غزة- “تعسرت ولادته بشكل كبير رغم الجهد الذي بذل من قبل النسوة اللواتي أشرفن على ميلاده، حتى إن لحظات المخاض استغرقت ما يزيد عن 3 ساعات متواصلة”. بهذه الكلمات بدأ تحدث حسام سالم ديب خال الطفل الرضيع محمد سالم، الناجي الوحيد لعائلته.

الطفل محمد فقد عائلته التي مُسحت من السجل المدني، حيث استشهدت أمه شيماء ووالده باسل وإخوته في مجزرة ارتكبها الاحتلال في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة في ديسمبر/كانون 2023، وراح ضحيتها 120 شهيدا، نصفهم ما زال تحت الأنقاض.

ولد الطفل محمد يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 وسط حصار إسرائيلي خانق برا وجوا؛ فكان القناصة يعتلون المباني المجاورة والدبابات في كل مكان، مما أجبر أمه على أن تلده ولادة بدائية في البيت الذي نزحت إليه بحثا عن الأمان، دون أدنى رعاية صحية.

يقول خاله “في اليوم الثامن من ولادته، عند الساعة 6 صباحا، قُصف البيت الذي نزحت إليه عائلته، واستشهدت أمه ووالده وبقي هو الناجي الوحيد والشاهد على المجزرة التي مسحت عائلته من السجل المدني”.

يتابع خال الطفل “في يوم الضربة انتشلت محمد وكان مخنوقا ووجهه يملؤه الغبار، صرت أجري به حتى وصلت المستوصف واستطعت أن أنقذه وعملنا له غسيل معدة ووضعنا الأكسجين له لمدة ربع ساعة حتى استطاع أن يلتقط أنفاسه”.

تقول عمة الطفل هالة سالم ديب، التي تعتني به وتشرف على تربيته، إن “ليلة ميلاده من أصعب ليالي الحرب، إذ كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يحاصر حي الشيخ رضوان، ولا يستطيع أي شخص الخروج من المنزل. كانت أمه تناشد كل من في البيت أن يأخذها إلى المستشفى، ولكن شدة القصف والقذائف المتناثرة كانت أقوى منهم”.

لم تكن تربية طفل رضيع سهلة على عمته، خاصة أنها كانت مصابة وبحاجة إلى رعاية صحية، فهي تهتم بكل تفاصيله اليومية برفقة عمه علّهما يعوضانه ولو بجزء بسيط من حنان والديه.

نزحت العمة إلى مخيم الشاطئ بعد المجزرة التي حلت بعائلتها، وكانت هناك سيدة ترضع الطفل محمد في بداية الأمر.

ناج ثان

في اليوم ذاته وفي المجزرة نفسها، فقد محمد سفيان سالم (6 سنوات)، وهو الناجي الثاني، كل عائلته التي مسحت من السجل المدني. يقول رفيق سالم خال الطفل محمد سفيان “فجأة ومن دون سابق إنذار حاصرت الدبابات المكان والقذائف تناثرت علينا، وكل من يخرج من بيته كان يتم قنصه ويستشهد”.

نزح الجيران إلى البيت الآمن المحاط من عدة بيوت. يقول صاحب المنزل سالم ديب “إن بيتي في المنتصف تحميه البيوت التي تقع على الأطراف مما دعا الجيران وأبناء عمي إلى النزوح عندنا ظنا أنه سيحميهم من هول القذائف التي تمطر عليهم عقابا لصمودهم ورفضهم الخروج من حي الشيح رضوان، وقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بيتي والمربع بأكمله وقتل 120 شهيدا”.

الطفل محمد سفيان نجا من الموت، لكنه لم ينج من تساقط الشظايا، فأصيب في رأسه إصابة متوسطة. وهو في حالة نفسية سيئة من شدة الرعب والخوف الذي رآه، أثرت على قدرته على النطق الجيد، وأصبح يتبول لا إراديا.

ينادي محمد سفيان سالم بأعلى صوته على أمه وأبيه وإخوته قائلا “بدي أمي.. بدي أبوي”، ويذهب إلى زاوية وحيدا يبكي عائلته، وهو لا يعلم أنه أصبح يتيما وحيدا نجا من المجزرة ليشهد على أنه الناجي الوحيد منها.

شاركها.
Exit mobile version