القاهرةـ بدأت مصر تنفيذ مراحل متقدمة من مشروع تجاري ثلاثي للنقل متعدد الوسائط، جرى الاتفاق عليه قبل شهور مع قيادات كل من الأردن والعراق، لتيسير التبادل التجاري، وتسهيل تدفق النفط والبضائع من الشرق حيث ميناء البصرة إلى الغرب، ومنه إلى البحر المتوسط وأوروبا، بحسب بيان لوزارة النقل.

ويتقاطع الخط التجاري الجديد بالأردن مع آخر قادم من الإمارات ماراً بالأردن، الشريك الثالث مع مصر والعراق في الخط الأصلي، واصلا إلى إسرائيل بمشاركة شركة مصرية التحقت بالمشروع مؤخرا، ليجدد أمل تل أبيب في إحياء قناة بن غوريون عبر خليج العقبة.

والخطان الماران بالأردن يتفاديان هجمات جماعة الحوثي اليمنية على سفن الشحن المملوكة لشركات إسرائيلية، أو المتجهة بالبضائع نحو إسرائيل.

وعلى الخريطة، يظهر الخط التجاري الجديد أقصر كثيراً من المرور عبر الخليج العربي ثم المحيط الهندي فالبحر الأحمر، ويختصر هذا الطريق المسافة الطويلة التي كان يتوجب على السفن قطعها، قبل أن تفاقم تهديدات الحوثيين أزمة السفن العابرة بمضيق باب المندب، وتعجل -برأي مراقبين- بتنفيذ المشروع.

وأعلن الأردن أن الاضطرابات الجارية بالبحر الأحمر تدفع نحو تشغيل خط النقل البري والبحري مع مصر، عقب اتخاذ 103 سفن حاويات مسارا طويلا حول أفريقيا لتجنب الهجمات، الأمر الذي يؤدي إلى تكاليف وتأخيرات إضافية، بينما توقعت شركة “إيه بي مولر-ميرسك” ثاني أكبر مشغل لخط شحن حاويات حول العالم “استمرار الفوضى التي تؤثر على الشحن عبر البحر الأحمر لعدة أشهر”.

ويطرح مشروع الخط الجديد جملة من الأسئلة حول تأثيره على عوائد قناة السويس المتناقصة بالفعل بنسبة قدرها مختصون بنحو 40% بعد هجمات الحوثيين، كما يثير التساؤل حول مدى تأثره سلباً أو إيجابا بخطوط تجارية أخرى جرى الإعلان عنها، ومنها مشروع ممر التجارة العالمي الجديد، القادم من الهند مرورا بالخليج العربي ثم إسرائيل ومنه إلى أوروبا.

وأفادت وزارة النقل المصرية -في بيان- أنها تعكف على تنفيذ خطة متكاملة لتنمية وتطوير محاور النقل الدولية متعددة الوسائط “برى سككي نهري بحري” وفى إطار الممر اللوجستى طابا العريش الجاري تنفيذه حاليًا ضمن عدد 7 ممرات لوجستية تنموية دولية متكاملة.

معلومات مهمة عن قناة السويس.. تعرف عليها

وأكدت الوزارة أنها تقوم حاليًا بتنفيذ المرحلة الثانية من خط التجارة العربي بإنشاء خط سكة حديد “طابا العريش بئر العبد الفردان بطول 500 كيلومتر لزيادة حجم البضائع المستهدف نقلها من الخليج والعراق والأردن إلى أوروبا وأميركا.

ويتكون هذا الطريق -بحسب وزارة النقل المصرية- من ممر سككى يربط بين ميناءي نويبع وطابا المخطط تنفيذه على خليج العقبة بموانئ العريش وشرق بورسعيد على البحر المتوسط، ثم ارتباطاً بكافة الموانئ على البحر المتوسط “دمياط أبوقير الإسكندرية الكبير جرجوب” ومنها إلى الموانئ الأوروبية والأميركية.

إحياء اتفاقيات قديمة

وعدّد خبير النقل البحري الأكاديمي أحمد سلطان ميزات طريق التجارة العربي الجديد في زيادة معدلات التجارة البينية العربية، والمساعدة في نقل صادرات الأردن والعراق من الخليج والشرق العربي نحو إلى أوربا، بالنظر إلى أهمية موقع مصر في التجارة الدولية، ودور ذلك في تعظيم استفادة موانئ البلاد.

