رسمت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية صورة قاتمة للحياة اليومية في قطاع غزة، حيث لم يعد البحث عن الطعام هناك مجرّد مهمة يومية، بل تحوّل إلى صراع بقاء يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني تحت وطأة الحرب والحصار.

فقد بدت الأسواق خاوية، والمساعدات نادرة، والرصاص الإسرائيلي يحاصر حتى طوابير الجوعى. ومع إعلان هيئة دولية أن مناطق في شمال القطاع دخلت رسميا مرحلة المجاعة، تبدو الصورة أكثر قتامة من أي وقت مضى.

وقالت الصحيفة إن سكان غزة يجوبون الأسواق بحثا عن أي مؤن، ويخاطرون بالتعرض لإطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية أثناء عبورهم مناطق القتال للوصول إلى نقاط توزيع المساعدات القليلة، ويجمعون الأخشاب من بين الركام لإشعال النار التي يطهون بها.

ويوم الجمعة الماضي، أكدت منظمة “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي” (آي بي سي)، أن غزة المدينة ومحيطها استوفت المعايير الدولية لإعلان المجاعة، وهي المرة الأولى التي يُسجّل فيها مثل هذا الإعلان في منطقة من الشرق الأوسط.

ووفق الصحيفة الأميركية، فإن الإعلان جاء ليؤكد أن ما يعيشه السكان منذ أشهر من جوع لم يعد تهديدا وشيكا بل واقعا ماثلا.

فتاة فلسطينية تبحث في القمامة بحي الشيخ رضوان في مدينة غزة 24 أغسطس/آب 2025 (الفرنسية)

حكايات الجوع اليومية

ونقلت عن هالة الكموني (49 عاما)، التي تعيش مع 3 من بناتها واثنين من أبنائها في خيمة بـ مدينة غزة: “وضعنا يجعل الحجر يبكي”. وتضيف أن 3 من أطفالها الآخرين قتلوا في غارة جوية.

وتروي الكموني أن هناك أياما لا تجد فيها شيئا تأكله، وأنها تقضي جل يومها واقفة في طوابير طويلة مع مئات آخرين للحصول على مياه من شاحنة توزيع. وإذا ما تمكنت من العثور على مواد غذائية، تبحث بعد ذلك في القمامة عن ملابس مهملة أو كرتون لإشعال النار.

وتمنع الكموني أبناءها من التوجه إلى مراكز توزيع المساعدات خوفا من تعرضهم للقتل، فتكتفي بمحاولة شراء ما يتوفر في السوق بالاعتماد على الأموال التي يرسلها أقاربها من الخارج عبر تطبيقات الهاتف المحمول.

على أن هذه المخاوف ليس مبالغا فيها، فالصحيفة تشير إلى أنه منذ مايو/أيار الماضي، وبعد أن ألغت إسرائيل منظومة التوزيع الأممية وأطلقت برنامج “مؤسسة غزة الإنسانية”، قُتل المئات وأصيب مئات آخرون عند مراكز المساعدات، وفقا للسلطات المحلية.

ويعترف الجيش الإسرائيلي بإطلاقه النار على الحشود “عندما تقترب من القوات”، لكنه يشكك في أعداد الضحايا التي يعلنها المسؤولون في قطاع غزة.

تمنع الكموني أبناءها من التوجه إلى مراكز توزيع المساعدات خوفا من تعرضهم للقتل

أطفال جائعون وواقع لا يُحتمل

لكن الضغوط على من يحاولون العثور على لقمة عيش تتزايد يوما بعد يوم. وقد شارك بعض الغزيين تفاصيل رحلتهم اليومية للبحث عن الطعام في اتصالات هاتفية ورسائل نصية مع صحيفة وول ستريت جورنال.

أرقام الأمم المتحدة تؤكد حجم الكارثة، فقد ارتفع عدد الأطفال الذين تم تشخيص إصابتهم بسوء التغذية من أكثر من ألفي طفل في فبراير/شباط الماضي إلى ما يزيد عن 12 ألفا في يوليو/تموز. ومعظم العائلات تعيش على وجبة واحدة في اليوم أو أقل.

تقول إيمان الجرجاوي (38 عاما) -وهي أم لـ6 أطفال من مدينة غزة، وزوجها صاحب مطعم مشويات دُمّر خلال الحرب- إن عائلتها تحولت سريعا من إطعام الناس إلى أن تصبح هي نفسها بحاجة لمن يطعمها. وعندما اشتدت وطأة الجوع بداية العام، اعتمدت العائلة لأشهر على مطابخ خيرية، لكن سرعان ما نفدت مؤونتها.

لأسابيع لم تجد الجرجاوي طحينا، واليوم تطهو كيلوغراما من الأرز لتقسيمه على 8 أفراد. وبفضل تبرعات عبر منصة “تيك توك” وبيع بعض السلع، تستطيع أحيانا شراء طحين يكفي ليومين وعلبتي بسكويت فقط. “لو لم يكن معنا مال، لما استطعنا شراء أي شيء”، تضيف الجرجاوي.

أما المعلمة السابقة نرمين ماجد (38 عاما)، فتستيقظ كل صباح على أصوات أطفالها الخمسة يرددون العبارة نفسها: “ماما، نحن جائعون”. أحيانا تمر على الأسرة أيام دون أن تجد طعاما، فتلجأ الأم مضطرة إلى شراء ما تجده من لصوص ينهبون شحنات المساعدات. تقول بحزن: “الحرب أجبرتني على التعامل مع أناس سيئين”.

هدية من نوع آخر

في دير البلح بوسط القطاع، احتفلت فاطمة مجدي حمودة بعيد ميلادها الـ 34 وقد حصلت على هدية غير مألوفة عبارة عن كيس صغير من الطماطم والخيار، مع بطاطس وبطيخة صغيرة.

“كانت المرة الأولى منذ زمن نأكل فيها الفاكهة”، تقول فاطمة. وتكتفي عائلتها التي تضم 4 أطفال، بوجبة واحدة يوميا، في حين تنظر فاطمة من نافذتها إلى أطفال يبحثون عن فتات الطعام في الشوارع. وتضيف: “نحن نموت ألف مرة كل يوم”.

ورغم هذه الشهادات الصادمة، ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بتوصيف المجاعة. فقد اتهمت وحدة “كوغات” التابعة للجيش الإسرائيلي اتهمت منظمة “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي” بالاعتماد على مصادر “منحازة”.

وقالت إن المنظمة تجاهلت بيانات إسرائيلية تشير إلى دخول مزيد من شاحنات الغذاء وفتح المجال أمام بعض الموردين التجاريين.

وبدورهم، يصر المسؤولون الإسرائيليون على أن الأزمة سببها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي أشعلت الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وترفض الاستسلام، على حد قولهم.

شاركها.
Exit mobile version