لقد عرف العلماء منذ مدة طويلة أن الضوء قد يبدو أحيانًا كأنه يخرج من مادة قبل دخولها، وهو التأثير الذي قوبل بالرفض باعتباره وهمًا بصريا ناتجًا عن تشويه موجات الضوء بواسطة المادة.

حينما يدخل الضوء إلى بلورة أو سحابة من مادة ما فإنه يعبر خلالها متفاعلا معها، ومن ثم يخرج منها، ولكن ماذا لو شاهدت الضوء يخرج من هذه البلورة أو تلك السحابة قبل أن يدخلها أصلا؟!

الآن، يقول الباحثون في جامعة تورنتو بكندا إنهم من خلال تجارب كمية مبتكرة معتمدة على تداخلات الليزر أثبتوا وجود “الزمن السالب”، وإنه ليس مجرد فكرة نظرية، بل هو موجود بمعنى ملموس ومادي ويستحق التدقيق من كثب.

عندما تمر فوتونات الضوء عبر الذرات، تمتص بعضها تلك الذرات ثم يعاد إطلاقها لاحقًا، ويغير هذا التفاعل الذرات ويضعها مؤقتًا في حالة طاقة أعلى أو ما يسمى “حالة إثارة” قبل أن تعود إلى حالتها الطبيعية. ولغرض التقريب، يشبه ذلك أن تشعر بقدر من الطاقة بعد شرب فنجان قهوة، ثم تعود للخمول.

صورة للفيزيائية التجريبية دانييلا أنجلو الباحثة الرئيسية بالدراسة مع جهاز في مختبر الفيزياء (جامعة تورنتو)

ليس سفرا في الزمن

في الدراسة الجديدة التي تنتظر النشر في دورية محكّمة في وقت قريب، شرع الفريق في قياس المدة التي بقيت فيها هذه الذرات في حالتها المثارة، وتبين أنها أقل من الصفر، أي “زمن بالسالب”.

ولكي نتصور هذا المفهوم، فلنتخيل سيارات تدخل نفقا؛ فقبل التجربة أدرك الفيزيائيون أنه في حين قد يكون متوسط ​​وقت دخول ألف سيارة -على سبيل المثال- 12:00 ظهرا، فإن السيارات الأولى قد تخرج قبل ذلك بقليل، لنقل الساعة 11:59 صباحا.

ويكمن تفسير هذه الظاهرة في أن الجسيمات مثل الفوتونات تتصرف في عالم الكوانتم بطرق غامضة واحتمالية بلا وجود قواعد ثابتة، فبدلا من الالتزام بخط زمني ثابت للامتصاص وإعادة الانبعاث، تحدث هذه التفاعلات عبر طيف من الفترات الزمنية المحتملة، بعضها عادي يتمثل في مرور ثانية مثلا أو اثنتين، وبعضها الآخر يتحدى الحدس اليومي المعتاد.

ويقول الباحثون في دراستهم إن هذا لا يعدّ سفرا في الزمن بالمعنى المفهوم أبدا ولكنه يعكس الطبيعة الغريبة وغير البديهية لميكانيكا الكم، كما أنه لا ينتهك نظرية أينشتاين للنسبية الخاصة التي تنص على أنه لا يمكن لأي شيء أن يسافر أسرع من الضوء، لأن الفوتونات لم تحمل أي معلومات.

ويعتقد أن إثبات وجود مثل هذه التأثيرات يمكن أن يحمل فائدة مستقبلية لنطاقات الحوسبة الكمومية، حيث يمثل التلاعب بالحالات الكمومية للمادة أهمية كبيرة لتحسين دقة الحواسيب.

شاركها.
Exit mobile version