تسعى شركات صناعة السيارات الأجنبية المتعثرة في الصين إلى الحصول على المساعدة من عمالقة التكنولوجيا المحليين للحفاظ على قدرتها التنافسية في أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، حيث يزداد الطلب على الشاشات الذكية وبرمجيات المساعدة على القيادة وتكنولوجيا الخرائط المتطورة.

وفي معرض بكين للسيارات الذي أقيم مؤخرا -وهو أكبر معرض للسيارات في الصين- أعلنت شركات أجنبية عدة عن شراكات تكنولوجية، منها مثلا الشراكة بين نيسان وبايدو، وتوقيع تويوتا اتفاقية تعاون مع تينسنت.

وتعد الشركتان اليابانيتان (نيسان وتويوتا) من بين عدد من شركات السيارات التقليدية العملاقة التي كانت تهيمن في السابق على سوق الصين، لكنها تواجه صعوبات اليوم لمواكبة جيل جديد من شركات السيارات الكهربائية المحلية الناشئة.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن تو ليه المدير الإداري لشركة “ساينو أوتو إنسايتس” قوله “إنها شركات محافظة معروفة، ولكن كفاءاتها ليست في مجال التكنولوجيا، لقد حاولت الاستثمار في التكنولوجيا الرائدة بمجال السيارات لكن هذا الأمر لا يتطور على نحو طبيعي”.

وأضاف “إنها مضطرة لأن تكون أكثر انفتاحا في مجال التكنولوجيا نظرا للاتجاه الذي يسلكه السوق في الصين والداخلون الجدد إليه، وهي شركات مثل “شياومي” و”هواوي” التي لديها باع طويل في تطوير المنتجات الاستهلاكية عالية التقنية”.

وتخوض هذه الشركات اليوم حرب أسعار ضارية مع أكثر من 100 علامة تجارية صينية للسيارات الكهربائية، وكلها تتزاحم من أجل توفير أفضل الأسعار والتكنولوجيا الأكثر تقدما للمستهلكين الأكثر ثراء.

وقال غريغور سيباستيان كبير المحللين وخبير صناعة السيارات الكهربائية في مجموعة روديوم -وهي شركة أبحاث مستقلة- إن الشركات الأجنبية عانت نتيجة لذلك.

وأضاف “إن صانعي السيارات الأجانب في الصين عموما وصانعي السيارات اليابانيين خصوصا تعرضوا لضربة قوية في فترة 12 إلى 18 شهرا مضت في السوق الصينية”.

وأوضح أنهم “فقدوا حصتهم في السوق بسرعة، ويرتبط هذا ليس فقط بالمنافسة الصينية الشديدة من منتجين مثل “بي واي دي”، ولكن أيضا من العديد من شركات السيارات الكهربائية الناشئة”.

وتغلبت “بي واي دي” -التي تُوجت في السنوات الأخيرة بطلا بلا منازع في القطاع بالصين- على شركة تسلا الأميركية في الربع الأخير من عام 2023 في مبيعات السيارات الكهربائية عالميا.

إلى أين تتجه ثورة صناعة السيارات الكهربائية في العالم؟

حديقة مسوّرة

شركات صناعة السيارات الأجنبية مضطرة اليوم إلى إيجاد سبل لتعزيز مكانتها في سوق تهيمن عليه بشكل متزايد مجموعة من السيارات منخفضة التكلفة ومزودة بتكنولوجيا متقدمة.

وتعد ميزات التكنولوجيا الذكية من بين المجموعة الجديدة من المتطلبات للحصول على التفوق في سباق السيارات الكهربائية بالصين.

لكن مع اشتداد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين في السنوات الأخيرة شددت بكين القيود على وصول الشركات الأجنبية إلى المعلومات التي تعتبرها حساسة، مثل المعلومات المتقدمة وأكوام البيانات التي تنتجها السيارات المحلية.

