يسعى الزعيم الصيني شي جين بينغ في زيارته إلى أوروبا لتقديم بلاده لعدد من دول القارة بديلا للوحدة عبر الأطلسي، التي أصبحت تشكل عبئا على القارة العجوز.

وفي تقريره، الذي نشرته صحيفة “فزغلياد” الروسية، يقول غليب بروستاكوف إن مسار جولة الرئيس الصيني شي جين بينغ يكشف أنه لن يضيّع الوقت في حوار عديم الفائدة مع أطراف موالية للجانب الأميركي؛ لذلك سيزور المجر وصربيا اللتين يتخذ الاتحاد الأوروبي منهما موقفا سلبيا بسبب نهجهما فيما يتعلق بموسكو والصراع الروسي الأوكراني.

ويضيف الكاتب أن شي يزور أيضا فرنسا، التي أعلن رئيسها، بالرغم من التغيرات على مستوى السياسة الخارجية، “الموت الدماغي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاستقلال الإستراتيجي لأوروبا”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن فرنسا نظرا لثقلها في التوحيد، يمكنها أن تمثل وجهة نظر بديلة لألمانيا فيما يتعلق بمستقبل أوروبا. ويستبعد هذا المستقبل الاتحاد الأوروبي من مواجهة نظامية بين الولايات المتحدة والصين، ويخلق فرصا لتجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا، بل وربما يذهب إلى حد إحياء التفاعل الاقتصادي بعد انتهاء الصراع الروسي الأوكراني.

نورد ستريم

وفي الحقيقة، تم التحضير لزيارة شي بعناية. ولعل المسألة الأكثر أهمية تتمثل في دعوة بكين إلى إجراء تحقيق دولي في “الهجمات الإرهابية” على خط أنابيب “نورد ستريم”.

وقد قيل في العديد من المناسبات إن التحقيق في أكبر عملية تخريب للبنية التحتية في تاريخ العالم سيكون مفتاح تقسيم أوروبا. ومن الواضح أن الموقف تجاه التحقيق في هذا “الهجوم الإرهابي” يقسم الدول الأوروبية إلى دول مؤيدة لأميركا ودول تبحث عن بديل.

وأوضح الكاتب أنه في الحقيقة، لم تشعر أوروبا بعد بالعواقب المترتبة على تقليص التعاون في مجال الطاقة مع روسيا بسبب ضخ كميات صغيرة من الغاز عبر أوكرانيا.

ويغذي هذا التدفق النمسا، التي تستقبل أكثر من نصف وارداتها من الغاز، وكذلك سلوفاكيا وإيطاليا. واعتبارا من نهاية 2024، مع إغلاق طريق الغاز الأوكراني سوف يختفي هذا المصدر. وعليه، ستزداد المنافسة على الغاز الطبيعي المسال الأميركي والقطري وحتى الروسي.

ويفرض ارتفاع أسعار الغاز، والذي تعيشه ألمانيا في الوقت الراهن، عبئا أثقل على الاقتصادات الأضعف في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، الأمر الذي يحفز السخط الشعبي والاضطرابات بين النخب.

وبطريقة أو بأخرى، سيجرب الاتحاد الأوروبي في شتاء 2024 و2025 أو شتاء 2025 و2026 النقص الحقيقي في الطاقة، وهو الوقت الذي تستغرقه دول أوروبا لتقرر أخيرا درجة استقلالها الذاتي.

تقسيم وتصفية الناتو

وذكر الكاتب أن محاولات الصين إضفاء الطابع الذاتي على أوروبا تهدف إلى خفض تكاليف الصدام الحتمي بين بكين وواشنطن. ومما لا شك فيه أن الأميركيين سيجرون الاتحاد الأوروبي، وهو ثاني أهم شريك تجاري للصين بعد الولايات المتحدة نفسها، إلى قلب الحرب الاقتصادية مع الصين.

ومع ذلك، فإن المغريات التي تقدمها الصين قد لا تكون كافية للدول الأوروبية لخيانة الولايات المتحدة، حتى لو كانت تقبع في داخلها مثل هذه الرغبة، نظرا للاعتماد الكبير على الولايات المتحدة في قطاع الطاقة، وكذلك في قطاع الأمن.

وفي الأثناء، تتطابق الأهداف الإستراتيجية لروسيا والصين في الاتجاه الأوروبي، وتتمثل في تقسيم وتصفية الناتو وإنشاء مجموعة من الدول الانتهازية داخل الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تمنع الكتلة بأكملها من الدخول في حرب اقتصادية واسعة النطاق مع الصين، فضلا عن الترويج لتغيير النخب في الدول التي تضطر إلى إظهار الدعم للولايات المتحدة، وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا وغيرهما.

وبحسب الكاتب فإن الأمر ليس سهلا بسبب الافتقار إلى العنصر العقلاني وهو ما يتجلى في أقوال وأفعال النخب الأوروبية، التي تجهل مستقبل هذه الرابطة في عالم سريع التغير.

وفي ختام التقرير نوه الكاتب إلى أن أوروبا أصبحت أقل جاذبية بالنسبة لبلدانها الأعضاء. وفي حين تستطيع الصين تقديم تجارة واستثمارات متبادلة المنفعة، تستطيع روسيا ضمان طاقة رخيصة ومظلة نووية.

شاركها.
Exit mobile version