ضربت عاصفة رملية عنيفة مناطق وسط وجنوب العراق، مما تسبب في المئات من حالات الاختناق، وفقا لما أعلنته السلطات الصحية. وفي الكويت، أعلنت إدارة الأرصاد الجوية أن البلاد تتعرض لرياح شمالية غربية مثيرة للغبار تزيد سرعتها على 60 كم/ساعة.
وأعلنت الأرصاد القطرية عن رصد رياح شمالية غربية من نشطة إلى قوية السرعة على معظم المناطق مع تدني في مدى الرؤية الأفقية بسبب الغبار.
وفي السعودية، أعلنت الأرصاد أن مناطق متفرقة من البلاد تشهد هطول أمطار خفيفة ورياحا نشطة مما يؤدي إلى تدنٍ في مدى الرؤية الأفقية، مع صواعق رعدية وأتربة مثارة ورياح شديدة.
أما البحرين، فقد شهدت منذ ساعات الليل المتأخرة من يوم الاثنين، موجة غبار كثيفة مصحوبة برياح قوية، بينما تدنت الرؤية الأفقية إلى حد كبير.
موجات الغبار
وفقا للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية، تعرف العواصف الغبارية بأنها تلك الظاهرة التي تحدث حينما تحمل الرياح القوية الرمال والغبار من التربة الجافة إلى الغلاف الجوي، ناقلة الجسيمات لمسافات شاسعة.
والواقع أن 330 مليون شخص في 150 دولة حول العالم يتأثرون بالعواصف الرملية والترابية كل عام، وبشكل متزايد خلال نصف قرن مضى.
وتتركز أهم مصادر الغبار عالميا في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وخاصة الصحاري الكبرى مثل الصحراء الكبرى في أفريقيا، وصحراء جوبي في آسيا، وصحراء العربية في شبه الجزيرة العربية.
وتنشأ هذه العواصف من مصادر طبيعية كالصحاري، وقيعان البحيرات الجافة، ولكن الأنشطة البشرية تفاقم المشكلة من خلال البناء والزراعة وسوء إدارة الأراضي، مما يُجرد الغطاء النباتي ويُعرّض التربة للتعرية بفعل الرياح.

إلى أي حد هي خطيرة؟
العواصف الغبارية ليست مجرد “غبار في الجو”، بل هي ظاهرة خطيرة لها تأثيرات متعددة على الصحة والبيئة والاقتصاد، ولذلك تأخذها الحكومات عادة بجدية شديدة.
حيث يمكن لموجات العواصف أن تسبب مشاكل في التنفس، فتدخل جسيمات الغبار الصغيرة إلى الأنف والرئتين، وقد تسبب أزمات ربو والتهاب القصبات وضيق التنفس.
وإلى جانب ذلك، قد تتسبب تلك الموجات في تهيج واحمرار العين، وجفاف وتحسس الجلد، إلى جانب أنه في بعض المناطق، قد تنقل موجات الغبار فطريات وبكتيريا ضارة.
وعلى المستوى البيئي، فإن تلك الموجات قد تتسبب في فقدان طبقة التربة الخصبة، وبالتالي تقلل من القدرة الزراعية للأرض.
كما أن الغبار يغطي أوراق النباتات ويمنعها من التنفس أو التمثيل الضوئي، ويترسّب في الأنهار والبحيرات مما يُضر بالكائنات المائية. كل هذا ولم نتحدث عن تعطيل حركة الطيران والمواصلات، وإعاقة الرؤية، وأضرار للبنية التحتية.
ويصل الأمر لما هو أعمق من ذلك، حيث أظهرت دراسة صادرة من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أن العواصف الغبارية أخطر مما سُجِّل سابقا.
حيث كشفت الدراسة أن العواصف الغبارية -التي كان يُعتقد سابقا أنها نادرة ومعزولة في مناطق معينة- تُسهم في زيادة عدد وفيات حوادث المرور في الولايات المتحدة كنموذج بحثي مقارنة بالوفيات المُسجلة.
وقد وجد الباحثون أن العواصف الغبارية تسببت في خسائر في الأرواح تُضاهي أحداثا مثل الأعاصير وحرائق الغابات في بعض السنوات
وظهر أن الوفيات الناجمة عن الغبار أكثر شيوعا في المناطق التي تُثير فيها الرياح الناجمة عن العواصف الرعدية القوية الغبار والرمال في المناطق الصحراوية.