ومن الأسباب الرئيسية التي تجعل شركات صناعة السيارات الأجنبية تسعى إلى إقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا المحلية هو الاستفادة من ابتكاراتها، وهو ما أرجعه الرؤساء التنفيذيون في صناعة السيارات الصينية إلى المنافسة الشديدة في القطاع، لكن السبب الآخر المهم هو الوصول إلى البيانات.

وقال رئيس قسم السيارات والتنقل في شركة “إنترالينك” الاستشارية دانييل كولار “نحن أمام ما يشبه سيناريو الحديقة المسورة هنا، تريد الصين أن يُنظر إليها على أنها تلعب وفقا للقواعد، وتسمح للاعبين الأجانب بالوصول إلى السوق، لكنها في الحقيقة لا تريد التخلي عن الجانب الأمني”، ويكمن الحل في العمل مع شريك صيني.

وقال غريغور سيباستيان كبير المحللين وخبير صناعة السيارات الكهربائية “إذا كنت ترغب في تقديم حلول لرسم خرائط متقدمة جدا في الصين فأنت بحاجة إلى العمل مع شركة محلية، وعندها إما أن ترخّص بيانات الخرائط الخاصة بها أو تدخل في مشروع مشترك معها”.

عين على المستقبل

بدورها، أشادت نيسان باتفاقها مع شركة “بايدو” باعتبارها تسمح لها بتوفير “نظام (أنظمة) معلومات مهمة وخدمات قائمة على الذكاء الاصطناعي للعملاء في الصين وخارجها”.

وقالت تويوتا إن اتفاقها مع شركة الألعاب العملاقة “تينسنت” حول الذكاء الاصطناعي سيساعدها على الاستفادة من شهية المستهلكين الصينيين المتزايدة للميزات الذكية المتقدمة في السيارات التي تبيعها بالصين.

من جهتها، بدأت “بايدو” مؤخرا التعاون مع شركة هيونداي الكورية الجنوبية العملاقة للسيارات وشركة كيا التابعة لها.

وقال تو ليه من شركة “ساينو أوتو إنسايتس” إن الشركات الصينية هي التي تتحلى بالخبرة على وجه التحديد في المجال الذي تتخلف فيه الشركات الأجنبية.

وتابع “هذا بالإضافة إلى كون معظم شركات صناعة السيارات ضعيفة بشكل خاص في مجال التكنولوجيا الرقمية، مما يخلق فرصة مثالية لشركتي بايدو وتينسنت لتحقيق هذا التحول نحو مجال التنقل”.

وخلال زيارة مفاجئة إلى بكين الأسبوع الماضي التقى إيلون ماسك رئيس شركة تسلا بكبار المسؤولين الصينيين وحصل على ترخيص أمني مهم لسيارات الشركة الكهربائية المنتجة محليا.

وتزامن هذا الاختراق في المجال التنظيمي مع تقارير تفيد بأن شركة تسلا أبرمت صفقة مع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة بايدو للخرائط والتوجيه أثناء التنقل (الملاحة).

وقال سيباستيان إن الشراكات التكنولوجية مدفوعة بإستراتيجية طويلة المدى تهدف إلى البقاء في موقع متقدم بالسوق الصينية.

وأضاف “نتحدث هنا عن السنوات الـ15 القادمة وليس عن السنتين أو الثلاث التالية، إذا استمرت العلاقات السياسية مع الصين مستقرة ولم تتدهور أكثر فربما تستطيع (الشركات الأجنبية) الاستفادة من بايدو أو تينسنت لمنتجات الجيل التالي في ثلاثينيات القرن الحالي”.

وقال تو ليه إن إمكانيات الذكاء الاصطناعي في السيارات الذكية يمكن أن تكون هائلة.

وتابع “تخيل أن النظام المستقل في السيارة لديه إمكانية الوصول إلى جميع بياناتك القديمة إلى جانب بيانات رحلتك وقيادتك وعادات الشراء لديك وتفضيلاتك، هذا يمكن أن يستحدث طرقا لتحقيق دخل منك بناء على عاداتك ومعلوماتك كل بضع دقائق”.

شاركها.
Exit mobile version