ويأتي المشروع الجديد إحياء لطريق بري قديم -كان جزءا من مبادرة الحزام والطريق- قلل أهميته ارتفاع كلفته، مقارنة بطريق مضيق باب المندب والبحر الأحمر وصولا لقناة السويس.

ويؤكد سلطان -في حديث للجزيرة نت- أن المشروع خلال عامه الأول سيزيد التبادل التجاري بين الدول الثلاث، كما سيرفع صادرات مصر بنسبة 11%، وصادرات الأردن بنسبة مماثلة، بينما قد تتجاوز صادرات العراق حوالي 6%.

ويجدد المشروع اتفاقية أغادير الخاصة بالتجارة بين مصر وبلدان المغرب العربي، ويسهل وصول صادرات العراق والأردن للمغرب العربي، ويحل المشروع ـ وفقا لسلطان ـ مشكلات استهداف الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، كما يقضي على محاولات الالتفاف على قناة السويس، مثلما يتردد عن قناة بن غوريون التي تبقي مشروعا غير عملي، وللاستهلاك المحلي داخل إسرائيل فقط

ونفى سلطان أي أثر تنافسي للطرق الدولية على هذا الخط وعلى قناة السويس، فطريق الحرير ينطلق من الصين شمالا مرورا بروسيا وصولا إلى أوروبا، وكذلك ممر التجارة القادم من الهند مرورا بدول الخليج وانتهاء بأوروبا عبر إسرائيل، موضحا أن هذه المشروعات مكلفة جدا، وغير عملية بالمقارنة بقناة السويس، التي تظل أفضل وأرخص ممر لعبور التجارة العالمية.

تأثيرات إيجابية

يرى أستاذ النقل البحري بالأكاديمية العربية للنقل محمد علي -في حديث للجزيرة نت- أن مشروع الطريق التجاري المختصر يحول الطريق بين ميناء العقبة ونوبيع والموانئ المصرية إلى شريان تجاري حيوي، ويفتح الباب نحو تكامل اقتصادي عربي.

وسيعمل الطريق، وفق المتحدث، على تنشيط شركة الجسر العربي التي تملك أسطولا من العبارات واللنشات السريعة التي عملت لسنوات طويلة في نقل السلع والخدمات بين دول المشرق والمغرب، فضلا عن تنشيط الروابط بين الموانئ البحرية العربية المطلة على البحر الأحمر.

ويحيي المشروع وفقا لعلي اتفاقية “أغادير” الموقعة بين مصر ودول المغرب العربي منذ 2001 التي وحدت وخفضت الجمارك بين مصر وتونس والمغرب، ليرفع هذا الخط من مستوى التجارة البينية العربية، وصولا في النهاية إلى السوق العربية المشتركة ومنطقة التجارة الحرة العربية.

وينفي علي أن ينافس المشروع قناة السويس، التي تنقل 12% من التجارة العالمية، وهو فوق طاقة الطريق الجديد المركب المتعدد الوسائط، مما يجعل القناة أقصر وأرخص أداة لنقل التجارة العالمية، رغم تحذيرات من خطورة هذا الخط التجاري العربي على قناة السويس خاصة مع الإعلان عن تحويل ما يزيد على 103 سفن شحن عملاقة مسارها بعد هجمات الحوثيين.

من جهته لفت الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح إلى أن تغييرات متوقعة في أسعار النفط ترفع كلفة النقل البحري والبري، وتفضي إلى زيادة الاعتماد على النقل البحري ورفع أسهم قناة السويس.

واستدرك بالقول: لكن كلما زاد حجم التجارة بين منطقة الشرق الأوسط والعالم يقل الاعتماد على الخطوط البرية.

وأكد -في حديث للجزيرة نت- أن النقل البحري يبقى الأسرع والأقل تكلفة، لاسيما أن توسيع قناة السويس رفع قدرتها على استقبال سفن أكثر مما يقلل من الإقبال على الطرق البرية.

والطريق الجديد بهذا الشكل كما يقول أبو الفتوح- لا يعدو كونه حلا مؤقتا لعزوف بعض الشركات عن استخدام باب المندب والبحر الأحمر بفعل التهديدات الأخيرة، رغم أنه سيسهم في زيادة التبادل التجاري بين الدول الثلاث وفي تنشيط التجارة بين المشرق العربي والمغرب.

شاركها.
Exit mobile version