هل ستزيد مستقبلا؟
في سبتمبر/أيلول 2015، ضربت عاصفة رملية شديدة شبه الجزيرة العربية ومحيطها، ووصفها البعض بأنها استثنائية، تسببت العاصفة بحالات وفاة وإيقاف الحياة العامة في تلك الدول.
في تلك الأثناء، عكف فريق بحثي من جامعة برينستون على دراستها، لتكشف النتائج أن التغير المناخي، مع عوامل أخرى، كان سببا رئيسيا في تلك المفاجأة المناخية القاسية، فحالات الجفاف التي شملت مناطق عدة في الوطن العربي، خاصة أن صيف هذا العام كان حارا بصورة غير مسبوقة، رفع من كمية الغبار المتاحة مما جعله من المرجح أن يُطرد إلى الغلاف الجوي بكميات أكبر من المعتاد.
مع احترار الكوكب، واستمرار مستويات الجفاف في التزايد، ومع الموجات الحارة، ضمن عوامل أخرى حسّاسة استثارها التغير المناخي، يتوقع الباحثون في هذا النطاق أن يرتفع تردد وشدة العواصف الرملية في المنطقة، وهو ما حدث بالفعل خلال السنوات الـ15 السابقة.
والواقع أن علاقة تغير المناخ بظاهرة العواصف الغبارية أصبحت أوضح في السنوات الأخيرة، حيث يعرف العلماء أن تغير المناخ يزيد من ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار، وهذا يؤدي إلى جفاف التربة وفقدان الغطاء النباتي، هذه التربة الجافة وغير المثبتة تصبح عرضة للرياح، فتتحول إلى مصدر للغبار.
ومع الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة التربة، فإن الغطاء النباتي ينخفض على مستوى العالم، وبشكل خاص في المناطق الأكثر جفافا، وهذا يسهّل على الرياح رفع الغبار والرمال إلى الجو.
إلى جانب ذلك، فإن تغير المناخ يغيّر اتجاهات وقوة الرياح الموسمية، وفي بعض المناطق، أصبحت الرياح أقوى وأطول زمنا، مما يزيد من احتمالية العواصف الرملية.
مستقبل حرج
وقد شهد العالم العربي بالفعل ازديادا في عدد وشدة العواصف الرملية، بسبب فترات الجفاف الطويلة، كما عانت الصين ومنغوليا من زيادة في “الغبار الأصفر” مع تصحر مناطق واسعة، وواجهت منطقة الساحل الأفريقي تحديا كبيرا في هذا السياق، فهي أحد أكثر الأماكن تضررا، حيث تهب عواصف غبارية ضخمة تمتد حتى أميركا اللاتينية.
وقد تأثر العالم العربي بشكل حاد بالتغير المناخي على مدار القرن الماضي، بسبب الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الإقليمية والعالمية، مع العديد من التأثيرات على البيئة والنظم البيئية الطبيعية والبشر.
وبحسب دراسة نشرت في دليل تغير المناخ والتدهور البيئي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فإنه نظرا لمناخ المنطقة القاحل والصحراوي في الغالب، تحتوي المنطقة على أكثر مصادر الغبار المعدني نشاطا، حيث تمثل أكثر من نصف الانبعاثات العالمية.
وفي هذا السياق، أشارت الدراسة إلى أن هناك أدلة متزايدة على أن تغير المناخ يؤثر على شدة العواصف الغبارية في المنطقة، ويرفع من شدتها وطولها وترددها عقدا بعد عقد، ولذا فمن المتوقع أن تشهد منطقتنا العربية المزيد من هذه العواصف مستقبلا، وتعمل بعض الدول بالفعل بناء على تلك الرؤية.
وبشكل عالمي، أعلنت الأمم المتحدة يوم 12 يوليو/تموز اليوم الدولي الأول لمكافحة العواصف الرملية والترابية، وتهدف هذه الخطوة إلى زيادة الوعي بالتهديدات التي تُشكلها هذه العواصف وتحفيز الجهود الدولية لمواجهتها، في سياق تزايد عالمي لهذه الأحداث المناخية المتطرفة.