم منفرد إلى شمسنا.

وتمثل النتائج، كما هو مفصل في دراسة نشرت في دورية “أسترونومي أند أستروفيزيكز” العلمية، أول اكتشاف مؤكد لكوكب يدور حول هذا النجم القريب، مما يجعله أحد أقرب الكواكب الخارجية المعروفة إلى الأرض بشكل عام.

ويمثل هذا الاكتشاف خطوة حاسمة في سبيل استكشاف العوالم القابلة للحياة المحتملة خارج النظام الشمسي ويوضح الدقة المتزايدة لتقنيات اكتشاف الكواكب الخارجية.

وإليك فيديو قصير من وكالة الفضاء الأوروبية يوضح تصور العلماء لشكل الكوكب المكتشف حديثا:

Animation of a sub-Earth-mass planet orbiting Barnard’s star

نجم برنارد

يقول هشام بن يحيى، نائب رئيس الجمعية التونسية لعلوم الفلك، في حديث خاص مع الجزيرة نت، إن نجم برنارد “هو نجم صغير منخفض الكتلة يقع على بعد 6 سنوات ضوئية من الأرض في كوكبة الحواء، الكوكبة الـ13 في دائرة البروج. وهو رابع أقرب نجم إلى الشمس بعد نظام النجوم الثلاثي قنطورس الأقرب وألفا قنطورس أ و ب، وأقرب نجم في سماء النصف الشمالي للكرة الأرضية”.

ويضيف بن يحيى أن “هذا النجم الذي يبلغ عمره نحو 10 مليارات سنة (ضعف عمر شمسنا) يعد من فئة الأقزام الحمراء. درجة حرارته منخفضة نسبيا وتبلغ 2500 درجة مئوية وهي نصف درجة حرارة الشمس تقريبا”. وبفضل قربه من الأرض وموقعه الملائم للمراقبة، استأثر النجم باهتمام العلماء الذين أنجزوا عديدا من الدراسات للبحث عن كواكب تدور في فلكه.

وقد نجح هذا النجم الصغير في إخفاء تابعه المكتشف حديثا عن أعين العلماء لفترة طويلة. وحسب بيان نشر على موقع المرصد الأوروبي الجنوبي، فإن الكوكب الذي أطلق عليه اسم “برنارد بي”، يدور في مدار قريب جدا من نجمه وهو أقرب إليه 20 مرة من قرب كوكب عطارد من الشمس، وتبلغ المدة التي يستغرقها للقيام بدورة كاملة نحو 3.15 أيام أرضية. بمعنى أن سنة واحدة على الأرض تساوي نحو 116 سنة على هذا الكوكب.

أما بالنسبة للكوكب، فرغم قربه من نجمه الأم، فإن درجة حرارة سطحه (125 درجة مئوية) تعد أبرد من سطح عطارد والزهرة بسبب اللمعان الخافت للنجم، كما يقول بن يحيى.

يوضح المؤلف الرئيسي غوناي غونزاليس هيرنانديز من معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري في إسبانياـ في تصريح حصلت عليه الجزيرة نت، أن “برنارد بي يعتبر أحد أقل الكواكب الخارجية كتلة وأحد الكواكب القليلة المعروفة بكتلة أقل من كتلة الأرض. لكن الكوكب قريب جدا من النجم المضيف، وأقرب من المنطقة الصالحة للحياة”.

رغم قربه من نجمه الأم، فإن درجة حرارة سطح الكوكب أبرد من سطح عطارد والزهرة (ناسا)

الدقة التكنولوجية وراء الاكتشاف

ونظرا لصعوبة اكتشاف الكواكب الخارجية الصغيرة خاصة تلك القريبة جدا من النجم الأم، كان الطريق إلى هذا الاكتشاف طويلا، إذ استمر الباحثون في رصد النجم على مدى السنوات الخمس الماضية باستخدام التلسكوب العملاق “في إل تي” التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي، الموجود في مرصد بارانال في تشيلي، قبل أن يتم تأكيد وجود الكوكب المكتشف.

حسب بن يحيى، فإن “ما جعل هذا الاكتشاف ممكنا هو تطور التكنولوجيات المستخدمة في عمليات اكتشاف الكواكب الخارجية، مثل طريقة السرعة الشعاعية التي تمكن العلماء من استنتاج وجود الكواكب من خلال اكتشاف التغيرات الدقيقة في حركة النجم وطرق تحليل الطيف”.

ويشير بيان المرصد الأوروبي الجنوبي إلى استخدام العلماء أداة على التلسكوب العملاق تسمى “مطياف إيشيل لرصد الكواكب الخارجية الصخرية والمستقرة” أو اختصارا “اسبرسو”، وهو جهاز دقيق للغاية مصمم لقياس اهتزازات النجم الناتجة عن الجاذبية التي تفرضها الكواكب التي تدور حوله. وبدلا من مراقبة الكوكب الخارجي بشكل مباشر، يبحث الجهاز عن “تذبذب” في النجم المضيف ناتج عن جاذبية الجسم الذي يدور حوله، وهو نهج مثالي لاكتشاف الكواكب القريبة جدا من نجومها، مثل هذا الكوكب.

وتم تأكيد نتائج فريق البحث باستخدام بيانات من أدوات أخرى متخصصة في صيد الكواكب الخارجية مثل جهاز البحث عن الكواكب بالسرعة الشعاعية عالية الدقة “هاربس” في مرصد لاسيلا التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي.

هل هناك مزيد من الكواكب في الأفق؟

وبالإضافة إلى الكوكب المؤكد، اكتشف الفريق الدولي دلائل قد تشير إلى وجود 3 كواكب محتملة تدور حول نجم برنارد، ويتطلب تأكيد هذه الكواكب إجراء مزيد من عمليات الرصد باستخدام أداة “اسبرسو” لتأكيدها.

ويشير المؤلف المشارك أليخاندرو سواريز ماسكارينيو، من معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري، في تصريح أورده البيان إلى أهمية هذا الاكتشاف في السياق الأوسع لأبحاث الكواكب الخارجية بقوله إن اكتشاف هذا الكوكب “يُظهر إلى جانب الاكتشافات السابقة الأخرى مثل كوكبي بروكسيما ب و د، أن فناءنا الكوني مليء بالكواكب ذات الكتلة المنخفضة”.

يمهد هذا الاكتشاف، حسب الباحثين، الطريق لمزيد من التطورات المثيرة في مجال أبحاث الكواكب الخارجية. ومن المتوقع أن يحدث التلسكوب العملاق للغاية “إيليت” التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي، الذي يجري بناؤه حاليا، ثورة في قدرتنا على اكتشاف الكواكب الصخرية الصغيرة في المناطق المعتدلة حول النجوم القريبة.

شاركها.
Exit mobile version