كشفت وكالة الفضاء الأوروبية في المؤتمر الفلكي الدولي الذي أقيم مؤخرا في مدينة ميلانو الإيطالية، عن أولى خطوات مشروعها الطموح لرسم أكبر خريطة ثلاثية الأبعاد للكون، التي تضم حتى الآن 14 مليون مجرة.

ويأتي هذا الإنجاز ضمن مهمة التلسكوب الفضائي “إقليدس” الذي أُطلق في الأول من يوليو/تموز 2023، والمصمم لالتقاط صور واسعة النطاق بهدف مساعدة العلماء في دراسة أكثر مكونات الكون غموضا، هما المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

وتعد الصورة التي كُشف عنها مؤخرا فسيفساء مكونة من 208 غيغابيكسل، وتمثل مشهدا ضئيلا من السماء، ومن المقرر أن يجري “إقليدس” خلال 6 سنوات المزيد من المسوحات ملتقطا مئات الصور المشابهة، مما سيمكّن العلماء من إنشاء خريطة تغطي ثلث السماء المرئية، وتصوّر أكثر من مليار مجرة عمرها نحو 10 مليارات سنة.

وفي هذا الصدد، قالت العالمة المشاركة في مشروع “إقليدس” فاليريا بيتورينو في بيان صحفي صادر عن الوكالة: “هذه الصورة المذهلة تمثل فقط 1% من الخريطة التي نطمح إليها، ومع ذلك فهي مليئة بمصادر متنوعة ستساعد العلماء في اكتشاف طرق جديدة لرؤية الكون ودراسته”.

هي البداية فحسب.. وما زال “للخريطة” بقيّة

كشفت الصورة التي عرضت في المؤتمر الكثير من التفاصيل التي تتعلّق بمجرة درب التبانة، كما ظهرت سحب خافتة من الغاز والغبار تُعرف باسم “الغيوم الجزيئية” أو “السُدُم المجرية”، تلمع بظلال زرقاء فاتحة على خلفية الفضاء السوداء، مضاءة بضوء مجرتنا درب التبانة، كما لا يمكن رؤية هذه السحب بالعين المجردة، والتقطت بفضل كاميرا الضوء المرئي فائقة الحساسية التابعة للتلسكوب الفضائي إقليدس.

الجانب الذي رصده إقليدس (وكالة الفضاء الأوروبية)

كما تمتد الفسيفساء على مساحة 132 درجة مربعة من السماء الجنوبية، وهي منطقة تزيد مساحتها بأكثر من 500 مرة عن حجم القمر المكتمل كما نراه من الأرض حينما يكون بدرا.

تمكن إقليدس من جمع 260 صورة منفصلة في غضون أسبوعين فقط، بين مارس/آذار وأبريل/نيسان 2024، ويترقب القائمون على هذا المشروع المزيد من التفاصيل خلال السنوات القادمة.

في الفسيفساء المعروضة، وضع الباحثون خاصية التكبير إلى 600 ضعف مقارنة بالأبعاد الأصلية على شكلها الحالي، وهذا ما يعكس حجم المعلومات الهائلة المرفقة، فمن الممكن الآن أن يحصل العلماء على جميع البيانات المطلوبة لأيّ جرم سماوي في ملف واحد فحسب، بمجرد التكبير والغوص إلى النقطة المطلوبة وفقا للإحداثيات المحددة مسبقا.

مهمة إقليدس الفريدة

تشرف وكالة الفضاء الأوروبية على مهمة إقليدس ضمن برنامج واسع يهدف إلى “رؤية الكون” المرصود بأكمله، وذلك بمساهمة مباشرة من وكالة الفضاء الأميركية ناسا، بالتعاون مع أكثر من 2000 عالم من 300 معهد أوروبي وأميركي وكندي وياباني. وجرى بناء التلسكوب الفضائي بواسطة شركة “تاليس ألينيا سبيس”، في حين عملت شركة “إيرباص للدفاع والفضاء” على تطوير الحمولة الخاصة بالتلسكوب، وقد ساهمت ناسا بأجهزة الكشف الخاصة بمطياف التصوير بالأشعة تحت الحمراء القريبة.

المنطقة التي يمكن لتلسكوب إقليدس أن يراقبها في لقطة واحدة أكبر من المساحة التي يغطيها القمر المكتمل (وكالة الفضاء الأوروبية)

وشوهد إطلاق التلسكوب الفضائي في بداية منتصف 2023 من قاعدة كيب كانافيرال، مزودا بكاميرا ضوئية بدقة 600 ميغابكسل، ومطياف يعمل بالأشعة تحت الحمراء القريبة لدراسة المجرات المتنائية، وبعد حوالي شهر من إطلاقه، وصل إقليدس إلى موقعه التشغيلي عند نقطة “لاغرانج 2″، التي تبعد 1.5 مليون كيلومتر عن مدار الأرض في الجهة البعيدة عن الشمس، ويشارك إقليدس هذا الموقع كل من تلسكوب “غايا” و”جيمس ويب”، حيث يتيح هذا الموقع الثبات اللازم والاحتماء بعيدا عن أشعة الشمس.

ويعد الهدف الرئيس لمهمة إقليدس هو التحقق من القوى الغامضة للمادة المظلمة والطاقة المظلمة، التي يُعتقد بأنها تشكل نحو 95% من الكون، من خلال دراسة أشكال المجرات، وقياس المسافات بينها وكذلك الانزياح الأحمر، ويهدف إقليدس إلى تقديم منظور جديد حول توسع الكون المتسارع.

وستُبنى جميع هذه الأبحاث على ما جرى اكتشافه مسبقا بواسطة عدة مهام مثل تلسكوب “بلانك” التابع هو الآخر لوكالة الفضاء الأوروبية، كما يُعزى تسمية التلسكوب بهذا الاسم، نسبة إلى عالم الرياضيات الشهير اليوناني إقليدس، المعروف بأعماله الهندسية.

شاركها.
Exit mobile version